أثار اقتراح مثير قدمه عضو بمجلس النواب الأميركي، ويدعو لاستقلال أكبر أقاليم باكستان، حالة من الغضب داخل هذا البلد، على نحو يضيف مزيدا من التعقيدات في الجهود الرامية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وإسلام آباد مجددا.
تأتي حالة الغضب من مشروع قرار غير ملزم طرحه يوم الجمعة الماضية، النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا، دانا روهراباكر، وينص على أن سكان بلوشستان، الإقليم الواقع في غرب باكستان والذي يرزح تحت نير حركة تمرد انفصالية منذ سبعة أعوام، يجب أن «يتمتعوا بحق تقرير مصيرهم وأن تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة».
وعلى الرغم من أن فرصة نجاح مشروع القانون محدودة في باكستان، فإنه قوبل برد فعل غاضب من قبل السياسيين ووسائل الإعلام في باكستان. فقد وصفه رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني، بأنه اعتداء على السيادة الباكستانية، فيما حذرت السفيرة الجديدة لدى واشنطن، شيري رحمن، من احتمال أن «يؤثر بشكل خطير على العلاقات الباكستانية - الأميركية».
واتهمت تقارير إعلامية باكستانية روهراباكر بالسعي إلى «بلقنة» باكستان، أو العمل بأمر من عملاء الاستخبارات الأميركية الذين يسعون، بحسب التقارير، إلى الضغط على باكستان من أجل إنشاء مواقع للتنصت السري على الحدود مع إيران. وقد أنكر روهراباكر وإدارة الرئيس باراك أوباما تلك الاتهامات.
وتأتي حالة الغضب جزئيا من حساسيات باكستانية تجاه النزاع المشتعل بشأن إقليم بلوشستان، الذي أشارت جماعات حقوقية إلى أنه يشهد انتهاكات واسعة النطاق في مجال حقوق الإنسان، من قبل الجيش في الغالب، ولم يحظ سوى باهتمام دولي محدود. غير أنه يمثل أيضا إشارة لتأجج المشاعر المعادية لأميركا داخل باكستان، حيث باتت العلاقات بإدارة أوباما شبه متجمدة منذ أن تسببت طائرات حربية أميركية في مقتل 24 ضابطا باكستانيا في اشتباك عند الحدود المتنازع عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث أدت التأجيلات من الجانب الباكستاني في ما يتعلق بـ«استعادة» تلك العلاقة إلى تركها عرضة لمجموعة من القوى المعادية من جانب كلتا الدولتين.
وقالت مليحة لودهي، السفيرة الباكستانية السابقة لدى واشنطن: «ثمة إحساس خطير بالتقدم البطيء على كل الجبهات. لقد تشكلت فجوة سياسية. وإذا تركت فجوة، فسوف يقوم شخص ما بملئها».
وقد أبقت إدارة أوباما نفسها بمعزل عن روهراباكر، الذي دائما ما تدخله آراؤه في خلاف مع أعضاء حزبه. وفي بيان صدر الأحد، صرحت السفارة الأميركية في إسلام آباد بأن الولايات المتحدة «تحترم الوحدة الترابية لباكستان وإنه ليس من بين الشؤون السياسية للإدارة دعم استقلال» إقليم بلوشستان.
يذكر أن لروهراباكر، الذي يرأس لجنة التحقيق والمراقبة للشؤون الخارجية بمجلس النواب، تاريخا من الإجراءات العدائية ضد باكستان. وقال في محادثة هاتفية أجريت معه الثلاثاء: «لقد كانوا دوما عدوا ذا وجهين للولايات المتحدة».
وفي السابق، حاول روهراباكر منع المعونة الأميركية الممنوحة لباكستان. وفي الأسبوع الماضي، اقترح منح الطبيب شكيل أفريدي، الباكستاني الذي ساعد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الوصول إلى مخبأ بن لادن في شهر مايو (أيار) الماضي، ميدالية ذهبية من الكونغرس وجواز سفر أميركيا.
وفي غضون الأسابيع الأخيرة، استغل روهراباكر قضية بلوشستان في انتقاد باكستان. وعقد جلسة استماع في الكونغرس حول بلوشستان يوم 8 فبراير (شباط) والتي شملت شهادات من جماعات حقوقية وخبراء باكستانيين. كما تم فيها الاستماع إلى رالف بيترز، الضابط السابق بالجيش الأميركي، الذي كتب عام 2005 ورقة استراتيجية تضمنت خريطة افتراضية لدولة مستقلة في بلوشستان، مأخوذة من أجزاء من إيران وأفغانستان وباكستان. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تلك الخريطة فكرة مسيطرة على واضعي نظرية المؤامرة، الذين ينظرون إليها باعتبارها إشارة إنذار بخطط أميركية سرية لتمزيق أوصال دولتهم.
وقد عمل المسؤولون الأميركيون والباكستانيون في هدوء من أجل استعادة العلاقات الطبيعية من البلدين. ومن المقرر أن تلتقي وزيرة الخارجية الباكستانية، حنا رباني خار، بنظيرتها الأميركية، هيلاري كلينتون، على هامش مؤتمر يعقد في لندن (اليوم) الخميس، وهو أرفع اجتماع يعقد بين البلدين منذ الاشتباكات على الحدود المتنازع عليها في نوفمبر (تشرين الثاني).
ويسن ضباط جيش من الجانبين إجراءات جديدة لتفادي أي اشتباكات جديدة. غير أن باكستان تؤكد أن سياستها الحديثة حول كيفية العمل مع الولايات المتحدة يجب مراجعتها من قبل البرلمان، كما أنه ليس من المحتمل أن تعقد جلسة برلمانية لمناقشة التوجيهات الجديدة قبل منتصف مارس، عقب انتخابات مجلس الشيوخ، بحسب مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى.
وأعرب مسؤولون أميركيون رفيعو الشأن عن خيبة أملهم من آخر تأجيل لسياسة جديدة تهدف للمساعدة في حل العديد من القضايا، من بينها إغلاق طرق الإمداد لقوات حلف شمال الأطلسي المؤدية إلى أفغانستان، ودور باكستان في محادثات السلام مع حركة طالبان.
وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته تفاديا لتأجيج التوترات بصورة أكبر: «نحن لسنا سعداء بهذا التأجيل. يحدونا القلق من المضي قدما في عملياتنا التجارية».
ويشير منتقدو ما ينظر إليه باعتباره توريطا للحكومة الباكستانية إلى أنه قد أجج المشاعر المعادية لأميركا، على نحو يسمح لخلافات ثانوية، مثل مشروع قرار روهراباكر، بالاستحواذ على قدر كبير من الأهمية. كما أعطى قوة دافعة للقوى المحافظة في باكستان.
وفي الأسابيع الأخيرة، جابت مجموعة جديدة لتنظيم الحملات من تيار اليمين، تطلق على نفسها اسم «مجلس الدفاع عن باكستان» المدن الرئيسية، مطالبة بإنهاء الهجمات الأميركية الموجهة بطائرات من دون طيار ومدشنة حملة ضد إعادة فتح خطوط الإمداد الخاصة بحلف الناتو.
ويضم الائتلاف أحزابا دينية من تيار اليمين ورئيسا سابقا لمديرية المخابرات الباكستانية والعديد من المنظمات المسلحة، التي تم اتهام بعضها بارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين وتم حظرها بشكل رسمي. إلا أنها جابت الدولة من دون معارضة، وأقامت مؤتمرات شعبية في كراتشي وإسلام آباد خلال العشرة أيام الماضية وعززت الشكوك في تمتعها بدعم ضمني من المؤسسة العسكرية ذات النفوذ.
ومع ذلك، حظي مشروع القانون الذي تقدم به روهراباكر، بدعم واسع النطاق من قبل القوميين في بلوشستان، الذين كافحوا حتى الآن من أجل جذب انتباه الولايات المتحدة.
وقال سليمان داود، القائد البلوشي المنفي الذي ساعد روهراباكر في صياغة مشروع القانون، متحدثا من منزله في كارديف في ويلز: «هذا إنجاز كبير جدا. لقد عرضنا كل ما يحدث في بلوشستان على المسرح العالمي. هذه مجرد البداية».
* ساهم في إعداد التقرير إريك شميت من واشنطن
* خدمة «نيويورك تايمز»