احتجاجات ضباط القوات الجوية اليمنية تعكس انقسام الجيش

مطلبهم إقالة أخي الرئيس اليمني من قيادة سلاح الطيران

TT

نظم ضباط القوات الجوية مسيرة حاشدة نحو العاصمة اليمنية صنعاء، حاملين لافتات ويهتفون «ارحل.. ارحل»، وهي من أشهر الهتافات خلال هذه الثورة اليمنية التي أتمت عامها الأول. إنهم لم يكونوا يعنون الرئيس علي عبد الله صالح، بل أخاه غير الشقيق، قائد القوات الجوية. وأخذ الضباط يهتفون: «لن نستسلم حتى يتم التخلص من محمد صالح». وبينما أدلى اليمنيون بأصواتهم أمس في انتخابات تاريخية تضع نهاية رسمية لحكم صالح الذي دام 33 عاما، تتحرك معركة القوات المسلحة شيئا فشيئا نحو مركز الصدارة. حتى لو لم تحل قضية الرئيس المقبل بشكل سلمي، يظل ابن صالح وأبناء إخوته وأقاربه يسيطرون على مقاليد الأمور من خلال مناصبهم الرفيعة في الجيش وقوات الأمن.

ومن بين الانقسامات والخلافات التي أصابت هذا البلد الفقير الذي يشغل موقعا استراتيجيا، تظل الانقسامات في الجيش هي الأهم والأكثر تأثيرا. ويقول المعارضون السياسيون والنشطاء الذين يشاركون في المظاهرات والدبلوماسيون الغربيون، إن صالح يظل في السلطة طالما ظل أفراد عائلته. ويعني ذلك أنه لا يوجد تغيير حقيقي في دولة تواجه صراعا مع عناصر تنظيم القاعدة، فضلا عن الصراعات القبلية والإقليمية. ويقول معيذر الجنيد، أحد النشطاء السياسيين الذي يبلغ من العمر 23 عاما: «من وجهة نظرنا، أقرباء الرئيس الذين يشغلون مناصب في الجيش وأجهزة الأمن يجب التخلص منهم، ويجب بناء جيش يمني موحد». وبدأت انقسامات داخل الجيش اليمني منذ 18 مارس (آذار) عندما قتل القناصة الموالون للرئيس أكثر من 50 متظاهرا. وقد أعلن الجنرال علي محسن الأحمر، أكثر قادة الجيش نفوذا وأهم حلفاء صالح، انحيازه للثورة، وسرعان ما انشق عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة والجيش والقبائل التي تتمتع بنفوذ واسع. منذ ذلك الحين، تولت الفرقة الأولى مدرعات التي يقودها الأحمر حماية المتظاهرين، واشتبكت مع الحرس الجمهوري الذي يقوده ابن صالح وكذلك مع قوات الأمن التي يتولى قيادتها ابن أخي صالح. لقد قسمت الفصائل العاصمة، حيث بسطت سيطرتها على شوارع صنعاء والأحياء وأقامت نقاط التفتيش وحواجز طريق. وطبقا لشروط اتفاق نقل السلطة المدعوم من الولايات المتحدة، يتولى نائب الرئيس، عبد ربه منصور هادي، السلطة خلفا لصالح الذي قام برحلة علاجية إلى الولايات المتحدة. واتفق كل من الحزب الحاكم والمعارضة على أن يتولى عبد ربه منصب الرئاسة خلال الفترة الانتقالية التي لن تقل عن عامين. ولا يوجد أي اسم آخر مطروح أمام الشعب اليمني. ومن المهام الرئيسية لهادي استعادة وحدة الجيش. وتم تشكيل لجنة عسكرية لتولي هذه المهمة وإبعاد كل القوات المسلحة عن العاصمة، لكنه لم ينجح حتى هذه اللحظة، حيث لا تزال القوات الموالية لمحسن وأفراد عائلة صالح كما هم على الرغم من أنهم لا يثق بعضهم في بعض. وفي جزء آخر من صنعاء، تسيطر العائلات القبلية الأكثر نفوذا، التي انشقت عن صالح.

وقال حسن زايد، أحد قادة المعارضة، إن مظاهرات القوات الجوية توضح أن صالح وعائلته «يفقدون السيطرة»، لكنه أكد أن التخلص من أقرباء صالح غير ضروري شريطة أن يلتزموا بأوامر حكومة وحدة وطنية. وتساءل زايد: «في صالح من إقالة ابنه وأبناء أخيه؟». وأوضح قائلا: «سيكون ميزان القوى لصالح علي محسن الذي نعرف أنه يسعى إلى السلطة».

وتوضح تلك التعليقات مدى الانقسام في المشهد السياسي في اليمن، حيث يبدو أن نهاية فترة رئاسة صالح وشيكة. واتهم مسؤولون كبار في الحزب الحاكم علي محسن وقبيلة الأحمر وحزب الإصلاح، وهو أكبر حزب معارض، بالوقوف وراء مظاهرات القوات الجوية التي بدأت نهاية الشهر الماضي. وقال عبده الجندي، نائب وزير الإعلام: «إذا استجابت الحكومة لطلباتهم، فسيتكرر ذلك في الجيش، وستعم الفوضى البلاد. إن هذا مطلب سياسي، ولا ينبغي أن تتأثر القوات المسلحة سياسيا. إن حزب الإصلاح يسعى إلى السلطة».

ونفى محمد السعيد، نائب رئيس حزب الإصلاح، هذه المزاعم، حيث قال «إن هذا لا يوجد مستقبلا لابن الرئيس ولأبناء أخيه. إذا قرروا أن يظلوا في السلطة، فلن يتعدى دورهم دور ضباط عاديين يجب أن يطيعوا الأوامر وإلا فسيطردون. والخيار الثاني هو الأرجح».

على الجانب الآخر لم يبد أن ضباط القوات الجوية المشاركين في مظاهرات منشغلون بالسياسة، حيث تضمنت مطالبهم زيادة الرواتب وترقيات. مع ذلك يظل المطلب الأساسي هو إقالة أخي الرئيس غير الشقيق. وكان هذا الفعل منذ عام يستوجب الإعدام.

وفي قاعدة جوية قريبة، حيث يوجد عدد كبير من المتظاهرين، اتخذ اللواء محسن علي البالغ من العمر 51 عاما، موقفا معارضا من المظاهرات باعتبارها أفعال مجموعة من الضباط كثيري التذمر.

وحمل القوى السياسية التي تريد الإضرار بالبلاد مسؤولية ما يحدث من مظاهرات.

وتتطلب إقالة قائد القوات الجوية مرسوما رئاسيا من هادي، على حد قول محسن علي، مشيرا إلى أن هادي رجل عسكري يتعامل مع محمد صالح كأخ. وأضاف علي والابتسامة ترتسم على وجهه: «لا نعتقد أن هذه المظاهرات ستنجح في إقالته».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»