صراع يومي مع القناصة داخل بلدة سورية خائفة تستعد لانتقام الجيش

أحد الأهالي يحفر قبره ويصور نفسه بكاميرا قائلا: إذا «استشهدت» على الأقل سأشعر بالكرامة

احتجاجات خرجت في حمص بعد صلاة الجمعة أمس مطالبة بسقوط الأسد (أ.ف.ب)
TT

بدأ الليل يرخي سدوله على مدينة مظلمة مرتعدة في جنوب سوريا في أدنى واد يقع على مقربة من حمص، بينما يتردد صرير باب حديدي ينفتح ويظهر تاجر شاب يدعى محمود، يصعد سلما في منزله ويحمل في يديه كاميرا فيديو، استخدمها لتصوير نفسه وهو يحفر قبره. كانت المقبرة على الطريق خلف صف من المتاجر المغلقة الملاصقة لحارة لقناصة. وعلى بعد نحو 500 متر يتمركز الجيش السوري. ويقول محمود بزهو وهو يعرض صورا للجاروف بين الأحجار البيضاء للمقبرة وهو يشق طريقه وسط التراب الأحمر الداكن للمدافن: «لا أهتم بتكوين ثروة أو الزواج». تعثر في الظلام من أجل تقديم برتقال للتعبير عن كرم الضيافة. واستطرد: «إذا استشهدت على الأقل سأشعر بالكرامة، فأنا لن أعيش بهذه الطريقة». هناك شعور بالقدرية يسيطر على هذه المدينة، التي لن نذكر اسمها بناء على طلب سكانها.

السكان يتأهبون للهجوم الذي يخشونه من قبل جيش كبير يسعى للانتقام على أطراف المدينة. كل يوم وليلة، يذكر القناصة التابعون للنظام، الذين يتسللون ليتمركزوا فوق المباني الحكومية المنخفضة السكان، بأن الجيش السوري قابع هناك ويستعد للانقضاض عليهم. يتحرك القناصة وسط الهواء الشتوي مثل سوط يشق الهواء. لا يكسر الصمت الذي يعم أرجاء هذه المدينة المحاصرة، سوى أصداء أصوت المؤذن وصياح الديكة الغريب وهدير الدرجات النارية القديمة. وكثيرا ما يتبع ذلك أصوات طلقات نارية يشبه صوت صرير إطارات السيارات والصراخ الذي يعقب وصول ميت أو مصاب إلى العيادة في المدينة. كثيرا ما تكون الإصابات لأفراد يحاولون الهروب عبر الحدود اللبنانية - السورية بمرورهم في أرض يسيطر عليها النظام أو يذهبون في رحلة قصيرة إلى غرفة الجثث المؤقتة. أما الباقي فيحظون برعاية صحية في عيادة غير مجهزة بكامل المعدات الطبية. ويسيطر الجيش السوري على المستشفى الرئيسي، وبالتالي فهو لا يستقبل الضحايا. في صباح اليوم التالي لاستعراض محمود استعداده للموت، أعلن أحد خطباء المساجد وفاة ثلاثة رجال اعتقلوا بالقرب من المقابر قبل يومين. وتمت إعادتهم إلى أسرهم بإصابات بطلق ناري وسكين وتم دفنهم في فترة ما بعد الظهيرة. نحو الساعة الثانية عشرة والنصف، بدأت الشوارع البائسة الكئيبة التي تصطف بها منازل من الخرسانة الرمادية تعج بالناس. وكان الرجال يتحدثون بصوت مرتفع خارج أحد المساجد، الذي هدمت مئذنته من جراء قصف حدث منذ أسبوعين، بينما تقف النساء في هدوء على الرصيف. وكان يرتدي بعض الرجال كوفيات بألوان علم سوريا القديم الذي سبق قيام ثورة حافظ الأسد التي دشنت لحكم أسرته الذي دام أكثر من 40 عاما، بينما كان البعض الآخر يحمل أعلاما تصف المتوفين بالشهداء.

بدا أن الجمع يحملقون على نقطة في المنتصف، بينما كانت أمزجتهم تتحول من التحدي إلى الخوف بسهولة. وأصبحت الجنازات تجمع معتاد هنا، حيث اعتاد المعزون طقوس الحزن التي تبعث بالمزيد من الشباب إلى القبر. وحملوا الجثث الثلاثة من المسجد وطافوا بها أنحاء المدينة، واقتربوا من حارة القناصة، حيث يوجد ملصق ضخم للرئيس بشار الأسد وهو يبتسم.. لقد ازداد عدد المعزين ووصل إلى نحو الألفين، وكان الغضب الجماعي يعتمل في النفوس مثل البخار المكتوم. وأخذ رجل يصيح قائلا عبر مكبر للصوت: «واحد، واحد، واحد، الدم السني واحد»، بينما انفجر آخر ضد العلويين. ويقول المحتجون هنا، إنهم اعتادوا النظر إلى العلويين باعتبارهم نخبة تتمتع بامتيازات. ويجاهر الكثيرون الآن بنظرتهم المختلفة إلى العلويين كظالمين، بل الأسوأ من ذلك أنهم يرونهم كمنافس ديني قديم وطرف يسعى للسيطرة على المنطقة نيابة عن إيران. من الواضح أن الطائفية بدأت تنتشر في بعض الأحياء التي تمثل قلب الثورة السورية ومساحة شاسعة من الأرض التي تمتد من حمص إلى حماه وإدلب وجنوبا باتجاه المدينة المحاصرة بالقرب من الحدود اللبنانية. ويشير بعض السكان المحليين إلى أن لهذا التوجه رد فعل. ويقول أحمد، وهو عاطل عن العمل، ويشارك في كل المظاهرات الأسبوعية في المدينة منذ بداية الاحتجاجات ضد نظام الأسد في مارس (آذار) الماضي، إنه اعتقل سبتمبر (أيلول) الماضي بعد عودته من المظاهرة بفترة قصيرة. وقال الأسبوع الحالي وهو يلعن الأسد ومحتجزيه الذي قال إنهم علويون: «لقد اقتادوني إلى السجن وبصقوا علي واتهموني بأنني إرهابي. لقد قيدوني، ثم صعقوني في مكان حساس مما أصابني بالعجز. لقد انتهيت. إنهم يدفعون البلاد إلى حرب دينية وهو ما سيحدث بالتأكيد».

وكان يجلس بجواره على أرض الغرفة الخالية الباردة جندي شاب مجند يدعى جلال هرب من وحدته في دمشق منذ شهر عندما واتته فرصة الهرب. وقال: «لقد قيل لنا أن نبتعد عن المنطقة التي حدثت بها تلك الانفجارات التي شهدتها في دمشق خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) قبل ساعتين من حدوثها. وحدث الأمر نفسه في التفجيرات الانتحارية التي شهدها الميدان بعد شهر من الانفجارات الأولى. لم نكن نستطيع مغادرة ثكناتنا لأن الكاميرات كانت تراقبنا طوال الوقت. لي 20 زميلا على الأقل يودون الهروب والانشقاق من الجيش».

على بعد أربع بنايات يوجد الجيش السوري الحر الذي كان يحرس المدخل الشمالي للمدينة. وكان موقع الدفاع يضم سلاح بنادق آلية عيار 50 وعددا كبيرا من الكلاشنيكوف وبعض القذائف الصاروخية. وعلى مقربة من ذلك الموقع هناك دبابات الجيش السوري وقطع مدفعية. وبين الموقعين توجد أرض على الحياد لا تخضع لسيطرة أي طرف وهي حقول وبساتين خضراء يستخدمها الثوار في اختبار المواقع السورية ولا يزال يعمل بها بعض المزارعين الشجعان قبيل الربيع. على بعد كيلومترين شمال المدينة هناك مساحة شاسعة من الأرض الحمراء فوق العشب. وعلى بعد مترين في باطن الأرض توجد أربعة جثامين، أكلت بعضها الحيوانات، واثنان مقيدا الأيدي والأرجل. لم يجمع أحد هذه الجثامين، وبحسب ثوار وكبار سكان المدينة، لا يعتزم أحد القيام بذلك. وقال أحد القادة في المدينة يدعى دكتور عباس: «إنهم ليسوا من هنا، لا يعرف أحد ماذا حدث لهم».

عادة ما يتعرف أهل المدينة على جثة أي متوفى، سواء كانوا من المنشقين عن النظام قتلوا على أيدي أعوان النظام أو جنودا تابعين للنظام قتلوا على أيدي المعارضة. الكثير من الجنود في نقاط التفتيش القريبة من المنشقين حديثا عن الجيش السوري الذين انضموا إلى صفوف الثوار في المدينة ويقدر عددهم حاليا بـ800. ويضم الجيش السوري الحر أيضا عددا كبيرا من العاطلين عن العمل يطلقون لحاهم ويرتدون ملابس يعرف بارتدائها السلفيون المتشددون. الجدير بالذكر أن النظام اتهم السلفيين بالضلوع وراء اندلاع الثورة، حيث يقول إنهم يمثلون جزءا من مؤامرة تهدف إلى كسر التحالف السوري - الإيراني بمساعدة القوى الغربية.

وخلال الأسبوع الحالي، دعا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري المسلمين للسفر إلى سوريا لمحاربة النظام - وهي الدعوة التي استغلها أنصار الأسد كدليل على وجود مؤامرة. ومع ذلك، تم شجب هذه الدعوة على نطاق واسع هنا ووصفها بأنها غير مفيدة، حتى من قبل الجيش السوري الحر الذي هو في أمس الحاجة إلى المزيد من السلاح والرجال والأموال.

وقال أحد السكان ويدعى محمد: «هناك انزعاج شديد في الغرب من السلفيين. لا يعني مجرد إيمانهم بالطرق القديمة أنهم يكرهونك بسبب شخصك أو انتمائك». وقال ناصر، وهو من سكان المدينة وعرض علينا ملجأ: «لقد بدأنا ثورة حقيقية وسوف تنتهي أيضا كثورة حقيقية، ولن نسمح بأن يتم إجهاضها عن طريق أي شخص. أنا لا أقبل أي تدخل، سواء من حلف شمال الأطلسي أو من غيره، ولا من تنظيم القاعدة أيضا، وسوف ننهي ما بدأناه بأنفسنا».

وفي الحقيقة، تبدو وسائل تحقيق ذلك محدودة في هذه المرحلة، حيث تعاني البلاد من حالة شلل تام نتيجة الفوضى الحالية بعدما يقرب من 12 شهرا من الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها في مدينة درعا الجنوبية.

وقال أحد مهربي الأسلحة، والذي ادعى أن خط الإمدادات من لبنان كان على وشك «الجفاف» خلال الأسبوع الماضي: «إننا بحاجة إلى مزيد من الأسلحة، كما أننا لا نملك الكثير من الذخيرة».

وحتى لو نجح المحتجون في الحصول على أسلحة جديدة، فإن فرص نقلها إلى حمص قد تقلصت إلى حد كبير خلال الأيام العشرة الماضية، وذلك بعدما قطع الجيش السوري خطوط الإمداد الرئيسي للمدينة التي تعد ثالث أكبر المدن السورية، في الوقت الذي تقوم فيه الصواريخ والقذائف بدك مناطق المتمردين بلا هوادة. وغالبا ما يتم انقطاع التيار الكهربائي لعدة أيام، علاوة على النقص الحاد في المعروض من البنزين، وانقطاع خطوط الهاتف وشبكة الإنترنت.

وقال أحد الثوار والذي يعمل كسائق: «هذا مستحيل». وعندما تم سؤاله عن إمكانية الوصول إلى المناطق المحاصرة في بابا عمرو والخالدية، رفع السائق يده وقال: «سوف يستغرق الأمر أسبوعا على الأقل لإيجاد طرق جديدة هناك».

وعلى الرغم من افتقاره للقوة العسكرية، نجح الجيش السوري الحر في الاستيلاء على بعض الأراضي القريبة من الحدود اللبنانية، والتي يحاول الآن تأمينها ضد تقدم النظام المتوقع على نطاق واسع. وتعد هذا المناطق مكانا ممتازا لعمل الثوار، حيث يوجد بها الكثير من المناطق الخضراء والطرق الوعرة وأشجار الحمضيات، بالإضافة إلى بعض المناطق المقفرة والخالية من الفاكهة في هذا الشتاء القارس.

وفي مزرعة صغيرة لا تبعد كثيرا عن طاحونة مائية تعود إلى عهد الرومان ولكنها ما زالت تعمل حتى الآن، كان هناك مجموعة من المقاتلين المرهقين الذين جاءوا إلى هنا كي يستريحوا بعد ليلة مرهقة من الوقوف للعمل في دوريات للحراسة. وكان هناك بندقية قديمة من طراز «لي إنفيلد» التي كان يتم استخدامها في الحرب العالمية الثانية، تميل على جدار متهدم، و4 أنابيب صواريخ مصابة بالصدأ تم التخلص منها بالقرب من فضلات الكلاب. وقال أحد الرجل: «إنها لا تعمل. لبنان به الكثير من الأسلحة ولكنهم لم يرسلوا إلينا إلا هذه الأسلحة الفاسدة، ولك أن تعرف أن ستة من أصل عشرة منها غير صالحة للاستخدام».

وبجانب تلك الصواريخ التي لا تصلح للاستخدام، كان هناك ما لا يقل عن صاروخ واحد جديد مغطى بالبلاستيك، وهو ما يعد بمثابة غنيمة وشيئا قيما للغاية بالنسبة للثوار. وعلاوة على ذلك، كان هناك سلاح رشاش جديد مثبت على الجزء الخلفي من إحدى الشاحنات.

وتكتظ البيوت الزراعية الموجودة في المنطقة الممتدة من هنا وحتى حمص بعشرات، إن لم يكن المئات، من الأسلحة المماثلة؛ وهي الأسلحة التي تستطيع إرباك الجيش السوري، ولكنها لا تكفي بأي حال من الأحوال لإلحاق الهزيمة به. وعلى الرغم من ضربات المدفعية الشرسة، بدأت نتائج تكتيكات الثوار تظهر جليا، حيث نجحوا في حرق عربة مدرعة في صباح أحد الأيام. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، عاد أحد زعماء الثوار إلى البلدة وعلى وجهه ابتسامة المنتصر، وصاح قائد القوات النظامية وهو يقفز من سيارته قائلا «الله أكبر، لقد نجح الرجال في النيل من اللواء على الطريق السريع». وكان الثوار قد هاجموا للتو قافلة للنظام السوري على الطريق المؤدي إلى حمص، ويعتقد أن قياديا بارزا في الجيش قد لقي مصرعه. وكانت نيران القناصة الانتقامية أشد قسوة وكثافة في ذلك اليوم من أي يوم آخر خلال الأسبوع الماضي.

وقد تم نقل ثلاثة رجال إلى العيادة الطبية بعد إصابتهم بطلقات نارية، اثنان منهم من المسيحيين وكانا يعملان كبائعي حليب، في حين كان الثالث ينتمي للطائفة العلوية. وكان الرجل العلوي يعاني من جرح غائر في مؤخرة جمجمته، وتم نقله على الفور إلى الجزء الخلفي من السيارة، في الوقت الذي كان فيه اثنان من الممرضين يضغطان عليه ويقومان بالتهوية عن طريق مضخة يدوية على طول الطريق إلى الحدود. وبالعودة إلى العيادة مرة أخرى، كان أحد الرجلين المسيحيين يرتعش ويهتز على الأرض بطريقة لا إرادية من أثر الرصاصة التي استقرت في ظهره، أما الرجل المسيحي الآخر فكان يعاني من جرح في البطن وتم وضعه على أحد الأسرة للدخول في حجرة العمليات. وقد مرت الرصاصة من جسده وأصابت صديقه الذي كان يركب خلفه على دراجته النارية.

وقال أحد الأطباء ويدعي قاسم: «إنهم يتحدثون عن الطائفية، ولكننا سوف نساعد أي شخص يأتي إلينا، حتى لو لم يكن مع الثورة. وسوف نقوم بعلاج هؤلاء الرجال، على الرغم من أن الرجل العلوي في حالة سيئة للغاية، ولا أعتقد أنه سوف يبقى على قيد الحياة». وفي قاعة الاجتماعات المفروشة بالسجاد، أوضح الدكتور عباس كيف قام بالوساطة لتسوية بعض الخلافات التي حدثت في الآونة الأخيرة بين بعض العائلات المسيحية وبين الغالبية السنية الموجودة في المدينة، حيث قال: «لا يتعلق الأمر بكون هذه العائلات تنتمي للديانة المسيحية، ولكن لأن بعض أفراد أسرهم قد انضم إلى الشبيحة (وهي ميليشيات موالية للأسد) ويقوم بشن الهجوم علينا. وقد تم القبض على اثنين من أفراد هذه العائلة من قبل الجيش السوري الحر، ونتيجة لذلك قاموا باختطاف بعض المسلمين السنة. وكرد فعل على ذلك، قام السنة باختطاف بعض المسيحيين، ثم تم الإفراج عن كافة المختطفين بعد بعض المفاوضات. في الواقع، لا يتعلق الأمر بالاختلاف بين الأديان، ولكن لأن غالبية المسيحيين يؤيدون النظام».

وكان هناك أيضا عمليات خطف متبادلة في حمص، وهو ما أدى إلى بعض عمليات القتل الجماعي الطائفي - وهي الظاهرة التي قسمت المدينة بشدة وأثارت حالة من الرعب في المناطق النائية. وقال عباس: «هذا هو ما يريده النظام بالضبط، وهو تقسيمنا إلى فئتين نقاتل بعضنا البعض».

وثمة قضية أخرى تعمل على تقسيم المدينة في الوقت الحالي، وتوضح أنه على الرغم من أن الثورة يمكن أن تثير الكثير من الآمال والأحلام، فإنها قد تتسبب أيضا في هلاك البعض الآخر، فقبل أسبوع من الآن، وافق أحد شيوخ المدينة على تولي منصب إداري رفيع، وقال إنه سوف يستغل ذلك المنصب لخدمة جميع السكان، ولكن كان هذا يعني في واقع الأمر أنه قد أصبح جزءا من الحكومة والنظام. وقال أحد الأشخاص الذين أجرينا معهم حوارا: «لقد كان يحلم بهذا المنصب طوال حياته، وحاول العمل في هذه الوظيفة ثلاث مرات من قبل ولكنه فشل، ولكن جاءته الفرصة الآن، لأن الجميع لا يريد هذا المنصب، ولذا وافق على العمل في هذه الوظيفة، على الرغم من تكلفة ذلك على الثورة في هذه البلدة وعلى عائلته، حيث يريد الجيش السوري الحر قتله الآن. لقد أخبرناه الليلة الماضية بأنه سيقتل إذا لم يغادر المدينة».

وصباح يوم الأربعاء، ارتشف الرجل العجوز قهوته بين الدجاج والقطط، ثم قاد سيارته وتوجه إلى حمص، على طول الطريق السريع المليء بنقاط التفتيش. وتعني هذه الرحلة أنه أصبح من رجال النظام، ولذا تعين عليه إما أن يعيش في المنفى وإما أن يعود ليموت في المدينة. وتوجه الكثير من قريبات الذين فقدوا أرواحهم في الآونة الأخيرة إلى المقابر ووضعن أكاليل الزهور، في الوقت الذي يتم فيه حفر مزيد من القبور في الأماكن القريبة. ولا يزال القبر المخصص لمحمود نظيفا وفارغا - حتى الآن على الأقل. ولن يتم دفن الرجل العلوي هنا، بعد أن نجا خلال رحلته إلى لبنان، وهو ما يعد خبرا من الأخبار الجيدة القليلة في سوريا خلال الأسبوع الحالي. وقال محمود: «بالطبع، سيكون هناك مزيد من الشهداء. إنهم يعطوننا الكرامة، وهم قدرنا».

* باتفاق خاص مع «الغارديان»