فرنسا تبحث عن «خريطة طريق» لتنفيذ الخطة العربية في مؤتمر تونس

تفضل «الخطوات الصغيرة»

TT

يتوقع أن تلعب باريس دورا رياديا في مؤتمر «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» الذي سيلتئم يوم الجمعة المقبل في تونس برئاسة فرنسية - تركية مشتركة. وستخصص الأيام الأربعة المقبلة لبلورة «خريطة طريق» لتحرك المجموعة وللأهداف «العملية» التي يفترض أن تسعى لتحقيقها.

وقالت مصادر فرنسية رسمية إن باريس تريد أن يكون تنفيذ خطة السلام العربية في «قلب» عمل المجموعة، وتحديدا العمل على تعيين «الوسائل» التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق هذا الغرض بعد القرار الذي صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة، والذي يلحظ بندا يتبنى هذه الخطة.

وإشكالية «الخطة العربية» أنها تطورت مع الزمن ومع تعاقب قرارات مجموعة العمل العربية ووزراء الخارجية، فبعد البنود الأربعة التي طرحتها الجامعة «وقف القمع، انسحاب الآليات والقوى العسكرية إلى ثكناتها، إطلاق سراح المعتقلين، وتمكين الصحافة من التنقل بحرية»، التي أرسل المراقبون العرب للإشراف على تنفيذها، طرحت الجامعة تشكيل حكومة تضم المعارضة وتخلي الرئيس السوري عن صلاحياته لنائبه الأول، ثم جاء أخيرا اقتراح إرسال قوة من القبعات الزرق من العرب وغير العرب، ولذا فإن أول مهمة تنتظر مؤتمر تونس هي الاتفاق على ما هو المطلوب تنفيذه وخصوصا «الآلية» التي يمكن أن تقود إلى ذلك. وحتى الآن، بقي باب مجلس الأمن مغلقا بوجه الحل العربي بسبب الفيتو المزدوج الروسي - الصيني. ولا يبدو أن موسكو، وفق ما تقوله مصادر فرنسية، «جاهزة» لتليين موقفها على الرغم من قرار الجمعية العامة والضغوط التي تتعرض لها من الدول الغربية والعربية. وتعارض موسكو «جوهر» الخطة العربية الداعية إلى «تنحٍّ جزئي» للأسد، وتريد حوار سياسي بين السلطة والمعارضة من غير «شروط مسبقة»، كما أنها تربط إرسال قوة عربية - دولية للسلام بموافقة السلطات السورية التي رفضت «جملة وتفصيلا» القرارات العربية. لذا يبدو خيار إرسال «القبعات الزرق» صعب التحقيق في الظروف الحالية؛ لأنه بدوره يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، ما يعيد البحث إلى المربع الأول.

وإزاء الطريق المسدود، تبدو الدبلوماسية الفرنسية اليوم ميالة إلى سياسة «الخطوات الصغيرة»، آخذة بعين الاعتبار أن الغرض الأول يجب أن يكون اليوم «وقف القتل» وتوفير المساعدة الإنسانية للمناطق المنكوبة، ما يعني عمليا طي ورقة المطالبة بتنحي الأسد في الوقت الحاضر بسبب صعوبة توفير الغطاء الشرعي الدولي له.

وكان وزير الخارجية ألان جوبيه قد أعرب عن بعض «الأمل» إزاء إمكانية التوصل إلى اتفاق مع روسيا حول هاتين النقطتين فيما لم تبد كثير من الدول «حماسا» لجهة إيجاد «الممرات الإنسانية» التي دعت إليها باريس نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومجددا الأسبوع المنصرم. وعلى أي حال، يحتاج السير بخيار الممرات الإنسانية لموافقة السلطات السورية التي يستبعد قبولها هذا المطلب إلا نزولا عند الشروط التي ستفرضها، ما يعني الوقوع فيما وقع فيه إرسال بعثة المراقبين العرب إلى المناطق الساخنة. أما الخيار الآخر فهو إيجاد هذه الممرات من غير موافقة رسمية، ما يعني الحاجة إلى حمايتها عسكريا. وعندها، فإن السؤال المطروح هو: من سيتولى هذه الحماية؟ وبموجب أي انتداب؟ وبانتظار التوصل إلى مخرج ما، فإن باريس أوجدت الأسبوع الماضي صندوقا لمساعدة النازحين والمنكوبين السوريين، وهي ستطرح في تونس فكرة إنشاء صندوق دولي للغرض نفسه، ويبدو أن هذا الهدف سهل المنال. كذلك ستدعو فرنسا إلى إيجاد «مجموعة العمل الإنساني» التي ستكرس نفسها لهذه الجوانب.

وتعمل باريس أيضا على تجميع صفوف المعارضة. ويعكس كلام الرئيس ساركوزي يوم الجمعة الماضي، عقب القمة الفرنسية - البريطانية عن الحاجة لتوحيد صفوف المعارضة وتخطي نزاعاتها والاستعداد لمساعدتها، دعوة مباشرة للمجلس الوطني السوري لمد اليد للمكونات الأخرى ولبلورة برنامج سياسي يمكن «تسويقه» في تونس. ودعت المصادر الفرنسية المجلس للانفتاح على الأقليات المسيحية والعلوية وعلى الأكراد لقطع الطريق على المروجين لحرب مذهبية في سوريا بمن فيهم السلطة التي «تلعب على الخوف». غير أن كل هذه التحركات تندرج تحت باب «إدارة الأزمة» أو معالجة نتائجها، وليس البحث عن حلول لها، لأن فرنسا ومعها الكثير من الدول العربية والغربية تعتبر أن النظام اختار «الحل العسكري».