تجار إيرانيون في دبي يتساءلون: كيف نعمل ونحن لا نستطيع تحويل الأموال؟

8000 تاجر وشركة إيرانية في الإمارة يواجهون خطر انهيار أعمالهم جراء العقوبات

TT

انتقل رضا، وهو رجل أعمال إيراني في منتصف الثلاثينات إلى دبي، منذ عشر سنوات، ليجرب حظه.. ولفترة من الوقت نجح وبلغ حجم المبيعات في شركته لتجارة المعدات 70 مليون دولار، لكن خلال الـ18 شهرا الماضي تبدد معظم ما حققه.

وبلغت العقوبات الدولية المشددة على إيران بسبب برنامجها النووي المتنازع عليه ذروتها، في استحالة أن يحول رضا مدفوعات عبر البنوك. يقول رضا إن ذلك اضطره إلى الاستغناء عن 22 من طاقم موظفيه البالغ عددهم 26، وقطع علاقات العمل مع شركات كبرى، مثل «كوماتسو» اليابانية.

وأضاف رضا، الذي طلب عدم نشر اسمه بالكامل، خوفا من أن يواجه مشكلات سياسية داخل إيران: «إذا لم أتمكن من تحويل أي أموال كيف يمكنني أن أمارس نشاطي.. منذ شهر انتهت أعمالي رسميا. نحن الآن في وضع حتى لو سلمنا فيه البنوك أموالا مقابل قرض أو كمدفوعات فإنهم لا يقبلونها لو كانت تخص بضائع متجهة لإيران».

وصعدت الأمم المتحدة ودول غربية العقوبات الاقتصادية على إيران خلال الخمس سنوات الماضية. وحظرت العقوبات النشاط التجاري مع الشركات الإيرانية المرتبطة بالبرنامج النووي، وجمدت أصولها، وفرضت قيودا على التجارة والاستثمار في قطاع النفط الإيراني.

لكن التجارة الإيرانية انتعشت مع دبي، المركز التجاري في المنطقة، التي تقع على بعد 150 كيلومترا عبر الخليج.. وفي واقع الأمر، ربما دفعت العقوبات المزيد من الأنشطة التجارية إلى دبي.

وبلغ حجم إعادة التصدير بين إيران ودولة الإمارات العربية - بضائع ترسل إلى الإمارات لتحمل على سفن متجهة إلى إيران وبضائع إيرانية ترسل إلى الإمارات لتتجه منها إلى دول أخرى - 31.9 مليار درهم (8.7 مليار دولار) في التسعة أشهر الأولى من 2011 وفقا لأحدث بيانات تصدرها هيئة الجمارك الإماراتية. ولم تقدم الهيئة معدلا للنمو السنوي، لكن في النصف الأول من 2011 ارتفعت قيمة البضائع الإيرانية التي يعاد تصديرها بنسبة 36 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق إلى 19.5 مليار درهم.

ومثّل ذلك نصيبا كبيرا من التجارة الخارجية الإيرانية غير النفطية، وبلغت واردات طهران التجارية 70 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس (آذار)، بينما بلغت صادرات غير النفطية 26.3 مليار، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، بدأت العقوبات في الثلاثة شهور الماضية في التأثير على دبي، بسبب العقوبات الأميركية الجديدة التي تبعد إيران عن معظم أنشطة النظام العالمي لتمويل التجارة. ولا يزال معظم التجارة غير النفطية مع إيران مشروعا بموجب العقوبات، لكن لو لم يتمكن التجار من الحصول على خطابات ائتمان أو أي شكل آخر للتمويل، فلن يستطيعوا شحن البضائع.

يقول مهدي، المواطن الإيراني الذي يعمل في مكتب للصرافة في منطقة ديرة الصاخبة في دبي، التي تعج بالمتاجر الصغيرة والشركات التجارية، إن تدفق الأموال من وإلى إيران تباطأ بشكل كبير منذ أواخر العام الماضي «تغيرت الأمور الآن. الناس خائفون».

وتؤثر العقوبات على علاقات عميقة تمتد لأكثر من قرن من الزمن بين إيران ودبي. في أواخر القرن التاسع عشر عبر التجار الفرس الخليج إلى دبي، التي لم تكن حينها أكثر من قرية تعتمد على الصيد، وساعدوا في وضع أسس مجتمعها التجاري النابض بالحياة. وأنتجت الفوضى التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 موجة جديدة من المهاجرين الإيرانيين لدبي.

وهناك نحو 8000 تاجر إيراني وشركة تجارية إيرانية مسجلة في الإمارة، وفقا لبيانات المجلس الإيراني التجاري المحلي. وتقدر نسبة الإيرانيين بنحو عشرة في المائة من سكان دبي البالغ عددهم مليوني نسمة.

ودمرت خطوتان أميركيتان أكثر من أي شيء آخر العلاقات. في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت واشنطن إيران منطقة «لغسل الأموال تشكل مصدرا رئيسيا للقلق»، مما يجعل تعاملات البنوك العالمية التي لها أنشطة في الولايات المتحدة مع البنوك الإيرانية ينطوي على المزيد من المخاطر القانونية.

وفي 31 ديسمبر (كانون الأول)، وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما مرسوما بقانون بفرض عقوبات على المؤسسات المالية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني، وهو القناة الرئيسية لعائدات النفط الإيرانية. وستمنع المؤسسات التي تطالها العقوبات من التعامل مع أسواق المال الأميركية.

وبالنسبة لكثير من البنوك في دبي، وفي أنحاء العالم، جعل الإجراءان تمويل حتى أكثر أشكال التجارة براءة مع إيران مخاطرة باهظة الثمن. وقال مصرفيون في بنوك خاصة إن مصرف الإمارات المركزي طالب البنوك المحلية بوقف إصدار خطابات ائتمان للشركات الإيرانية.

وربما أسهمت رياح التغيير السياسية داخل دولة الإمارات في الحظر. يقول كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إنه حتى وقت قريب اختلفت دبي مع أبوظبي، القوة الرئيسية الأخرى في الإمارات حول أسلوب التعامل مع طهران.

وأضاف: «فضلت إيران منهجا أكثر مرونة يضع الأعمال في المقام الأول، وكان لدى أبوظبي مخاوف كبيرة حول البرنامج النووي الإيراني وطموحاتها (الإمبريالية) في الخليج، وتزايد عدد الرعايا الإيرانيين المقيمين في الإمارات».

وتابع سجادبور أن تشديد العقوبات الدولية وتزايد نفوذ أبوظبي داخل الإمارات، بعد أن قدمت حزمة لإنقاذ دبي من أزمة ديون في 2009، يعني أن الإمارات الآن «تتحدث بصوت واحد، هو صوت أبوظبي، في تعاملاتها وخلافاتها مع طهران».

وداخل سوق الذهب في أبوظبي، وهي مركز إقليمي لتجارة المجوهرات، يقول التجار إن الصعوبات في تحويل الأموال تقوض تعاملاتهم مع إيران. ويوضح تاجر إيراني: «كنا نرسل 100 كيلوغرام من الذهب لطهران. توقفنا منذ شهرين.. لا يمكنني أن أرسل أي شيء الآن. تجار الجملة في إيران يشترون الآن من تركيا».

كما تعاني التجارة في خور دبي، وهو مجرى مائي ضحل يمر في الجزء الشمالي من الإمارة، حيث تنتظر الزوارق الشراعية الخشبية لتحميلها بصناديق الملابس والأدوات الكهربية المنزلية، قبل أن تتوجه عبر الخليج إلى ميناء بندر عباس وميناء جزيرة كيش الإيرانيين.

وتتزايد التكهنات بين التجار في دبي حول كيف ستتحايل إيران على العقبات التي تعترض سبيل تجارتها. ويعتقد البعض أنها ستستخدم نظام الحوالة مع سماسرة الأموال غير الرسميين، الذين يعملون خارج القنوات المصرفية التقليدية، وهم يتمتعون بأوضاع مستقرة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وربما يلجأ المستوردون الإيرانيون إلى المقايضة.

وهناك أحاديث عن أن تركيا قد تبرز كمركز لإعادة التصدير لإيران حيث يواصل بنك واحد على الأقل هناك هو «هالك بنك» تلقي مدفوعات العملاء مقابل النفط الإيراني. ويمكن أن يلعب العراق، وله حدود وعلاقات سياسية مع إيران، دورا أكبر.

وأيا كان الأمر، يبدو أن الأنشطة التجارية الإيرانية في دبي ستعاني. ولن يسدد هذا ضربة قاصمة للاقتصاد الإماراتي ككل الذي شهد ارتفاع صادراته، ومن بينها النفط، فوق 220 مليار دولار في 2010 لكنها لطمة قوية للرعايا الإيرانيين في دبي.

ويتوقع مهدي أن يغلق الكثير من مكاتب الصرافة أبوابه في منطقة ديرة، إذا ما استمرت الأوضاع على حالها: «لا يمكننا سوى تحويل 10 آلاف دولار (إلى إيران)، وحتى لو فعلنا، يتعين علينا أن نجيب عن الكثير من الأسئلة. بالنسبة للشركات 10 آلاف دولار لا تعني شيئا».

ودفعه انكماش تجارته للتساؤل حول جدوى إقامته في دبي: «أتيت إلى هنا منذ سبع سنوات. لم يكن لي مستقبل في إيران.. الحياة في دبي مترفة ليست كإيران. لكننا الآن نشعر بالخوف».