المتدينون يهددون بإسقاط حكومة نتنياهو بعد قرار «العليا» إلغاء «إعفائهم» من العسكرية

عدد المتهربين من الخدمة تضاعف 15 ألف مرة منذ سنة 1948

نتنياهو في مؤتمر صحافي في القدس المحتلة أمس (أ.ب)
TT

تشهد الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو هزة جدية تهدد بإسقاطها، وذلك في أعقاب قرار محكمة العدل العليا في القدس الغربية إلغاء قانون يعرف باسم «قانون طال»، يفسح المجال للجيش بإعفاء الشباب المتدين من الخدمة العسكرية. وفي الوقت الذي رحب فيه العلمانيون والمتدينون الصهاينة بالقرار، فاعتبروه مكسبا تاريخيا يعيد للصهيونية مجدها، رأى فيه المتدينون المتزمتون الذين لا يلتزمون بالعقيدة الصهيونية، ضربة لهم وتهديدا لقوتهم المتنامية في المجتمع الإسرائيلي.

وهدد قادة هذه الأحزاب الدينية بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، مما يعني أن تسقط الحكومة. وبما أن نتنياهو لا يرغب في تشكيل حكومة علمانية تضم حزب المعارضة الرئيسي، «كديما»، فإن المخرج الوحيد أمامه يكون في تقديم موعد الانتخابات. وهو يحبذ هذا الخيار، لأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجمهور الإسرائيلي يؤيده. وفقط قبل يومين، نشرت نتائج استطلاع كهذا أشارت إلى أن نتنياهو سيزيد قوة حزبه بنسبة 45 في المائة، إذا جرت الانتخابات الآن. ولكنه في الوقت نفسه، دعا الأحزاب الدينية إلى الحوار للتوصل إلى تسوية في الموضوع من دون الإساءة إلى المؤسسة القضائية العليا.

يذكر أن المتدينين اليهود في إسرائيل منقسمون إلى قسمين في العمل السياسي؛ قسم منهم متدينون صهاينة، يؤمنون بالصهيونية ويخدمون في الجيش وهم موزعون على معظم الأحزاب الصهيونية، ولهم حزبان إضافيان، هما: حزب «البيت اليهودي» الشريك في الائتلاف الحكومي وله 3 نواب، وحزب «الاتحاد القومي» وهو يميني متطرف سياسيا ويقف في المعارضة وله 4 نواب. والقسم الثاني يضم المتدينين المتزمتين دينيا، «الحريديم»، وهم لا يعتبرون أنفسهم صهاينة، لأنهم يؤمنون بأن دولة إسرائيل تقوم بقرار رباني، والإشارة إليه تكون عندما يأتي المسيح المخلص. وهم يتوزعون على عدة أحزاب متبلورة في كتلتين نيابيتين، واحدة للشرقيين ويمثلها حزب «شاس» وله 10 نواب في البرلمان، وكتلة أخرى هي عبارة عن تجمع عدة أحزاب لليهود الأشكناز (القادمين من أوروبا ودول الغرب). وهؤلاء لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، بدعوى أن شبابهم ولدوا ليكرسوا أنفسهم لدراسة التوراة.

ومع تنامي قوة «الحريديم»، على حساب الأحزاب الدينية الصهيونية، بدأ يكبر نفوذهم في الحياة السياسية والاقتصادية. وراحوا يطالبون بمزيد من النفوذ. وكان مطلبا أساسيا لهم سن قانون يضمن إعفاء أولادهم وبناتهم من الخدمة العسكرية الإجبارية. وتم التجاوب معهم في سنة 2002 عندما سن قانون خاص عرف باسم القاضي تسيفي طال الذي أعده، يعفي الشباب المتدين، على أن يشجعهم في المستقبل على تغيير آرائهم ويرفعوا نسبة المجندين بالتدريج. ولكي يضمنوا ذلك، حددوا للقانون فترة خمس سنوات لفحص مدى إسهامه في زيادة المجندين. ومددوا القانون سنة بعد أخرى، لأن الحكومتين السابقة برئاسة إيهود أولمرت، والحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، لم تجرآ على المبادرة لإبطال القانون. وفي مطلع السنة الجارية، تقدم 30 جنرالا سابقا في الجيش بدعوى جديدة إلى المحكمة لعليا يطلبون إلغاء القانون لأنه لم يحقق أهدافه في تشجيع المتدينين على الخدمة ويؤدي إلى التمييز في المجتمع الإسرائيلي، شباب يساهمون في تحمل أعباء الحروب وشباب لا يساهمون.

وشكلت هيئة قضائية من 9 قضاة في محكمة العدل العليا للبت في الدعوى، وفي الليلة قبل الماضية صدر قرار بأكثرية 6 قضاة (بينهم قاضيان متدينان)، يقضي بإلغاء القانون. وصعقت الأحزاب الدينية المتزمتة من هذا القرار واعتبرته تواطئا من نتنياهو وهجوما ضدها من «اليسار الذي يسيطر على جهاز القضاء»، وهددت بالانسحاب من الحكومة إذ لم يبادر نتنياهو إلى سن قانون جديد بمضمون «قانون طال» ولكن يحمل صفة دائمة. وهو أمر لا يقوى عليه نتنياهو، لأنه عندئذ يخسر الجيش وأوساطا علمانية كثيرة ممن يستفزهم إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية.

في المقابل، رحبت غالبية الإسرائيليين بقرار المحكمة. وكتبت صحيفة «هآرتس» مقالا افتتاحيا تمتدح فيه نتنياهو على أنه «أخيرا اتخذ قرارا حاسما في شيء ما مهم للمجتمع الإسرائيلي». وحرصت أوساط عسكرية على تسريب معلومات للصحافة الإسرائيلية عن الانفلات في التهرب من الخدمة العسكرية بين المتدينين. فأكدت أن عدد المواطنين في إسرائيل تضاعف 1200 مرة، منذ سنة 1948 وحتى اليوم، بينما عدد المتهربين من الخدمة لأسباب دينية تضاعف 15 ألف مرة (من 400 شخص عند قيام إسرائيل إلى 71 ألفا اليوم). وارتفع عددهم إلى 55 ألفا في سنة 2005، وإلى 57800 في سنة 2009، و62500 في سنة 2010. وحتى البديل الذي طرحه الجيش عليهم في أداء خدمة مدنية تطوعية لم ينجح، إذ وضع الجيش لهم 1200 فرصة خدمة مدنية، لكنهم لم يستغلوا سوى 1080 فرصة.