«الجيش السوري الحر» يرفض الاستعانة بالجهاديين العرب

«المجلس الوطني» قال إنه يراهن على زيادة عدد المنشقين لمواجهة قوات الأسد

أعمدة دخان تنبعث من أحد المواقع التي تعرضت للقصف بريف دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

تقول المعلومات الواردة من سوريا، إن «الجيش الحر» المناهض لحكم الرئيس بشار الأسد، يرفض الاستعانة بالجهاديين العرب الذين وصل بعضهم إلى سوريا بالفعل، رغم تواضع إمكانات هذا الجيش مقارنة بجيش النظام الحاكم. ويراهن «المجلس الوطني» المعارض على زيادة المنشقين من الجيش النظامي ودعم الجيش الحر لمواجهة قوات الأسد، وإنهاء الحكم الديكتاتوري في البلاد بأيد سوريا. ومنذ أيام، اختفى الشاب محمد البالغ من العمر 23 عاما من مدينة السادات القريبة من القاهرة بمصر، تاركا رسالة لأسرته فهمت منها أنه ذاهب لمناصرة السوريين ضد حكم الرئيس بشار الأسد. ومحمد واحد من ألوف الشبان المسلمين والعرب الذين تقول عدة تقارير استخباراتية، إنهم بدأوا في التوجه إلى سوريا عبر عدة دول بمنطقة الشرق الأوسط، بعد أن فجعتهم المشاهد المرعبة لأعمال القتل التي يقوم بها نظام الأسد.

ويقول عضو المجلس الوطني السوري وعضو المكتب السياسي للجان التنسيق المحلية في سوريا، عماد حصري، إن عددا من الجهاديين غير السوريين وصل بالفعل إلى سوريا، وإن «الجيش الحر» رفض استقبالهم. ووفقا لتقارير أمنية مستندة على مصادر غربية، فإن عناصر جهادية بدأت في التوجه إلى سوريا، بعد نحو أسبوع من قيام أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بحث المسلمين في تركيا والعراق ولبنان والأردن على النهوض لمساعدة السوريين الذين يواجهون قوات الأسد. ويوجد في تلك الدول إسلاميون مصريون أيضا، أي من البلد الذي ينتمي إليه الظواهري المختبئ على الحدود الباكستانية - الأفغانية.

وتقول أسرة محمد، إنه سبق لابنها السفر رغما عنها لمناصرة الثوار الليبيين أثناء قتالهم للقذافي، وإن داعية مصريا من مدينة مرسى مطروح قرب الحدود مع ليبيا هو من نسق إلحاق مصريين بالثوار الليبيين العام الماضي.

ويعتقد ذوو محمد أن الداعية نفسه، الذي أصبح الآن عضوا في البرلمان المصري عن التيار الإسلامي السلفي، هو من قام بالتنسيق لتسفير ابنهم إلى سوريا عبر ليبيا. لكن هذا الداعية أجاب عن أسئلة «الشرق الأوسط» بأنه لا علاقة له بالموضوع، رغم أنه أقر بتسفير الشاب نفسه من قبل «ضمن متطوعين مصريين في العمل الإغاثي إلى ليبيا». وأضاف مشترطا عدم الإشارة لاسمه، أن بعض المصريين يتسللون بالفعل إلى سوريا عبر الأردن والعراق وتركيا.

ويقول مصدر أمني مصري، عمل لسنوات ملحقا لبلاده في سوريا، إن أعمال العنف المستمرة هناك منذ أحد عشر شهرا، وسط مشاهد مروعة لأعمال القتل، تبدو غير كافية لإقناع المجتمع الدولي، خاصة روسيا والصين، على أخذ خطوات تلجم قوات الأسد، بسبب تعقيدات الوضع في سوريا، مشيرا إلى أن مسألة دخول متطوعين عرب أو إسلاميين إلى سوريا «لا يمكن مراقبتها بتلك الدقة.. البعض يحرص على نشر مثل هذا، وربطه بالخوف من تنظيم القاعدة، لأغراض سياسية.. هذا يقوم به نظام الأسد حاليا، وقام به نظام القذافي من قبل وخسر».

وبدأت الثورة السورية أولا باحتجاجات مدنية سلمية في مارس (آذار) الماضي، لكن عناصر من الجيش انشقت لحماية المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، ومنذ يوليو (تموز) الماضي أصبح يوجد في البلاد ما يعرف بـ«الجيش الحر»، تحت قيادة العقيد رياض الأسعد، ويعتمد هذا الجيش على الأسلحة التي انشق بها في الأغلب، تفتقر للآليات العسكرية الثقيلة المؤثرة.

ويأتي هذا وسط فوضى من حسابات متضاربة تتعلق بالأقليات المذهبية والعرقية وطبيعة علاقات سوريا الإقليمية والدولية مع طهران وتل أبيب وبكين وموسكو وحزب الله وتنظيم القاعدة. وأوضح المصدر، أن «هذا الوضع جعل حل الأزمة عربيا أو دوليا بعيد المنال في الوقت الحالي».

ويضيف «لا أعتقد أن تجربة ليبيا ستتكرر هناك، كما أن انضمام الجهاديين الأجانب إلى الثورة السورية سيعقد المشكلة». ويزيد موضحا، أن «الحل الفاعل، كما أرى، في تشديد الحصار الاقتصادي والسياسي على نظام الأسد، ولهذا يبدو الثوار السوريون أكثر ذكاء في التعامل مع القضية بقولهم، رغم كل شيء، إن الحل في أيديهم.. من الداخل».

ويقوم ناشطون غالبيتهم إسلاميون من دول بالمنطقة وأخرى مجاورة لسوريا بمحاولات لمساعدة الثورة السورية من أجل «وضع حد للهجمات الوحشية اليومية التي يقوم بها النظام ضد المواطنين»، لكن قيادات لجماعات إسلامية تقول، إن أعضاءها يعملون فقط على جمع التبرعات لا الانخراط في القتال داخل سوريا.

ويوضح الدكتور محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، أن الكثير من الشباب يجمعون أموالا للاجئين السوريين، وللأسف لا توجد حدود مباشرة بين مصر وسوريا لعمل ما هو أكثر. ويضيف، بشأن تقديم العون العملي المباشر: «أعتقد أنهم يكفلون إخوانهم المهاجرين أو اللاجئين من سوريا إلى الأردن».

وتشير تقارير غربية إلى تشديد الحكومة العراقية لإجراءاتها الأمنية على الحدود، لمنع دخول مقاتلين وأسلحة إلى ثوار سوريا، ومن بينهم جماعات من السنة يعتقد أن من بينهم مجموعات من «الإخوان المسلمين». ويعلق غزلان بقوله: «لا علم لي بهذا»، مشيرا إلى أن رؤية «الإخوان» للحل في سوريا تتلخص في «رحيل النظام.. وليس هناك حل غير هذا.. وأي حل توافقي أو إعداد دستور جديد أو تشكيل حكومة جديدة، كله كلام فارغ.. ما دام هناك شلال وتيار من الدم، فليس هناك حل إلا رحيل النظام».

وعن موقف المعارضة السورية من التقارير التي تتحدث عن دخول مقاتلين جهاديين لنصرتها ضد الأسد، خاصة من جانب العراق، وبعض الدول الأخرى، يجيب عماد حصري بالتشديد على أن مثل هذه الأقاويل «ما هي إلا نوع من ذر الرماد في العيون»، لكنه أوضح أن هناك «بالتأكيد بعض الناس ممن تهمهم القضية السورية، بغض النظر عن مشاربهم الفكرية، سواء كانوا إسلاميين أو قوميين أو يساريين، لكن هؤلاء عبارة عن أشخاص لا يزيد عددهم على العشرات».

ويضيف حصري، أنه على سبيل المثال كان هناك عدد من المقاتلين الجهاديين الذين جاءوا من الخارج ودخلوا إلى مدينة إدلب، ومكثوا عشرة أيام وعرضوا مساعداتهم، لكن الثوار والجيش السوري الحر رفضوا هذه المساعدة، ورفضوا أيضا استقبالهم، وأبلغوهم أنهم لا يتعاملون مع المتعصبين، لأن التعصب هو ترجمة للديكتاتورية، موضحا أنه كان لدى تلك العناصر القادمة من الخارج توجه جهادي، وكان عددهم لا يزيد على عشرة أشخاص، وأنهم غادروا سوريا بعد رفض الجيش الحر مساعداتهم.

وعن التقارير التي تقول، إن الجيش السوري الحر ليس بتلك القوة التي تمكنه من هز جيش الأسد، الذي أنفق على تسليحه مؤخرا أكثر من ثلاثة أضعاف ما أنفقه القذافي على جيشه، قال إن الجيش السوري الحر من الناحية العسكرية ومن ناحية العتاد، لا يقارن بالتأكيد مع الإمكانيات المتوفرة لجيش النظام السوري، الذي يملك المطارات والطائرات والطوافات وغيره.

وتابع قائلا، إن «الجيش السوري الحر، بالعتاد القليل الذي ينشق به عن جيش النظام السوري، لا يستطيع أن يسقط هذا النظام، لكن الميزة التي أعطاها للسوريين هي (ميزة معنوية) حتى الآن من خلال التشجيع على التخلي عن الأسد، والاستمرار في حماية المتظاهرين السلميين».

ويقول قادة في المعارضة السورية، إن مزيدا من الانشقاقات في صفوف جيش الأسد، كما يحدث حاليا بالفعل، ومزيدا من السلاح والتدريب كما هو مأمول، يمكن أن يعضد تأثير الجيش الحر في مجريات الأمور دون تدخل عسكري خارجي، وإن وجوده أسهم في تشجيع السوريين على تحدي النظام والتظاهر في العاصمة بشكل أكبر وأقوى عن ذي قبل.

ويرى حصري، أن «من يروجون لأقاويل عن دخول عدد كبير من الجهاديين أو غيرهم لمساعدة السوريين ضد النظام، ما هو إلا ترديد لرواية النظام السوري»، مضيفا، أن «شهداء سوريا الذين تجاوز عددهم ثمانية آلاف سوري ليس من بينهم اسم شهيد واحد لا يحمل الجنسية السورية».