السوريون يلبون «نداء بابا عمرو» وينتفضون رغم اشتداد القصف والقتل

مقتل العشرات أغلبهم في حمص والعثور على 18 جثة مجهولة الهوية في حماه

جانب من العمليات القتالية الشرسة في قلب مدينة حمص بين الجيش السوري الحر وقوات الأسد كما بثتها مواقع المعارضة السورية أمس (أ.ف.ب)
TT

عقد مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» في تونس على وقع اشتداد القصف العنيف على عدة مناطق في سوريا لا سيما بابا عمرو في حمص ومدينة القصير في ريف حمص وعدة قرى في ريف حماه، في وقت خرج فيه عشرات آلاف السوريين المنتفضين إلى الشوارع في جمعة «سننتفض من أجلك يا بابا عمرو» في تحد لآلة القمع الشرسة، وإطلاق النار الكثيف الذي حصد نهار يوم أمس نحو 100 قتيل وعشرات الجرحى في حمص وحماه ودير الزور والحسكة وحلب. وحسب المركز السوري المستقل لإحصاء الاحتجاجات فقد خرجت 453 مظاهرة في 374 نقطة تظاهر أمس حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

في غضون ذلك انخرطت فيه آلة النظام الإعلامية بالهجوم على مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» وركزت على تصريحات المسؤولين الروس والصينيين الرافضة للتدخل الخارجي في سوريا ونقلت وسائل الإعلام السورية الرسمية والموالية قول الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف «إن التدخل الخارجي ومحاولات تقرير شرعية قيادة أي دولة من الدول من الخارج تتعارض مع قواعد القانون الدولي ومحفوفة بخطر تقويض الاستقرار الإقليمي والعالمي». وقالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن «روسيا والصين جددتا معارضتهما أي تدخل أجنبي في شؤون سوريا ودعوتهما إلى الحوار بين القيادة السورية والمعارضة دون شروط مسبقة». كما لفتت إلى أن المبعوث الصيني الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط وو سي كه «جدد رفض بلاده التدخل الخارجي في شؤون سوريا» كما استضافت وسائل الإعلام السورية الرسمية والموالية للنظام محللين وشخصيات سورية وعربية ولبنانية هاجمت مؤتمر أصدقاء سوريا والذي اصطلح على تسميته في تلك الوسائل باسم «أعداء سوريا» باعتباره جزءا من «حلقة التآمر» على البلاد.

إلا أن المتظاهرين في العاصمة دمشق سخروا من دعايات النظام حول الموقف من مؤتمر تونس ورفعوا في الميدان لافتة كتبوا عليها «بعد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، إسرائيل تعلن مؤتمر أصدقاء الأسد في تل أبيب.. ويا بشار إسرائيل معك للموت» في تعبير عن قناعة تشكلت عند غالبية المناهضين للنظام من السوريين، بأن ما يبقى النظام السوري لغاية الآن هو مصالح إسرائيل في استمرار بقائه.

وانتفضت يوم أمس أحياء أطراف دمشق كما هي العادة كل يوم جمعة لكنها يوم أمس كانت أكثر زخما إذ تأتي بعد نداءات وجهها أهالي حي بابا عمرو الذي يتعرض للقصف العنيف والمتواصل منذ 22 يوما، وتلبية لتلك النداءات خرج المتظاهرون تحت شعار «سننتفض من أجلك يا بابا عمرو» وتوعد الدمشقيون أمس نظام الأسد بأن يغيروا اسم بلدة القرداحة في ريف اللاذقية مسقط رأس الرئيس حافظ الأسد ومعقل الشبيحة وأزلام النظام إلى اسم «ماما عمرو» وكتبوا على لافتة رفعت في حي الميدان «نعدك يا أسد سنحول القرداحة إلى ماما عمرو».

وبينما كان وسط العاصمة دمشق يربض تحت وطأة أمنية ثقيلة يوم أمس، انتفضت أطرافها الساخنة، وخرجت مظاهرات في أحياء الميدان وكفرسوسة والقدم والعسالي والحجر الأسود والمزة وبرزة وركن الدين. وشهدت غالبيتها إطلاق رصاص تبعه ملاحقات وحملات اعتقال عشوائية.

وقال ناشطون إن مظاهرة عارمة وغاضبة خرجت من جامع خيرو ياسين في حي الميدان، على بعد أمتار من مقر فرع الأمن الجنائي بباب مصلى، كما خرجت مظاهرات من عدة جوامع أخرى في حي الميدان التي قامت قوات الأمن والشبيحة بمهاجمتها بإطلاق النار والقنابل المسيلة للدموع. وفي حي القدم تم محاصرة جامع القدم وجامع الحسن البصري والأخرس وشنت حملة اعتقالات عشوائية بأعداد كبيرة ترافقت مع إطلاق رصاص حي لتفريق المصلين لدى خروجهم من الجامع. وفي حي القابون اقتحمت قوات الأمن الشوارع مع نشر أعداد كثيفة للشبيحة بعد مظاهرة خرجت قبل صلاة الظهر نصرة لبابا عمرو وتم محاصرة عدة مساجد.

وفي حي المزة خرجت مظاهرات بعد الصلاة من مساجد المهايني والمزة الكبير والفاروق وتمت مهاجمة المتظاهرين وإطلاق نار لتفريقهم مع حملة اعتقالات. ولوحظ يوم أمس نشر عدد كثيف للأمن والشبيحة في حي المزة بساتين وفي الشيخ سعد.

وقال ناشطون إن قوات من المخابرات الجوية اقتحمت جامع أبو بكر الصديق في كفرسوسة وحاولت اعتقال خطيب الجامع هاني شبقجي بعد صلاة الجمعة مباشرة وذلك بسبب خطبته التي دعت إلى مناهضة النظام، وتمكن الخطيب بمساعدة أهالي الحي من الهرب من الباب الخلفي للجامع فتم اعتقال إمام المسجد الشيخ حسان عاتكة بدلا عنه وتم الاعتداء عليه بالضرب، وسمع إطلاق رصاص من قبل عناصر المخابرات الجوية في حارة الصوص المحاذية لجامع أبو بكر الصديق. وفي حي ركن الدين تم إغلاق جميع الطرقات المؤدية إلى منطقة وانلي ثالث مع نشر لقوات الأمن هناك.

وفي ريف دمشق خرجت مظاهرات في حرستا وعربين وسقبا وببيلا وعين ترما ودوما والهامة وقدسيا وكفر بطنا والسيدة زينب وزاكية وعين الفيجة والرحيبة. وقال ناشطون إن مدينة حرستا والواقعة تحت حصار خانق منذ نحو شهر مع قطع للاتصالات ونصب حواجز في كل شارع، أتت يوم أمس مدرعات إلى المدينة مع بدء صلاة الجمعة مع تعزيزات عسكرية كثيفة ونصب رشاشات في عدة أحياء لكن ذلك لم يمنع خروج مظاهرة هناك والتي تبعها شن حملة مداهمات واعتقالات واسعة، وفي مدينة كفر بطنا جرت أيضا حملة اعتقالات ومداهمات مدعومة بالمدرعات والعديد من الآليات، وذلك قبل إقامة صلاة الجمعة لمنع خروج مظاهرات هناك، إلا أن مظاهرة خرجت وانتصرت لبابا عمرو.

وفي مدينة دوما مركز محافظة ريف دمشق خرجت مظاهرة حاشدة من جامع التوحيد رغم الحصار وانتشار القناصة هناك، وسمعت هناك أصوات إطلاق نار من أسلحة ثقيلة رشاشات أو شيلكا في منطقة مسرابا القريبة من دوما. وفي بلدة عربين قام الجنود على الحواجز باحتجاز البطاقات الشخصية للأهالي، وطلبت منهم مراجعة البلدية لأخذها يوم الأحد القادم الذي يتزامن مع موعد الاستفتاء على الدستور بحسب ما قاله ناشطون هناك.

وقتل أمس نحو 100 قتيل وجرح العشرات، وفق ما أعلنته «الهيئة العامة للثورة السورية» في محصلة أولية عصر أمس.

وكان استمر أمس القصف العنيف بالأسلحة الثقيلة على حي الإنشاءات في حمص، وجالت المدرعات في الحي، الذي يشهد كارثة إنسانية لعدم تمكن الأهالي من إسعاف الجرحى بسبب القصف المتواصل ونقص المواد الطبية ومستلزمات الإسعاف وانقطاع الاتصالات والكهرباء والمياه، في وقت قامت فيه عناصر الأمن و«الشبيحة» بنهب المحال التجارية والمنازل.

ولقي شخصان على الأقل حتفهما، إضافة إلى عشرات الجرحى، إثر قصف جيش النظام الموجود في منطقة النزهة لحي باب السباع بالهاون وإطلاق النار كثيف بشكل عشوائي من أسلحة ثقيلة. وقالت «لجان التنسيق المحلية» إن «حاجز القلعة الأمني أطلق قذائف من (آر بي جي) على الصفصافة وباب هود في حمص القديمة»، فيما شهدت منطقة الحميدية انتشارا أمنيا كثيفا على وقع انفجارات وإطلاق نار كثيف.

وفي وقت لاحق أمس، دخل مسعفون من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري إلى حي بابا عمرو في حمص لإجلاء ضحايا القصف ومن بينهم صحافيان غربيان جريحان إضافة إلى جثماني صحافيين غربيين.

وقال المتحدث باسم الصليب الأحمر في دمشق صالح دباكة لوكالة الصحافة الفرنسية إن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري دخلا إلى بابا عمرو لإجلاء كل من يحتاجون إلى مساعدة عاجلة بأسرع وقت».

وأوضح أن من بين الذين سيتم إجلاؤهم المصور البريطاني بول كونروي والصحافية الفرنسية اديت بوفييه اللذان أصيبا إضافة إلى جثماني الصحافية الأميركية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك اللذين قتلا في القصف على بابا عمرو الأربعاء.

وفي حماه، أكدت «لجان التنسيق المحلية» أن «قوات النظام ارتكبت مجزرة جديدة بحق المدنيين العزل، حيث تم وصول 18 جثة مجهولة الهوية إلى بلدة خطاب، وتم التعرف على عائلة منهم بأكملها من بلدة حلفايا، تمت تصفيتهم أثناء وجودهم في مزرعة عين جاري التي يعملون بها، وهم المزارع طارق اللوز وزوجته وأولاده الثلاثة (بيان - 13 عاما، ويوسف - 7 أعوام وطفل رضيع يبلغ عشرة أيام)». وأفادت أنه «تم دفنهم في خطاب بسبب تعذر الوصول إلى حلفايا، التي قتل فيها الطفل محمد عبد الرزاق حنوف (12 عاما) وشهدت حركة نزوح واسعة، إثر القصف العنيف الذي تعرضت له البلدة، علما أن بقية الجثث دُفنت دون إمكانية التعرف على هوية أصحابها».

واستهدف قصف مدفعي عنيف بلدة كفرالطون، وأسفر عنه سقوط عدد من القتلى والجرحى، عدا عن تهدم بعض المنازل، وعرف من القتلى وفق لجان التنسيق المحلية، أربعة أشخاص من عائلة واحدة.

وتعرضت مدينة إدلب لقصف عنيف أمس، حيث انطلقت مظاهرة من مسجد الروضة بعد صلاة الجمعة تضامنا مع بابا عمرو، وقد رفع المشاركون فيها إعلام «الاستقلال». وأفاد ناشطون عن انشقاق ملازم أول من الأمن العسكري وانضمامه للمتظاهرين، الذين أطلقت قوات الأمن عليهم لتفريقهم. وفي سلقين، حطم متظاهرون تمثالا للرئيس الراحل حافظ الأسد، مما دفع قوات الأمن إلى الرد بإطلاق الرصاص عليهم لتفريقهم.

وفي حلب، أطلقت قوات الأمن السورية الرصاص والغازات المسيلة للدموع لتفريق متظاهرين في أحياء الفردوس والكلاسة والسكري والمشهد. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى سقوط ثلاثة قتلى من المتظاهرين برصاص الأمن وعدد من الجرحى. وفي مسكنة، نفذ الأهالي اعتصاما أمام فرع الأمن العسكري، مطالبين بالإفراج عن المعتقلين. وأكد ناشطون أن «عددا من الأشخاص لقوا حتفهم داخل منازلهم بعد احتراقها، خلال اقتحام الجيش النظامي لبلدات أبديتا وبلشون وبيلين في محافظة حلب».

وفي ريف حلب، انطلقت مظاهرة حاشدة في جرابلس، الواقعة على الحدود السورية التركية، كما خرجت مظاهرات في بلدات ارشاف وحيان وابين سمعان وتل رفعت والقرى المجاورة لها.