القنصل المصري في كاليفورنيا: مصر لا تجيد لغة السياسة الأميركية

النقيب قال لـ «الشرق الأوسط» إن علاقته بجمال مبارك مجرد «زمالة جامعة»

TT

بوصفه أحد العالمين بشفرة العلاقات المصرية - الأميركية، قلل السفير هشام النقيب، قنصل مصر العام لدى الساحل الغربي بالولايات المتحدة، من أهمية الأزمة الحالية بين القاهرة وواشنطن، والتي جاءت على خلفية تمويل منظمات مجتمع مدني أميركية عاملة بالقاهرة بشكل تعتبره القاهرة «غير مشروع». وقال النقيب في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن «علاقة البلدين علاقة استراتيجية، والدليل على ذلك أن صانع القرار الأميركي ورغم كل ما تم استثماره في حكم حسني مبارك، الرئيس المصري السابق الذي تخلى عن السلطة تحت الضغط الشعبي قبل عام، عندما استشعروا رغبة المصريين في التغيير وضعوا كل ثقلهم خلف هذه الرغبة وفي توقيت مبكر»، مشيرا إلى أن هذا ما كان ليحدث لو أن العلاقات المصرية - الأميركية تحكمها أهداف تكتيكية أو مرحلية.

ويرى النقيب، وهو الدبلوماسي المصري الوحيد الذي كانت مهماته الخارجية جميعا في الولايات المتحدة الأميركية، عبر مناصب متعددة وأماكن مختلفة، ما بين السياسي والإعلامي والقنصلي، فضلا عن تخصصه الأكاديمي في العلاقات المصرية - الأميركية، أن الدبلوماسية المصرية حتى هذه اللحظة لا تجيد اللغة الأميركية في التعامل السياسي.. «نحن نفهم السياسة الأميركية ولكن لا نملك اللغة الأميركية في التعامل»، مشيرا إلى أن التركيز على ما وصفه بسياسة «واشنطن - نيويورك» انتهت إذا أردت تحقيق مصالحك تجاوز هذا وانطلق إلى فضاء الولايات ونحن نملك القدرة على تحقيق ذلك.

وأضاف النقيب أن مصر صمام الأمان لمنطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن تجاهل أهميتها لأمن الخليج ودورها في عملية السلام، متوقعا وصول العلاقات بين القاهرة وواشنطن لمستوى أفضل يراعي رأي الشارع المصري.

وتحدث النقيب عن علاقته بنظام مبارك ونجله جمال، مؤكدا أن كل ما يقال في هذا الشأن مجرد أكاذيب، قائلا ردا على اتهامات واجهها بدوره في تسهيل عمليات غسل أموال لصالح نجل المبارك (جمال)، إن «الدولة الوحيدة التي لا يمكن القيام داخلها بعمليات غسل أموال هي الولايات المتحدة، وبالذات الدبلوماسي تكون حساباته تحت المراقبة الأميركية وبعلم الطرفين».. وإلى نص الحوار:

* كيف تصف المرحلة الراهنة في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة التي شابها كثير من التوتر على خلفية ملف تمويل منظمات المجتمع المدني.. في ضوء خبرتك بملف العلاقات بين البلدين؟

- فعليا قد أكون الدبلوماسي المصري الوحيد الذي أتيح له العمل في جميع ملفات العلاقات المصرية - الأميركية، عملت فترة في ملف العلاقات مع الكونغرس، وملف العلاقات الثنائية، ثم ملف الإرهاب ونزع السلاح، وأيضا توليت الملف الاقتصادي في مرحلة لاحقة ثم الملف الإعلامي عندما كنت رئيسا للمكتب الإعلامي المصري في واشنطن. والآن أباشر عملي كقنصلي بمتابعة أحوال الجالية المصرية في كاليفورنيا.. كل هذه التجربة وتشعباتها، فضلا عن تخصصي الأكاديمي في العلاقات المصرية - الأميركية، يجعلني دائما أضع اعتبارات وقراءات عن هذه العلاقة قد تكون مختلفة عما يراه البعض.. وإذا ذهبنا إلى الواقع الراهن والشد والجذب الذي يتصدر مشهده فإنه بالنسبة لي لا يمثل أي نوع من القلق على الإطلاق.

* ما الذي يدعوك لهذا الاعتقاد، رغم أن بعض أعضاء الكونغرس قالوا مؤخرا إن العلاقة بين القاهرة وواشنطن على حافة الهاوية؟

- لأن العلاقات المصرية - الأميركية قائمة على أبعاد استراتيجية طويلة المدى وليس على سياسات تكتيكية أو مرحلية.. وهذه ليست قراءتي وحدي، ولكن يشاركني فيها الكثير من الشخصيات الأميركية التي التقى بها وأتناقش معهم سواء كانوا مسؤولين أو محللين سياسيين وأعضاء في «بيوت التفكير الأميركية».. والدليل على ذلك أن صانع القرار الأميركي ورغم كل ما تم استثماره في حكم، حسني مبارك (الرئيس المصري السابق الذي تخلى عن السلطة تحت الضغط الشعبي قبل عام) عندما استشعر وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك ثورة مصرية تعبر عن رغبه حقيقية في الانتقال إلى واقع سياسي واجتماعي واقتصادي جديد، وضع كل ثقله خلف هذه الرغبة وفي توقيت مبكر. ولو كان توجهه تكتيكيا كان الوضع اختلف في موقفه من الثورة وإنهاء حكم مبارك، وانظر إلى التفاعل الأميركي مع المجريات مثلا في سوريا أو ما كان يحدث في اليمن ستجد موقفهم كان مختلفا مع مصر.. والبعض يرى ذلك بصورة سلبية ولكني أراه إيجابيا.

* كيف؟

- لأن التحول الذي حدث في الموقف الأميركي وبشكل سريع من دعم الرئيس السابق وانتقال هذا الثقل ووضعه في دعم الشارع المصري وثورته يؤكد أن الأميركان لا يمكن لهم الاستغناء عن العلاقة مع مصر الدولة لأنها بالنسبة لهم وكما ذكرت علاقة استراتيجية.

* لكن ألا ترى أن هذه العلاقة التي تصفها بالاستراتيجية اختزلت من قبل البعض في مبلغ المعونة الأميركية التي تصل قيمتها إلى 1.3 مليار دولار؟

- الموضوع ليس 1.3 مليار دولار مساعدات، والحديث عنه والتهديد به كلام فارغ، وحتى الأميركان يعتبرونه لغة راعي البقر. في حقيقة الأمر الإدارة الأميركية تعلم كما تعلم الحكومة المصرية والمجلس العسكري (الحاكم حاليا في مصر) أنه لا يمكن أبدا الضغط على مصر بمبلغ 1.3 مليار دولار، مصر صمام الأمان لمنطقة الشرق الأوسط لا يمكن تجاهل أهمية مصر كقاعدة أمن الخليج ودورها في عملية السلام، وأعتقد أن المشكلة الراهنة سيتم تجاوزها والقفز عليها للانتقال إلى مستوى أفضل لكنه مختلف لأنه سيراعي رأي الشارع. الولايات المتحدة الآن تعيد قراءة الشكل الجديد للعلاقة مع مصر باتجاه أكثر عمقا تحت ما يسمى بالدبلوماسية العامة وهو نوع في الأداء الدبلوماسي يراعي أبعاد ما يقوله الشارع والرأي العام عند اتخاذ القرار، فالشارع المصري أصبح جزءا من المعادلة في العلاقة بين البلدين.

* ذكرت أنك كنت مسؤولا عن ملف العلاقات مع الكونغرس الأميركي لماذا حتى الآن لا يوجد حلفاء لمصر داخل الكونغرس أو مجموعة أصدقاء لمصر، خاصة أن الكونغرس له يد عليا في اتخاذ الكثير من القرارات تجاه مصر أو تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام؟

- نحن مع الأسف حتى هذه اللحظة وعلى الرغم من وجود الكثير من الكوادر لدينا لا نجيد اللغة الأميركية في التعامل السياسي، نحن نفهم السياسة الأميركية، ولكن لا نملك اللغة الأميركية في التعامل.. نحن ما زلنا نفكر بعقلية واشنطن - نيويورك ولم نفهم أن الكونغرس في نهايته يعبر عن مصالح كل ولاية. إن الولايات المتحدة ثالث شريك اقتصادي لمصر وهناك ولايات لديها الكثير من الروابط الاقتصادية معنا.. هذا يمكن توظيفه واستغلاله وهذه لغة يفهما الأميركان.. المشكلة أننا نتعامل وفق المنطق القديم حيث التركيز على واشنطن - نيويورك، هذه اللغة انتهت إذا أردت تحقيق مصالحك تجاوز هذا وانطلق إلى فضاء الولايات ونحن نملك القدرة.

* يبدو أن لديك رؤية بشأن استراتيجية جديدة للعلاقة مع أميركا لكن هل يمكن أن تقف صداقتك مع نجل الرئيس السابق جمال مبارك حائلا دون أن يعلو صوتك في وزارة الخارجية؟

- لو كان هذا الكلام حقيقيا وكنت أتمتع بعلاقة قوية مع نجل الرئيس السابق ما كنت لأنقل إلى الخارج كقنصل عام، وكان على أقل نقلت سفيرا في إحدى العواصم الكبرى.

* وماذا عن اتهام آخر عن كونك قمت بتكوين كيان في الولايات المتحدة مهمته القيام بعمليات غسل أموال لرجال النظام السابق؟

- كلام فارغ واتهام لا معقول وأطالب من يملك دليلا واحدا بأن يتقدم به، لأنني في المقابل لن أصمت على تشويه سمعتي سأذهب إلى القضاء في كل كلمة كتبت عني دون سند أو دليل.. الدولة الوحيدة التي لا يمكن القيام داخلها بعمليات غسل أموال هي الولايات المتحدة، وبالذات الدبلوماسي تكون حساباته تحت المراقبة الأميركية وبعلم الطرفين، وأكرر أنا لست فوق المحاسبة من يملك ما يفيد أو يثبت اتهامي بمثل هذه الأشياء فليتقدم بها للجهات المختصة.

* لكنك كنت زميل جمال مبارك في الجامعة ورافقته في رحلات علاج والدته هنا في واشنطن؟

- لا أنكر أنني كنت دفعة (زميل دراسة) جمال مبارك في الجامعة إذا كان هذا هو تصنيفك للزمالة.. لكنني لم أكن صديقا له هو تخرج في الجامعة عام 1984 وتخرجي كان عام 1985، وشقيقه الأكبر علاء مبارك أعتقد أنه تخرج عام 1983. ولم تكن هناك أي علاقة تذكر بيننا إلى أن جاء إلى الولايات المتحدة في زيارة ورافقته بتكليف رسمي، مثل كافة أعضاء السفارة المصرية بداية من السفير إلى أصغر عضو، جميعنا نعمل على الترتيبات الخاصة باستضافة الوفد المصري، أي ضمن تكليف رسمي.