فضيحة «قصر سري» تعقد عملية اختيار قائد لهونغ كونغ

أزمة مرشح بكين للمنصب الرفيع تلقي بظلالها على مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني المقبل

هنري تانغ ينغ ين
TT

قبل شهر من اختيار هونغ كونغ لقائد جديد، فإن هذه المستعمرة البريطانية السابقة تشهد أمرا لم تكن بريطانيا تقبله، ولا حتى الصين التي باتت هونغ كونغ تحت سيادتها منذ عام 1997. وهذا الحدث هو اختيار قائد جديد لهونغ كونغ بطريقة تشبه إلى حد كبير الانتخابات الحقيقية.

وسيشارك في هذا التصويت 1200 شخص فقط، من 7.1 مليون نسمة هم إجمالي عدد السكان، لكن مع ذلك، يحظى التصويت باهتمام كبير من الرأي العام. فبدلا من نقل السلطة بالطريقة التي تريدها بكين وللشخص الذي يحظى بدعمها، هنري تانغ ينغ ين، تعرض هذا الأخير إلى حملة تشكيك كبيرة في نزاهته بسبب اكتشاف «قصر سري» مليء بالنبيذ الفاخر في فيلته بشكل يتعارض مع القانون المحلي في هونغ كونغ، علاوة على إهانته زوجته، مما دفع وسائل الإعلام إلى اتهامه بالكذب والجبن والخيانة. وقال جاسبر تسانغ يوك سينغ، وهو سياسي مخضرم موال لبكين ورئيس المجلس التشريعي في هونغ كونغ: «لقد اتخذت الأمور منعطفا خطيرا ومثيرا للاهتمام، وكأنه فيلم سينمائي تم إنتاجه في هوليوود».

يذكر أنه خلال الحكم البريطاني، كانت لندن ترسل زعيما إلى هونغ كونغ، ولم يكن للسكان المحليين أي دور في اختياره، وكان الزعيم يرتدي قبعة غريبة من الريش. وبعدما استعادت الصين السيطرة على هونغ كونغ قبل 15 عاما، ألغت فكرة ارتداء الزعيم قبعة وغيرت اسم الوظيفة إلى «الرئيس التنفيذي» وشكلت لجنة من النبلاء المحليين لتأييد الخيار الذي يفترض أن يتم في عاصمة أخرى هذه المرة، وهي بكين.

ومع ذلك، سيتسبب ما يحدث في هونغ كونغ في حدوث مشكلة كبيرة لنائب الرئيس الصيني جي جينبينغ، الذي عاد إلى بكين بعد جولة قادته إلى الولايات المتحدة وآيرلندا، يوم الأحد، حيث سيلقي ما يحدث في هونغ كونغ بظلاله على اجتماع الحزب الشيوعي المزمع عقده في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

قبل أسبوع من الآن، كان هنري تانغ ينغ ين، المرشح الأوفر حظا لشغل منصب الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، وهو رجل ثري وموظف مدني سابق، وكان يحظى بدعم من كبار رجال الأعمال في مجالات العقارات ومجموعة من الشخصيات البارزة، كما يحظى بدعم بكين نفسها. ورغم وجود مرشح آخر، هو ليونغ تشون يينغ، ويحظى بشعبية كبيرة وله قبول هو الآخر في بكين، فإن تانغ هو الأوفر حظا بسبب التحالف بين المليارديرات المحليين والحزب الشيوعي الحاكم في الصين.

وفي الوقت الحالي، يواجه تانغ فضيحة كبيرة بعد الكشف عن امتلاك عائلته فيلا بها غرفة سرية بمساحة 2200 قدم مربعة بها قبو لتناول النبيذ، ومنتجع صحي، إلى غير ذلك من المرافق الفاخرة، في انتهاك صريح للقانون في هونغ كونغ. وقد نفى تانغ أن تكون هذه الفيلا مكانا فاخرا تم الإنفاق عليه بسخاء، ولكنه رفض السماح للصحافيين بالدخول ليروا ذلك بأنفسهم. وقد استأجرت محطات التلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام رافعات عالية للغاية يمكن من خلالها رؤية الفيلا من الداخل من فوق الجدار المحيط بها.

وبينما يعيش معظم سكان هونغ كونغ في شقق أصغر بكثير من الطابق السفلي غير المشروع في فيلا تانغ، أثارت الفضيحة التي أطلق عليها اسم «قصر تانغ» مشاعر عارمة من الغضب بسبب المعايير المزدوجة. وقد أظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة هونغ كونغ يوم الأحد الماضي أن 51.3% يريدون تنازل تانغ عن سباق المنافسة على أرفع منصب في البلاد، وأن نحو 80% يعتقدون أن هذه الفضيحة قد انعكست بالسلب على سمعته ونزاهته.

وبعد التشاور مع مكتب ممثل بكين في هونغ كونغ، تعهد تانغ بالبقاء في السباق وقدم أوراق ترشيحه بصفة رسمية يوم الاثنين الماضي. ومن جهتها، لم تعلق بكين على الأمر بصورة علنية حتى الآن. وبعد أيام من تجاهل الطلبات الشعبية لتانغ بالانسحاب من السباق، فضلت وسائل الإعلام في هونغ كونغ التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، التقليل من متاعب تانغ وخففت من لهجتها تجاهه. فقد أشارت صحيفة «تا كونغ باو» الموالية لبكين في صفحتها الأولى إلى أن العديد من سكان هونغ كونغ يعتقدون أن الفضيحة كان «مبالغا فيها إلى حد كبير» وأنهم لا يزالون «يؤيدون تانغ بقوة». ومع ذلك، لم تقدم الصحيفة أية نتائج لأي اقتراع يدعم صحة ما تقوله. وقال إميلي لاو، وهو عضو الحزب الديمقراطي في السلطة التشريعية المحلية ومن أشد المعارضين لبكين: «لقد أخطأت بكين تماما في إدراك الحالة المزاجية للناس في هونغ كونغ، ولو استمرت في اختيارها لتانغ، فسيؤدي ذلك إلى حدوث كارثة».

وعلى الجانب الآخر، يحذر السياسيون من رد الفعل العنيف الذي قد يحدث في حالة تجاهل اللجنة المشكلة من 1200 عضو، شكوك الرأي العام حول نزاهة تانغ. وفي حديثها لقناة «آر تي إتش كيه» التلفزيونية الممولة من قبل الحكومة، قالت ريجينا ايب، وهي مشرعة محافظة والقائدة السابقة للأمن: «من شأن هذا أن يجعل من عملية السيطرة على هونغ كونغ أمرا مستحيلا».

وفي مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، اعترف تانغ بأن «القصر» السري، المبني تحت حمام السباحة، غير قانوني، لكنه ألقى بالمسؤولية على زوجته التي كان قد أهانها في وقت سابق من خلال اعترافه بأنه على علاقة خارج نطاق الزوجية. أما الزوجة، ليزا كو يو تشين، فقالت لوسائل الإعلام وهي تبكي إنها «أخطأت في ذلك» وإنها كانت تريد فقط «منزلا سعيدا يسوده الدفء لزوجي وأولادي». من جهتها، فتحت الحكومة في هونغ كونغ تحقيقا في ذلك الأمر.

وقد أدت تصريحات تانغ التي ألقى خلالها باللوم على زوجته بنتائج عكسية، حيث جاء العنوان الرئيسي لصحيفة «أبل ديلي» التي تعد الصحيفة اليومية الناطقة باللغة الصينية الأكثر مبيعا في البلاد: «يبيع زوجته في سبيل المجد»، في حين قالت صحيفة «أورينتال ديلي»: «الانسحاب من السباق!»، أما الصفحة الأولى لصحيفة «ساوث تشينا مورنينغ بوست» وهي الصحيفة اليومية الرئيسية باللغة الإنجليزية، فحملت عنوانا يقول: «تانغ يقول: كانت هذه فكرة زوجتي».

ومع ذلك، لم تنجح تلك الفضيحة في تقويض سلطة بكين في أن يكون صاحب المنصب الرفيع من غير المعارضين لها، حيث لا يتمتع ألبرت هو، وهو المرشح الثالث على منصب الرئيس التنفيذي، بفرصة كبيرة، بعدما أعلنت بكين أنها لن تقبل عضوا من معسكر الديمقراطيين في هونغ كونغ ليشغل منصب الرئيس التنفيذي للبلاد.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الفضيحة سلطت الضوء على حرية الصحافة وقوة الرأي العام، وأضفت حالة من عدم اليقين على العملية التي بدأت وكأنها عملية تتويج وليس انتخابات. وقال لاو: «لم تكن بكين تتوقع هذا تماما». وتتعارض التغطية الشاملة للاضطرابات في هونغ كونغ تماما مع حالة الصمت التي خيمت على وسائل الإعلام الصينية التي تديرها الدولة في ما يتعلق بمسألة سياسية أهم تدور رحاها سرا في بكين قبل اجتماع الحزب الشيوعي في أكتوبر المقبل.

وما زال من المتوقع أن يشغل نائب الرئيس الصيني جي جينبينغ، منصب رئيس الحزب الشيوعي، ولكن حدثت بعض الاضطرابات خلال الشهر الحالي عندما قام وانغ لي جون، وهو حليف مقرب من بو شيلاي، الذي بزغ نجمه في المجال السياسي في الآونة الأخيرة، باللجوء إلى القنصلية الأميركية في مدينة تشنغدو الصينية. وقد غادر وانغ القنصلية بعد يوم واحد، ويعتقد الآن أن يكون رهن الاعتقال في بكين. وقد ألقت هذه المغامرة بظلالها على مستقبل رئيسه السابق، بو، الذي كان يتوقع أن ينضم إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وبالتالي يصبح عضوا في الدائرة الداخلية لجي جينبينغ.

وفي مقابلة شخصية معه، قال تسانغ، رئيس المجلس التشريعي بهونغ كونغ، إن العاصفة التي هبت بسبب «قصر تانغ» ربما تسبب بعض القلق في بكين، التي تشعر بالقلق حيال حدوث مشكلة أكبر عندما يتوجه سكان هونغ كونغ لاختيار زعيمهم عن طريق الانتخاب المباشر في عام 2017. وتابع تسانغ أن هذا يدل على أنه لا يمكن تجاهل الرأي العام، مضيفا: «لو كان قادة بكين يتمتعون بالحكمة، ومعظمهم يتمتع بالفعل بالحكمة، فإن عليهم أن يستخلصوا الدروس من السباق الحالي في هونغ كونغ».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»