رئيس وزراء تونس يؤكد من الرياض: دعم العلاقات مع السعودية هدف استراتيجي

الجبالي في لقاء مع رجال الأعمال السعوديين: ضعف التبادل التجاري بين البلدين أسبابه سياسية تونسية

رئيس وزراء تونس خلال لقائه بعدد من رجال الأعمال السعوديين في الرياض أمس (تصوير: خالد المصري)
TT

طغت الموضوعات السياسية على الزيارة التي قام بها حمادي الجبالي رئيس وزراء تونس إلى السعودية، التي كان من المقرر لها أن تتحدث في الجانب الاقتصادي بالدرجة الأساسية. وأشار رئيس وزراء تونس إلى أن أمورا سياسية أضعفت حجم التبادل التجاري بين الرياض وتونس.

وأشار حمادي الجبالي خلال مؤتمر صحافي عقب لقائه برجال أعمال سعوديين في العاصمة الرياض، أمس، إلى أنه لم يناقش بعد مع حكومة السعودية تسليم رئيس تونس السابق زين العابدين بن علي، وتابع قائلا: «نحن نفصل كل موضوع في موقعه وفي مكانه بوضوح وصراحة، ولدينا حجر زاوية وهدف استراتيجي، وهو دعم العلاقات بين تونس والسعودية، وإرجاع تلك العلاقات وفتح آفاق في نطاق الاستراتيجية. والرياض ركن استراتيجي لسياسة تونس الخارجية، ونحن لسنا مستعدين بالتضحية بتسليم بن علي، على حساب الأهداف الأساسية الاستراتيجية، وقضايا التسليم هذه تناقش في إبانها وبالوسائل المتاحة».

وأمل الجبالي من مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي تستضيفه تونس، أن يخرج بدعم الشعب السوري في ما يمر به، وتابع قائلا: «لامنا عدد من الأطراف الداخلية في تونس حول الطلب من السفير السوري في تونس مغادرة بلاده، وهذا الأمر نعتبره موقفا مبدئيا».

وبين رئيس وزراء تونس أن هذا الموقف أتى بلا تردد، لأن تونس عاشت ذات المآسي التي تعيشها سوريا الآن، على الرغم من أن النظام التونسي السابق لم يكن على مستوى العنف والقوة التي نشاهدها في سوريا في الوقت الراهن.

وأشار الجبالي إلى أن التقارير الصحافية والإعلامية في سوريا تصور الأحداث الجارية على الأراضي السورية بشكل «محايد»، ولا يمكننا أن نصدق أنها منحازة، وتابع قائلا: «لا يمكننا أن نقبل مشاهدة تلك الأحدث دونما تحرك» مشيرا إلى أن تونس تمتلك إرادة سياسية قوية ومصداقية، تمكن من عمل شيء حيال ما يجري في سوريا، وذلك جاء نتيجة الثورة التونسية الناجحة.

وأبان الجبالي أن فئة قليلة كانت تتحكم في الأمور السياسة والاقتصادية في تونس، في إشارة منه إلى نظام الحكم السابق في تونس، وتابع قائلا: «ذلك التدخل شمل الأمور الاقتصادية ووصلت إلى الفساد المالي والإداري، وعندما يسخر الحكم في مصلحة ضيقة يفسد الدولة، وما أفسد العلاقات مع أشقائنا العرب ذلك الفساد المستشري في الحكم».

وأشار خلال حديثه أمام رجال الصحافة والإعلام، إلى أن تونس لديها تحفظات على تدخل عسكري في سوريا، خاصة إذا جاء على نحو بري، مشددا في السياق ذاته على أن وجود مراقبين عرب لا بد أن يأتي من بلدان عربية وإسلامية.. وزاد: «توسيع عمل المراقبين أو جيوش أخرى غير عربية سوف يفتح المجال لمغامرات شتى نظرا لظروف جيو - استراتيجية لسوريا وحدودها»، فيما بين «ضرورة اتحاد المعارضة السورية في مقعد واحد، ولا نود أن نرى تشتتا في جوانب المعارضة السورية»، وقال إن الاعتراف بالمعارضة السورية أو ممثلي الشعب السوري راجع للأطراف في المعارضة ذاتها، وتابع قائلا: «نود أن يكون تمثيلا واحدا، حتى يسهل حدوث الدعم للمعارضة سياسيا وبكل الوسائل الأخرى».

وشدد على أن تونس وضعت الخطوط العريضة لفتح مجال المحادثات مع المعارضة، آملا موافقة البلدان العربية عليها.

وبين الجبالي أن تونس تحتاج إلى سيولة تقدر بنحو مليار يورو في العام الواحد لمدة عامين، لدفع عجلة الاقتصاد في تونس، أي بنحو ملياري دينار تونسي بمجموع 4 إلى 5 مليارات دينار تونسي، مشددا على أن تونس ستسترجع كل الأموال الخارجية، وجميع المؤسسات المصادرة، وأكد أن تلك المؤسسات المصادرة ستكون عونا في تمويل مشاريع التنموية.

وأبدى رئيس مجلس وزراء تونس تفاؤله حيال تقديم الرياض دعما ماليا إلى بلاده، مبينا وجود سلسلة من المباحثات المشتركة تجري خلال زيارته إلى المملكة.

وقال إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعد أهم تحد يواجه بلاده، بعدما أنجزت تونس الجوانب السياسية في ظرف قصير، منوها بأن هناك عوائق وظروفا قامت من أجلها الثورة التونسية، وهي العدالة الاجتماعية، وتابع قائلا: «اقتصادنا لا يزال يشتكي من عوائق، خاصة على جانب الإمكانات المالية، إضافة إلى دعم أموال الميزانيات».

وأشار الجبالي إلى أن بلاده تود أن تكون هناك هبات مالية تقدم إلى بلاده، وإذا تعذر تقديم هبات من الجانب السعودي، يكون هناك بديل عبر وديعة للخزانة التونسية، وإن تعذر ذلك يكون الدعم عبر قروض ميسرة وطويلة المدى.

وزاد: «لا نريد أن نعود تونس على أمور القروض الطويلة، ونريد أن نعول على أنفسنا في دعم تونس»، مبينا أن تونس تحتاج إلى سنة ونصف إلى سنتين وضخ من المال العام في مشاريع تنموية اجتماعية مثل «السكن الاجتماعي، ومراكز التكوين والتأهيل، وإنجاز مشاريع تنموية كالبنية التحتية في الطرقات والنقل، وتتمة شبكة الغاز، وإيجاد مناطق صناعية، وهذه المشاريع تتحمل فيها الدولة العبء الأكبر».

وبين الجبالي أن تونس طلبت من السعودية دعم الجهود التنموية التي تجري في تونس، على مستوى الدعم المباشر للخزانة التونسية، ودعم إنشاء هذه الصناديق التموينية، عبر المشاريع الخاصة والعامة.

وفي رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول توقعاته لحجم التبادل التجاري العام المقبل، قال الجبالي: «الخطة التنموية خلال العامين المقبلين تعمل بشكل استثنائي، نظرا للطلب الاجتماعي بسرعة إيجاد أعمال لأفراد الشعب، ولا يمكننا الانتظار، ونحن نعلم بأن المشاريع الخاصة تحتاج وقتا للإنجاز. ومن جانب آخر، التشغيل في الوظيفة العمومية لا يمكننا تجاوز الحد المعين فيه، وتلك الإمكانات لا يمكنها أن تستوعب مطالب التشغيل، أي طلبات التوظيف التي تفوق 750 وتصل إلى 800 ألفا؛ منهم 200 ألف من أصحاب الشهادات العليا».

وشدد رئيس وزراء تونس على ضرورة إحداث وظائف في بلاده، عبر ضخ الأموال العامة، وتم تحديدها في: «إحداث شركات صغيرة في مجالات الخدمات وفي البلديات، ودعم المهن الصغرى وإنشاء المشاريع بها، وفي قطاع تكنولوجيا المعلومات»، تلك القطاعات من الممكن أن توفر عددا من الوظائف.

وأوضح الجبالي أن المجال الثاني هو: «بناء المساكن الاجتماعية، يأتي لتحقيق هدفين؛ هما إتاحة الفرصة أمام العائلات وجهات محرومة من السكن، والعمل على توفير الأيدي العاملة»، أما المجال الثالث، فهو «التكوين من أجل التشغيل، وفي النظام السابق رغم إيجاد الأطر اللازمة، فإنه لم يكن هناك التكوين اللازم الجاد، ولم يستجب لسوق العمل في تونس»، كاشفا في السياق ذاته عن وجود خطة عمل وتدريب ما لا يقل عن 1000 شاب وشابة في مركز الجيش الوطني، التي من الممكن أن تقوم بها مراكز حكومية، ومراكز من القطاع الخاص.

أما المجال الرابع، فيكمن في تشجيع المؤسسات الصغرى والمتخصصة والكبيرة على استيعاب الشباب في التشغيل ولو بشكل مؤقت، مقابل دعم الحكومة في حال عدم استطاعتها بإمكانياتها، أن تخصم من الأداءات في نهاية العام.

وقال حمادي الجبالي في رده على تساؤلات صحافية حول أسباب ضعف التبادل التجاري بين السعودية وتونس، بالقول: «في الواقع، أسباب ضعف التبادل التجاري تعود إلى الطرف التونسي، مع الأسف، والرياض كانت ولا تزال لديها استعداد لدعم تونس تجاريا، وتعود تلك الأسباب في مجال الهيكلة إلى اقتصاد تونس، والتشريعات، ولا بد أن نوجد فيها تشريعات. وهناك أسباب سياسة تعلمونها جمعيا».

وتخلل الحوار المفتوح بين رجال الأعمال السعوديين والتونسيين، الإعلان عن إنهاء العراقيل التي تواجه رجال الأعمال في البلدين، إضافة إلى تقديم رجل الأعمال السعودي الدكتور عبد الرحمن الزامل خريطة عمل لكيفية تمويل البنى التحتية في تونس.

إلى ذلك، ألقى المهندس عبد الله المبطى كلمة رئيس مجلس الغرف السعودية، وقال إن العلاقات السعودية - التونسية قديمة قدم التاريخ، منوها «بأن تونس الشقيقة تمر اليوم بمنعطف تاريخي في غاية الأهمية، يسوده الأمل، ويحدوه التفاؤل، وتعززه الإرادة، وتحميه العناية الإلهية، ووقفة الأخ مع أخيه في السراء والضراء من شيم العرب وأخلاق الإسلام، ولهذا يسرنا جميعا في هذا المكان أن نلتقي اليوم للحوار والتشاور من أجل علاقات أوثق وتعاون أفضل». وزاد: «نحن إذ نتقاسم معكم الأماني نحو غد أفضل لتونس، بلدا وشعبا، فإن الآمال معقودة على حكمة المسؤولين في البلدين وحرص الجميع على أن لا تتأثر مصالح المستثمرين السعوديين من تبعات التطورات الأخيرة في تونس، وأن يُبذل من الجهود ما يكفي لضمان الحقوق وإزالة معوقات الاستثمار والتجارة البينية».