اللحم «الحلال» يدخل المنافسة الرئاسية في فرنسا

تسابق بين مارين لوبن ونيكولا ساركوزي على أصوات اليمين المتطرف

ساركوزي يتحدث إلى قائمين على محل لبيع اللحوم بالجملة قرب باريس الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

دخل اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية، المعروف عادة بوصف «اللحم الحلال»، الحملة الرئاسية الفرنسية لينضم إلى قافلة المواضيع التي ترمي إلى جعل الإسلام في قلب الدعاية الانتخابية، بحثا عن أصوات اليمين واليمين المتطرف. وقبل أقل من شهرين من الدورة الأولى، يتنافس اليمين التقليدي، ممثلا بالرئيس نيكولا ساركوزي، واليمين المتطرف، ممثلا بزعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبن، على الأصوات الثمينة التي من شأنها ترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك.

ومرة أخرى، كانت مارين لوبن، التي تحلم بأن تحقق هذا العام ما حققه والدها جان ماري لوبن في عام 2002 عندما نجح في الوصول إلى الدورة الانتخابية الثانية، متخطيا المرشح الاشتراكي وقتها، ليونيل جوسبان، في إطلاق جولة جديدة من الجدل بالعودة إلى الثلاثي الذي يشكل العمود الفقري لحملتها الانتخابية المكون من الإسلام والمهاجرين والأمن.

وآخر ما جاءت به مارين لوبن التي تعطيها استطلاعات الرأي نحو 16 - 17% من الأصوات في الدورة الأولى، هو تأكيدها أن 100% من اللحوم المذبوحة والموزعة في المنطقة الباريسية هي من لحوم الحلال، مما يثبت، برأيها، مقولتها بـ«أسلمة» فرنسا. وفي الأيام القليلة الماضية، عادت مرشحة اليمين المتطرف لتؤكد أن سكان ما يسمى إيل دو فرانس، أي باريس ومنطقتها الكبرى، يأكلون «لحوما مشكوكا بأمرها»؛ لأنها تأتي من مسالخ تذبح كلها الحيوانات على الطريقة الإسلامية. ونددت لوبن بـ«تضليل» المستهلك، وقارنته بالمسلم الذي يعطى لحم الخنزير من غير أن يطلب ذلك. واتهمت لوبن السلطات العامة بـ«التقصير» لأنها لا تقوم بواجبها في حماية المستهلك وإلزام بائعي اللحوم بإبراز مصدر البضاعة التي يسوقونها.

وبالطبع، لم تُشِر مارين لوبن، لا من قريب ولا من بعيد، إلى اللحم المذبوح على الطريقة اليهودية، المسمى في فرنسا «كاشير»، بل صبت سخطها على اللحم الحلال، في ما يبدو أنه «استراتيجية متكاملة» لمنع رئيس الجمهورية والمرشح نيكولا ساركوزي من سحب البساط الانتخابي من تحت رجليها باتباعه خطا يمينيا متشددا لأغراض انتخابية. واضطر ساركوزي للرد، عارضا الأرقام التي بحوزته والتي تثبت ما قالته لوبن في جانب وتكذبه في جانب آخر. وإذا كان صحيحا أن اللحوم المنتجة في منطقة إيل دو فرانس، البالغة 5000 طن في العام، كلها تحمل الطابع الإسلامي فإنها لا تشكل سوى 2.5% من اللحوم المستهلكة في المنطقة المذكورة والبالغة 200 ألف طن في العام.

يأتي الجدل الجديد إضافة لما سبق لمارين لوبن من حديث حول «الغزو» الإسلامي لفرنسا، الذي شبهته بالاحتلال النازي في حديثها عن صلاة المسلمين في الشوارع؛ حيث تعوزهم المساجد وأماكن العبادة كما في باريس مثلا. وحتى تكتمل الصورة، فإن لوبن تربط بين ازدياد الغرباء في فرنسا وتكاثر الأعمال الإجرامية وارتفاع البطالة والعجز في برامج الرعاية الاجتماعية والتهديد الذي تتعرض له الهوية الوطنية وقيم الجمهورية الفرنسية، وكلها تندرج تحت شعار «الأسلمة» ممثلة بالنقاب والحجاب و«العادات» الإسلامية وتعدد الزوجات.

ووجه الخطورة في طروحات لوبن أن مقولاتها لم تعد مقصورة على أقلية ضئيلة في المجتمع الفرنسي، بل إن استطلاعات الرأي تفيد بأنها أخذت تغزو فئات واسعة من الشعب. والأخطر أيضا أن اليمين «الكلاسيكي»، الممثل في الانتخابات الرئاسية بالمرشح ساركوزي، لم يعد يتردد في تبني عدد من الطروحات القريبة؛ ففي مقابلة مطولة نشرت مؤخرا في «لو فيغارو ماغازين»، شدد ساركوزي على ضرورة العودة إلى «القيم الأساسية» لفرنسا، مما يذكر بالمناقشات التي أطلقها حول «مكونات الهوية» الوطنية. ومؤخرا، قال وزير الداخلية كلود غيان، الذي يُنظر إليه على أنه المكلف من ساركوزي بـ«الغزل» مع اليمين المتطرف لشفط أصواته وتأمين فوز مرشح اليمين: «إن الحضارات لا تتساوى في ما بينها». وعلى الرغم من أن غيان لم يذكر الإسلام بالاسم، فإن الجميع فهم ما هي الحضارة المقصودة (الإسلام) التي بنظره لا تثمن قيمة «الحياة» ولا حرية المرأة ولا القيم الديمقراطية. كان غيان في الربيع الماضي قد اعتبر أن «وجود أعداد كبيرة من المسلمين يطرح مشكلة»، في إشارة إلى أن مسلمي فرنسا يشكلون نحو 10% من مجموع السكان، وهي الجالية الأكبر في أوروبا كلها.

وهكذا، كلما حمي وطيس الحملات الانتخابية في فرنسا (كما في بلدان أوروبية كثيرة مثل بلجيكا وهولندا والدنمارك)، عادت إلى الواجهة نغمة التنديد بالإسلام والمسلمين كأفضل دعاية انتخابية وبرنامج سياسي لا يحتاج لكثير من الجهد. وبالمقابل، فإن المسلمين غائبون أو مغيبون عن الترشيحات؛ فحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (اليميني الحاكم) رفض ترشيح وزيرة الدولة لشؤون الصحة، نورا براح، ذات الأصول الجزائرية للانتخابات التشريعية في مدينة ليون (ثانية المدن الفرنسية) بسبب أصولها «الأجنبية» وفق ما قالته. كذلك فإن فرنسوا هولند، المرشح الرئاسي عن الحزب الاشتراكي والأكثر حظا حتى الآن بالفوز في الانتخابات المقبلة، لم ينجح في حمل حزبه على إيجاد دائرة يرشح فيها مستشاره الخاص فوزي لمضاوي (وهو أيضا من أصول جزائرية) للانتخابات التشريعية في يونيو (حزيران) المقبل.

في سياق متصل، لم ينجح المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في أن يتحول إلى مدافع حقيقي عمَّن يدعي تمثيلهم بسبب النزاعات الداخلية بين مكوناته؛ لذا، فإن غياب الثقل السياسي لمسلمي فرنسا يجعل مصالحهم ضائعة، فلا صوتهم مسموع ولا صورتهم جيدة، مما يسهل استهدافهم لأغراض سياسية بحتة.