وفاة أنتوني شديد تسلط الضوء على صعوبة مهمة الصحافيين في سوريا

بعث برسالة لصحيفته قبل سفره: أشعر وكأنه لا أحد يقول الحقيقة.. علينا أن نأتي بالتفاصيل

انتوني شديد في واحد من مقابلاته مع متظاهرين مصريين أثناء الثورة المصرية ضد النظام السابق («نيويورك تايمز»)
TT

أصبح الصراع في سوريا، إحدى أكثر المهام صعوبة وخطورة بالنسبة للصحافيين، خلال سنوات كثيرة، مع مقتل خمسة أشخاص على الأقل، خلال تغطيتهم أحداث الانتفاضة التي اندلعت في سوريا منذ مارس (آذار) الماضي.

ودفع رفض الحكومة السورية، بقيادة الرئيس بشار الأسد، السماح للصحافيين الأجانب بالتجول بحرية عبر أنحاء الدولة، البعض للتسلل عبر لبنان أو تركيا معرضين حياتهم لمخاطر جسيمة. وكان من بينهم أنتوني شديد، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، الذي قد أمضى قرابة أسبوع في تغطية الأحداث سرا من داخل سوريا وكان في طريق عودته لتركيا، عندما تدهورت حالته الصحية، وتوفي يوم الخميس، جراء إصابته بأزمة ربو. وكانت برفقته المصور تايلر هيكس. وتمكن مراسلون بمحطات «بي بي سي» و«سي إن إن» و«إيه بي سي» و«إن بي سي» و«الجزيرة» الإنجليزية، وعدد محدود من المحطات الإخبارية الأخرى، من دخول سوريا من دون تأشيرات، مثلما فعل شديد وهيكس، وحمل أدلة على المعارك غير المتكافئة التي تجري بين حكومة الأسد ومقاتلي المعارضة والمدنيين. وخلال رحلتهم، واجه المراسلون مزيجا فريدا من التحديات، من بينها ضعف الاتصالات عبر الهواتف الجوالة وشبكة الإنترنت، وعدم وجود خط مواجهة واضح، والتهديد المستمر بالاعتقال من قبل قوات الأمن الموالية للنظام السوري.

«لم أشاهد مطلقا شيئا مثل هذا»، قال مارك ويتاكر، نائب المدير العام بمحطة «سي إن إن»، التي لديها فريقان إخباريان يعملان بشكل سري في سوريا هذا الأسبوع. ويضيف ويتاكر، بينما تفرض دول أخرى قيودا صارمة على الصحافة، كما في سوريا (مثل كوريا الشمالية وإيران وميانمار): «فإنك لا تجد حروبا حية تجري مجراها هناك، مثلما يحدث هنا.

«إذا تم إيقافك بإحدى نقاط التفتيش التابعة للحكومة، يكون الأمر قد انتهى، ليس فقط بالنسبة لك، بل بالنسبة لجميع من هم في السيارة»، قالت كلاريسا وورد، مراسلة بشبكة «سي بي إس نيوز»، التي اتبعت نفس المسار الذي أخذه أنتوني شديد، عن طريق دخول منطقة شمال سوريا والخروج منها عبر تركيا، هذا الشهر.

وقالت وورد، الخبيرة في الصراعات في العراق وأفغانستان ولبنان وقطاع غزة ومناطق أخرى: «لم أشاهد مطلقا وضعا مشابها لذلك الذي شاهدته في سوريا».

وقد مُنح بعض الصحافيين تصريح بدخول سوريا، عبر دمشق بالأساس، لكنهم ذكروا أنهم قد تم تعقبهم من قبل البوليس السري، وحرمانهم من التجول في بعض أجزاء الدولة.

وذكر بيل نيلي، محرر دولي بمحطة «آي تي في نيوز» في بريطانيا،والذي غادر دمشق يوم الجمعة، أنه تمت محاصرته من قبل رجال الأمن أثناء رحلة إلى درعا، حيث بدأت الانتفاضة. وعندما «فررت من الحصار للتحدث إلى الناس، اتضح لي جليا أنهم يخشون الحديث»، قال نيلي.

لقد شعر أنتوني شديد بأنه مجبر على دخول سوريا بمساعدة المهربين للأسباب نفسها التي ذكرها صحافيون آخرون في مقابلات أجريت معهم، هذا الأسبوع، ألا وهو شعورهم بأن عمليات القتل واسعة النطاق والمعاناة التي يتجرعها الشعب هناك تحتاج لتوثيق.

«إنها مجرد تعبيرات عامة عن مشاعر الضجر والاستياء من الأوضاع. أشعر وكأنه لا أحد يقول الحقيقة الآن»، هذا ما كتبه أنتوني شديد في رسالة بريد إلكتروني بعث بها للمحررين في صحيفة «نيويورك تايمز»، بينما كانوا يفكرون فيما إذا كان يتوجب عليه التسلل مجددا إلى داخل سوريا أم لا. وقال شديد: «علينا أن نأتي بالتفاصيل».

كانت المرة الأولى التي سلك فيها هذا الطريق في يوليو (تموز) من العام الماضي، حينما كان يغطي مشاعر العداء تجاه النظام والتوترات في مدينة حمص المضطربة.. «كان أنتوني ينقل الأخبار من حمص، في الوقت الذي لم يكن فيه بوسع بقيتنا سوى أن يحلموا فقط بتحقيق هذا الهدف»، قال جون ويليامز، المحرر الإخباري بمحطة «بي بي سي»، الذي شارك آخرين في التعبير عن خالص تعازيهم لصحيفة «نيويورك تايمز» يوم الجمعة.

وقال ويليامز إنه إبان موجة الغضب العام التي اجتاحت الشرق الأوسط، التي بدأت في تونس في ديسمبر (كانون الأول)، كانت سوريا «أكثر المناطق التي غطينا أخبارها خطورة». وعلى الرغم من أنه كانت هناك الكثير من الأمثلة على المضايقات وأعمال العنف ضد الصحافيين في مصر وليبيا، فإن «الحصار الشديد الذي يفرضه نظام الأسد على مناطق مثل حمص يرفع مستوى المخاطر بدرجة كبيرة»، حسب ويليامز. وعندما تسلل مراسل «بي بي سي»، بول وود، والمصور المصاحب له فريد سكوت، إلى سوريا من تركيا هذا الشهر، قال ويليامز إنه أصر على أن يسافروا مع متعهد يمكنه أن يعمل اختصاصي خدمات إسعاف «في حالة حدوث أي حالة طارئة». وقد دفع إلى هذه الفكرة وفاة تيم هيثرنغتون، وهو مصور ومخرج سينمائي، في ليبيا العام الماضي. «وظل ينزف حتى وافته المنية، نظرا لأنه لم يكن أحد معه يعلم كيفية وقف النزيف»، حسب ويليامز.

وقد أرسلت بعض الوكالات الإخبارية الأخرى متعهدي أمن إلى سوريا مع فرقهم الإخبارية. وقال إيسون جوردان، الذي كان مديرا للأخبار في محطة «سي إن إن» حتى عام 2005، ثم ساعد في تنسيق الأمن للشبكات التلفزيونية في العراق: «من الجيد بالطبع أن يكون لديك شخص يتمتع بالخبرة، بما في ذلك الخبرة في خدمات الإسعاف في رحلة السفر، لكن لن يكون عمليا دائما أن تقوم بذلك لأسباب لوجيستية، وفي بعض الأحيان أسباب مالية».

اختار شديد وهيكس للسفر من دون مستشار أمني. وأحيانا ما تستخدم صحيفة «نيويورك تايمز» مثل هؤلاء المستشارين، لكنها تقيم كل موقف على حدة.

ورفض ممثلو بعض الوكالات الإخبارية، من بينها «أسوشييتد برس» و«رويترز»، التعليق على الطرق التي يستخدمها أعضاء فريق عملهم لتغطية الأحداث في سوريا، مشيرين إلى مخاوف تتعلق بالأمن. لقد كان لمخاطر تغطية الأحداث تأثير معرقل على تغطية الأحداث في سوريا، على الأقل في الولايات المتحدة، حيث لم تكن هناك وفرة كبيرة في التغطية حتى الأسبوع الذي بدأ من 6 فبراير (شباط). وكان من اللازم أن يعتمد الكثير من القطاعات التلفزيونية والمقالات بكثافة على معلومات من مصادر غير مباشرة؛ ما أطلق عليه أنتوني شديد «المراسلة بالتحكم عن بعد» في مقابلة مع محطة «إن بي آر» في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبالنسبة لبعض الصحافيين المشاركين، كان الأمر مخيبا للآمال.

«أكره التفكير في أن نظام الأسد كان ناجحا في اعتقاده المثير للسخرية بأنه من خلال إبقاء الصحافيين خارج الدولة، سينسى العالم القضية برمتها»، هذا ما قاله وورد من محطة «سي بي إس نيوز».

وقال المسؤولون التنفيذيون بمحطة «سي إن إن» إنهم قد حاولوا تسليط الضوء على النزاع في سوريا لأنهم توقعوا أنه، من دون إمكانية الوصول بسهولة لمقاطع فيديو على مستوى جودة احترافي، لن تعيره منافذ إخبارية أخرى اهتماما كبيرا. ويقول ويتاكر: «إذا أمكننا أن نتعرف على كثير من مجريات الأمور على الأرض في سوريا، مثلما أمكننا أن نفعل في مصر وليبيا، فسيقود ذلك البث الإخباري لجميع الشبكات في كل ليلة تقريبا»، هكذا قال ويتاكر.

وأكد هو وآخرون على أن تصوير لقطات الفيديو بشكل مهني والتغطية الإخبارية عنصران أساسيان حتى في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، عندما تم تحميل لقطات الفيديو التي تصور أعمال العنف في سوريا على موقع «يوتيوب» ومشاركتها على موقع «تويتر» كل يوم تقريبا.

«من المهين نوعا ما أن نرى على موقع (يوتيوب) مقاطع فيديو وصورا غير واضحة تم التقاطها بالهواتف الجوالة»، هكذا تحدث ويليامز. وأضاف أن المقابلات التي يجريها صحافيون محترفون، على الجانب الآخر، «تنقل الصورة بشكل حي للجمهور».

وأظهرت استطلاعات لآراء المشاهدين من قبل محطة «بي بي سي» قدرا أقل من المتوسط من الاهتمام بتغطية أخبار سوريا لمعظم فترات العام الماضي، حسبما ذكر ويليامز، ربما بسبب عدم وجود أخبار مستقاة من مصادر مباشرة من قبل صحافيين هناك. وخلال الأسبوعين الماضيين، اختبأ وود وسكوت وهما من شبكة «بي بي سي» في حمص وأخذا يبثان الأخبار وقت قصف قوات النظام للمدينة، وقال ويليامز: «لقد تخطى القصف المستوى المعتاد»، منوها بقيمة التغطية الأصلية المبدعة.

توفي أربعة صحافيين آخرين على الأقل في سوريا منذ اندلاع الانتفاضة، بحسب لجنة تسليط الضوء على الصحافيين، التي لم تملك أي سجلات عن الوفيات بين الصحافيين في سوريا خلال فترة العشرين عاما الماضية. وبحسب اللجنة، توفي خمسة صحافيين وأحد العاملين في المجال الإعلامي في ليبيا العام الماضي وتوفي اثنان في مصر، التي تمتع فيها الصحافيون بقدر أكبر من حرية الحركة. وفي سوريا، عثر على المصور، فرزات جربان، مقتولا، في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وشوهت جثته، بحسب معلومات جمعتها اللجنة. وتوفي مصور آخر، يدعى باسل السيد، في نهاية شهر ديسمبر. وقتل مراسل تلفزيوني فرنسي، يدعى جيل جاكييه، في يناير (كانون الثاني) خلال رحلة برعاية الحكومة إلى حمص. وتوفي أيضا مراسل كان يعمل لحساب وكالة الصحافة الفرنسية وصحيفة «غارديان» وغيرها من الصحف الأخرى، يدعى مظهر طيارة، في حمص أوائل شهر فبراير (شباط). وكانت كل حالة وفاة مقترنة بادعاءات بأن قوات الأمن السورية ملومة، غير أنه كان من المستحيل التحقق من صحة هذه الادعاءات بسبب صعوبة التغطية المستقلة للأخبار هناك.

* خدمة «نيويورك تايمز»