ظهور رسالتين منسوبتين لقذاف الدم والسنوسي عن مستقبل ليبيا وسط استمرار صراع الثوار

إحداهما دعت للحوار والمصالحة.. والأخرى هددت بعمليات انتقامية

TT

في الذكرى الأولى للثورة الليبية التي انطلقت يوم 17 فبراير (شباط) 2011، دعا أحمد قذاف الدم، أحد كبار القيادات التي كانت مقربة في السابق من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إلى تضميد جراح الوطن وانتهاج سياسة الحوار الجاد والمخلص بعيدا عن لغة التخوين والتخويف والانتقام، في بلاده التي تشهد بين حين وآخر اشتباكات مسلحة بين كتائب الثوار المسلحة التي أطاحت بحكم القذافي وقتلته في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تجددت أخيرا اشتباكات بين فرقاء في شرق البلاد، بعد أن اندلعت اشتباكات في الأشهر الثلاثة الأخيرة في عدة مناطق في الوسط والغرب.

ووجه قذاف الدم رسالة ونداء إلى رئيس المجلس الانتقالي الذي يدير شؤون ليبيا، مصطفى عبد الجليل، ورفاقه في المجلس، و«لكل النخب السياسية والقبائل للعمل على تحقيق مصالحة تخدم المصلحة العليا للشعب الليبي». ودعا قذاف الدم في الرسالة التي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، الليبيين إلى مداواة جراح الوطن «بعد عام من خروج شباب ليبيا في بنغازي (التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة ضد القذافي) مطالبين بالتغيير ودخولنا في مواجهات دفع ثمنها الجميع وما زالت تداعياتها تلاحقنا وما زال شبابنا الأحرار في الميادين يحملون نفس المطالب وشوارعنا تتكدس بالأسلحة».

وتحدث قذاف الدم، وهو ابن عم العقيد الراحل، عن «حالة القلق» التي قال إنها «تجتاح مناطق عديدة» في بلاده، موضحا: «لقد تابعت وتواصلت خلال الفترة الماضية مع كل الأطراف والأطياف في ليبيا وخارجها واستمعت إلى الجميع تقريبا دون تحفظ، وأحسست بأننا جميعا نتألم رغم مكابرة البعض». وأضاف قذاف الدم: «لا أريد أن أنكأ الجراح وإنما أدعو الجميع لأن نداوي جراح الوطن، وأن نغتسل من هذه الدماء لأنها ليست دماء أعداء، وأن نطلب أن يغفر لنا الله، ولن يكون ذلك دون أن يغفر كل منا للآخر».

وتابع قذاف الدم، الذي ظل موقفه من الثورة الليبية غامضا على الرغم من إعلانه التخلي عن نظام القذافي بعد اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير، قائلا إن طي صفحة الماضي لصالح حقن الدماء «لن يتم إلا من خلال حوار سيقوده الخيرون من هذا الوطن لنصل معا للأهداف التي خرج من أجلها شبابنا في 17 فبراير، وقبل أن ننزلق إلى ما نحن فيه»، مشيرا إلى أن «ليبيا عائلة واحدة تحمل نفس الجينات فلا أحد يدعي الشجاعة أو الانتصار على الآخر إلا إذا قررنا الانتحار جماعيا كما تفعل حيتان المحيط».

وزاد قذاف الدم، الذي يعتقد أنه موجود في مصر منذ خروجه من ليبيا في بداية الثورة التي أطاحت بالقذافي: «إن المصلحة العليا لليبيا تتطلب حوارا جادا مخلصا نضمد به جراح الوطن ونسقط فيه لغة التخويف والتخوين والانتقام.. إنني أوجه هذا النداء لكل الليبيين الأحرار، والذين يحملون قيما ثورية بأن يعود إلى ليبيا مئات الآلاف من النازحين في الداخل والخارج».

وأضاف أن ليبيا لن تنتصر وسجونها تغص بالرجال والنساء، «كما أنني أدعو إلى ليبيا الدولة الحرة الموحدة التي يشارك في بنائها الجميع دون تفرقة أو إقصاء أو تهميش أو تمييز، وإنما ليأخذ كل حقه في ظل عدالة القانون. كما أننا بالمصالحة والحوار السلمي نصنع شرعية حقة بروح التسامح والتسامي وروح الإسلام».

واختتم بيان قذاف الدم قائلا: «أدعوكم جميعا في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة في بلادنا لأن نتحمل مسؤولياتنا بكل شجاعة وأن نجاهر بالحق حتى لا نندم غدا».

إلى ذلك، قالت رسالة منسوبة إلى عبد الله السنوسي، صهر القذافي المختفي، إنه ليس معتقلا أو بحوزة الثوار الذين أسقطوا نظام القذافي، وتعهد باستمرار المقاومة ضد من وصفهم بعملاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتلقت «الشرق الأوسط» نص الرسالة المزعومة للسنوسي، الذي قال الثوار عدة مرات إنهم اعتقلوه قبل عدة أشهر ويتحفظون عليه في مكان آمن في انتظار نقله إلى طرابلس لمحاكمته.

وطبقا لنص الرسالة التي امتلأت بالأخطاء الإملائية والنحوية، ولم يتسن التحقق من مدى صحة نسبتها إلى السنوسي، فإنه لفت إلى أن ليبيا اليوم أرض فاقدة للسيادة، مستباحة أجواؤها، فاقدة للسيطرة على مياهها الإقليمية، وشعبها أسير للخوف بعد أن تسلطت عليه العصابات الإجرامية المرتبطة بأجندات خارجية صارت معلومة للجميع.

وأضاف: «ونحن هنا لا ننفي وجود تقصير في أداء الدولة الليبية ونعترف بوجود أخطاء يتحمل الجميع المسؤولية عنها، إلا أن الموضوعية تقتضي الاعتراف بوجود خطوات حقيقية للإصلاح»، معتبرا أن المطالب التي نادى بها بعض الشباب في بداية الثورة الشعبية ضد نظام القذافي في 17 فبراير من العام الماضي لا يمكن إنكار أنها مطالب شرعية، لكنه عاد ليقول إن هذه المطالب جزء من برنامج الإصلاح الذي بشر به سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي واعتمدته الدولة وتفهمته.

ومضى قائلا: «إلا أن المؤامرة بدأت بالقفز على هذه المطالب وعسكرتها وفق مخطط أجنبي لا يهدف للإصلاح بقدر ما يهدف لإيصالنا للحال التي عليها الليبيون الآن من فقدان الأمن والاستقلال والسيادة، وكان بالإمكان تجنيب أبناء شعبنا هذا الحجم من الدمار الهائل».

وبينما بدا أنه بمثابة تهديد للمجلس الانتقالي الممثل للثوار، قال السنوسي في رسالته «نطمئن شعبنا العظيم وأهلنا بأن ساعة الحسم قد اقتربت وليكن شعبنا على أهبة الاستعداد للمشاركة في إعادة الشرعية وتحرير ليبيا وتطهيرها».

لكن عبد الله ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، قال في المقابل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الرسالة المنسوبة للسنوسي مغلوطة وكاذبة، مشيرا من جديد إلى أن السنوسي معتقل في حوزة الثوار.

وعلى الصعيد الميداني، قال قائد القوات المسلحة الليبية، إن ليبيا أرسلت قوات عسكرية لإنهاء الاشتباكات بين قبائل تتصارع للسيطرة على الأرض في الجنوب الشرقي للبلاد، حيث وردت أنباء عن سقوط المزيد من القتلى، وفقا لما ذكرته وكالة «رويترز».

واندلعت الاشتباكات أواخر الأسبوع الماضي في مدينة الكفرة النائية، واستمرت منذ ذلك الوقت مما يسلط الضوء على التحدي الذي يمثله ضبط الأمن في ليبيا الصحراوية الواسعة. وقالت القبائل إن عشرات الأشخاص قتلوا في الاشتباكات، بينما يجد المجلس الوطني الانتقالي صعوبة في بسط سيطرته على أنحاء البلاد مع تنازع الميليشيات المحلية والجماعات القبلية المتنافسة على النفوذ والموارد بعد الإطاحة بالقذافي.

على صعيد آخر، تضاربت الأنباء حول وفاة الصحافية هالة المصراتي، المقربة من العقيد الراحل معمر القذافي، في زنزانتها بسجن في طرابلس، بيد أن ظهورها في شريط فيديو عبر موقع «يوتيوب»، أوقف اللغط الحاصل بشأن وفاتها. وقالت المصراتي إنها لم تمت، وإنها بصحة جيدة، وإن معاملتها في السجن تتم بشكل جيد، دون أن تنسى تهنئة الثوار بعيد «الاستقلال» الأول.