هادي يتعهد بـ«استعادة الدولة» مع توليه الرئاسة.. وصالح يدعو اليمنيين للمشاركة في «عهد جديد»

الناخبون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع وسط تحديات أمنية ودعوات مقاطعة

ناخبات يظهرن أصابعهن وعليها ألوان علم اليمن خلال لقاء انتخابي تأييدا للمرشح الوحيد نائب الرئيس هادي في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

يتوجه قرابة 12 مليون ناخب وناخبة في اليمن اليوم إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي تجري في ظل تحديات أمنية ودعوات لمقاطعتها من قبل «الحراك الجنوبي» والحوثيين في أقصى الشمال. ويخوض هذه الانتخابات مرشح التوافق الوطني، نائب الرئيس، المشير عبد ربه منصور هادي، الذي يعتبر التصويت له أقرب بالمشاركة في استفتاء لإشراك الشعب اليمني في طي صفحة رئاسة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الذي تخلى عن السلطة بعد أشهر من الاحتجاجات المطالبة برحيله، خلال العام الماضي.

ودعا هادي، عشية انتخابه رئيسا توافقيا للبلاد، بعد سنة من الأزمة، المجتمع الدولي إلى تقديم دعم مالي عاجل لبلاده المنهارة اقتصاديا، واعدا اليمنيين بـ«استعادة الدولة» وحكم القانون بعد سنة من الاضطرابات والتساؤلات حول مستقبل البلاد السياسي.

وأطلق هادي، في خطاب إلى اليمنيين، مساء أول من أمس، سلسلة وعود، مؤكدا أنه سيعمل خصوصا على إصلاح النظام السياسي، وإعادة إحياء الاقتصاد، والمضي قدما في الحوار لحل قضيتي الجنوب والتمرد الحوثي في الشمال، فضلا عن إعادة اللحمة للقوات العسكرية والأمنية المنقسمة، والقضاء على تنظيم القاعدة.

وشدد على أن «أوجب الواجبات هو استعادة الدولة التي تم إنهاكها، لتعاود القيام بدورها الأساس»، وهي أولوية ستنعكس إن تحققت «ولو بحدها الأدنى»، على مختلف نواحي الحياة في اليمن، على حد قوله. كما أكد أن الحوار الوطني، الذي يفترض أن يدعو إليه بعد انتخابه رئيسا بموجب الآلية التنفيذية لاتفاق انتقال السلطة، هو «وحده القادر على كبح جماح التطرف وغلو المزايدين».

أما أولية مواضيع الحوار فهي بالنسبة لهادي مسألة صعدة، حيث التمرد الحوثي الشيعي والقضية الجنوبية، وذلك في ظل تصاعد مطالب الحراك الجنوبي بالانفصال عن الشمال، والعودة إلى دولة جنوب اليمن التي كانت مستقلة حتى عام 1990، التي يتحدر منها هادي.

ويقاطع كل من المتمردين الحوثيين والحراك الجنوبي انتخابات اليوم. وأكد هادي أنه لن يسمح «بإفشال (مؤتمر الحوار الوطني) أو الالتفاف عليه، باعتباره آخر حصوننا».

ووعد نائب الرئيس بالعمل على «تبني تشريعات عصرية تراعي الخصوصية اليمنية، وهو ما يعني تبني إجراء إصلاحات جذرية وإعادة الاعتبار لسطوة القانون الذي يقوم على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ودعم التعددية السياسية كأساس لنظام الحكم مع مساندة منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية لتقوم بدورها الرائد بعيدا عن التسييس والتبعية».

وعن موضوع تنظيم القاعدة والإرهاب الذي يشكل أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي على ضوء تعاظم نفوذ التنظيم المتطرف وسيطرته على قطاعات واسعة من جنوب البلاد، تعهد هادي بوضع حد للإرهاب على حد قوله. وقال إن «القاعدة» استغلت الظروف في اليمن «لبسط نفوذها على أكبر قدر من المناطق التي سادتها الفوضى وغابت عنها الدولة».

وأضاف أن «مسؤوليتنا تقتضي وضع حد لهذه الأعمال الإرهابية الخارجة عن الدين والقانون»، مشددا على أهمية «الدعم الإقليمي والدولي من مساندة مادية ومعنوية»، من أجل «استئصال سرطان كهذا ليس لتمدده حدود».

وقال هادي في خطابه: «نجدد طلبنا من الدول الشقيقة والصديقة الإسراع في تبني الدعم العاجل لليمن من خلال تحريك ما تم رصده في مؤتمر المانحين وأصدقاء اليمن». واعتبر أنه «من المفيد تبني إنشاء صندوق طوارئ لمساعدة الحكومة اليمنية على تجاوز أزمتها الاقتصادية التي بدأت ترمي بظلالها على مختلف النواحي وفي مقدمتها المعيشية والإنسانية». كما دعا مجموعة العشرين إلى تبني مؤتمر لدعم اليمن اقتصاديا.

ويحتاج اليمن لمليارات الدولارات من الدعم الدولي من أجل الخروج من النفق الاقتصادي المظلم. وكانت الدول المانحة تعهدت في مؤتمر عقد في لندن عام 2006 بتقديم مليارات الدولارات لليمن ثم عززت هذه التعهدات مجموعة «أصدقاء اليمن»، التي تشكلت مطلع 2010، إلا أن السواد الأعظم من هذه الأموال لم تصل إلى اليمن كما تجمد عمل مجموعة أصدقاء اليمن مع انطلاق الاحتجاجات المناهضة للنظام.

وقال هادي: «أعلم جيدا أن الاستقرار المنشود لن يتحقق إذا كان هذا البلد يضم بين جنباته جائعين وخائفين ومرضى من دون أمل يمنحهم الطمأنينة».

وذكر نائب الرئيس، الذي يخوض اليوم الانتخابات الرئاسية مرشحا توافقيا ووحيدا، أن نصف أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية بينما يعاني ثلث الأطفال من سوء تغذية حاد، داعيا جميع «القوى الحية» في المجتمع، إلى «المساعدة لمنع مزيد من التدهور».

ولم ينس هادي الإشادة بالرئيس المنتهية ولايته الذي يغادر السلطة بعد سنة من الاحتجاجات المناهضة لحكمه.

وقال: «لم نكن لنصل» إلى الحل السياسي في اليمن «لولا أن الرئيس علي عبد الله صالح تعالى على جراحه، وترفع عن ردود أفعال لو انجر إليها كانت ستقود البلد إلى وهدة الكارثة، مغلبا سلامة وطنه على نزعة الانتقام، وهو ما نتمنى أن يحذو حذوه آخرون».

وبدوره، وجه صالح، الذي يمكث في نيويورك، خطابا إلى الشعب اليمني في آخر يوم له يحمل منصب «الرئيس اليمني»، داعيا المواطنين والمواطنات في اليمن إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت لهادي رئيسا جديدا للبلاد، قائلا في كلمة نشرتها وسائل الإعلام اليمنية الرسمية أمس إن الانتخابات هي «الحدث الذي يأتي في إطار تنفيذ ما تبنيناه من أجل الانتقال السلمي والسلس للسلطة لإخراج بلادنا الطيبة وشعبنا الصامد الأبي من الأزمة الخانقة والمريرة التي استمرت عاما كاملا، ونتج عنها توقف عجلة التنمية وتعطيل مشاريع البنية التحتية».

واعتبر صالح أن ما أدى لما مر به اليمن طوال عام هو «انعدام الثقة وتفاقم سوء الظن»، مضيفا أن الوصول إلى هذه النتيجة جاء في «ظل المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة».

وقال صالح، الذي ينتهي عهد حكمه اليوم بعد 33 عاما في سدة السلطة، إن الأحداث «أفرزت قوى سياسية جديدة في زمن جديد ومرحلة جديدة من خيرة أبناء الوطن، صمدوا وأفشلوا كل ما كان يخطط ضد اليمن ووحدته وأمنه واستقراره»، وأنه على ثقة من تفاعل الجميع مع الانتخابات للحفاظ على «الشرعية الدستورية» وعلى «النهج الديمقراطي الحر».

وثمن صالح مواقف المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحرصها على حل الأزمة السياسية في بلاده، ودعم المملكة المتواصل لكل قضايا اليمن، مشيدا بمواقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الحريصة على اليمن.

وبينما يتطلع اليمنيون إلى طي صفحة حكم صالح، وبداية عهد جديد يساعد على جلب الاستقرار إلى البلاد، كانت هناك دواع أمنية تثير مخاوف الناخبين. وقبيل ساعات من عملية الاقتراع، انفجرت قنبلة في أحد المراكز الانتخابية في مدينة عدن، ولم تتوفر أي معلومات عن إصابات في الحادث الذي جاء بعد ساعات من إطلاق مسلحين مجهولين لقذيفة هاون على مركز انتخابي في حي «خور مكسر» الراقي بالمدينة، وفي حضرموت قتل شخص في مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين يطالبون بمقاطعة الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وقتل جندي وأصيب آخر بجروح في مواجهات اندلعت في محافظة الضالع الجنوبية، أمس، مع محتجين معارضين لإقامة الانتخابات في الجنوب، حسبما أفاد به مصدر عسكري لوكالة الصحافة الفرنسية.

كما أفاد ناشطون أن المواجهات أسفرت عن إصابة سبعة أشخاص في صفوف المحتجين المطالبين بالانفصال عن الشمال، وذلك عشية الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستطوي صفحة حكم الرئيس علي عبد الله صالح.

وقال المصدر العسكري إن المواجهات اندلعت عندما حاول المحتجون «تجاوز نقطة تفتيش للجيش في ضواحي مدينة الضالع» الجنوبية.

ومن جهته، وجه وزير الداخلية، عبد القادر قحطان، نداء لناخبي اليمن، البالغ عددهم أكثر من 12 مليون شخص للتصويت، مؤكدا استعداد السلطات لمواجهة أي محاولات لمنع عمليات الاقتراع.

وقال قحطان، في مؤتمر صحافي في صنعاء، أمس: «على الجميع أن يتجهوا للتصويت لأمن اليمن واستقرار اليمن». وأضاف: «لقد اتخذنا احتياطات واستعدادات أمنية لمواجهة أي طارئ وأي جماعات تريد أن تحول ضد حق الناس في الانتخابات، وأن تعتدي على الناس»، مشيرا إلى وجود «استعدادات خاصة في المناطق التي يحتمل أن يحصل فيها شيء»، في إشارة على ما يبدو إلى المحافظات الجنوبية.

وفي إطار الاستعدادات الجارية للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها اليوم، توقع الوزير اليمني حدوث إشكالات محدودة جدا سترافق العملية الانتخابية، تنفذها عناصر معارضة لإجراء الانتخابات، وأكد قحطان أن الإجراءات الوقائية معمول بها لمواجهة أي أعمال تعرقل الانتخابات، كما دعا المعارضين إلى ممارسة حقهم بالتصويت والاقتراع، مشيرا إلى أن «نجاح الانتخابات الرئاسية أمر مفروغ منه».