وفاة شديد ومقتل صحافيين آخرين يضعان وسائل الإعلام في اختبار أمام إرسال أفضل المراسلين إلى سوريا

الشبكات الإخبارية تفضل تسلل مراسليها للحصول على أفضل تغطية بعيدا عن «مساعدة» السلطات

صحافيون أتراك أمام السفارة السورية في أنقرة أمس ينددون بمقتل عدد من زملائهم الغربيين في سوريا (أ.ب)
TT

كان هناك تطابق مأساوي مع الرسائل الأخيرة لماري كولفين، مراسلة صحيفة «صنداي تايمز» اللندنية التي لقيت مصرعها عشية الثلاثاء أثناء تغطيتها الأحداث في مدينة حمص السورية. في حوار على الهواء مباشرة مع أندرسون كوبر المذيع بمحطة «سي إن إن»، روت كولفين قصة طفل سوري عمره عامان لقي مصرعه بعد قصف منزله.

في تلك الليلة، لقي كل من كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك المصير نفسه. وبالنظر إلى هذين الحادثين، جنبا إلى جنب مع وفاة مراسل «نيويورك تايمز»، أنتوني شديد، الذي أصيب بأزمة ربو مميتة الأسبوع الماضي بعد قضائه فترة في سوريا لتغطية الأحداث هناك، يبدو أن هذا التحول في الأحداث يضع وسائل الإعلام في موقف لا تحسد عليه مطلقًا، ألا وهو الاختيار ما بين إرسال المراسلين إلى مناطق الحروب التي يكونون معرضين فيها لمستوى مخاطر يستحيل تحمله أو البقاء على بعد ومحاولة جمع الأخبار بشكل غير مباشر.

«بقدر مأساوية حادثي وفاة ماري كولفين وريمي أوشليك، كنا في هذا النوع من المحادثات العسيرة في غرفة الأخبار هذه على مدار أشهر»، يقول توم ناغورسكي، مدير تحرير الأخبار الدولية. ويقول إن أحد العناصر المهمة التي يجب وضعها في الحسبان هو اكتشاف ما سنقدمه للمشاهدين بدخولنا سوريا. «نحن حريصون كل الحرص على تقييم الفائدة التي ستعود على التغطية الإخبارية بقولنا إننا داخل سوريا»، يقول ناغورسكي. ويضيف: «يجرى تقييم جديد كل صباح وكل ليلة تقريبا».

وفي ديسمبر (كانون الأول)، قامت باربرا والترز، المذيعة بمحطة «إيه بي سي» بسبق إعلامي من خلال إجراء مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وقامت الشبكة ببعض التغطيات في موقع الأحداث بعد إجراء المقابلة. لكن، مثلما يشير ناغورسكي، كانت المهمة «معقدة». ومع أن الأسد قد أكد لأفراد فريق عمل محطة «إيه بي سي» أن بإمكانهم أن يجوبوا أنحاء الدولة، فإن الصحافيين واجهوا واقعًا مختلفًا لدى دخولهم الأراضي السورية.

وبحسب رسالة رسمية من محطة «إيه بي سي نيوز»: «اكتشفنا أنه لن يمنع فريق عملنا من السفر إلى داعل فحسب، وإنما سترافق سيارتنا ثماني سيارات أخرى بداخلها رجال شرطة بعضهم يرتدي زيًا رسميًا وبعضهم الآخر يرتدي ملابس عادية، إضافة إلى أفراد من وسائل الإعلام الحكومية السورية، ممن استمروا في التقاط صور لنا على مدار اليوم».

وهذا تفسير موجز لسبب سعي الشبكات الإخبارية للتسلل إلى داخل سوريا، لأنه يعتبر وسيلة أفضل لتغطية أحداث الانتفاضة التي اندلعت منذ نحو عام مضى، من دون «مساعدة» من قبل مسؤولين رسميين سوريين. ولهذا، سلك شديد طريقا محفوفا بالمخاطر على الحدود السورية التركية لدخول سوريا والخروج منها؛ ولذلك أيضا خاضت كلاريسا وورد الصحافية بمحطة «سي بي إس» في الوحل وتحملت مخاطر جساما من أجل الوصول إلى المعلومات السرية - كذلك، ذهبت من دون حراسة مرتين وأتت بأخبار مثيرة عن العنف والخسائر في الأرواح والفوضى التي تعم الشوارع.

ويشير ديفيد رودس، رئيس «سي بي إس نيوز» إلى مهام وورد الصحافية من دون مصاحبة القوات السورية بالجهود «أحادية الجانب». وعلى الرغم من المكافآت، فإن الإجراءات أحادية الجانب بمحطة «سي بي إس» في طريقها للتوقف، على الأقل إزاء سوريا. وأضاف: «وصل بنا الحال إلى حد الاعتقاد بأن الموقف في سوريا محفوف بالمخاطر بدرجة هائلة تجعلنا لن نستطيع المجازفة بالذهاب إلى هناك بمفردنا»، يقول رودس. ويضيف: «نحن في حالة تقييم دائم للموقف ويمكن أن يتغير هذا الوضع».

وفي مقال نشر بصحيفة «نيو يوركر» يوم الأربعاء، تساءل ديفيد ريمنيك عما إذا كان الهجوم دليلا على أن النظام قد أخذ على عاتقه مهمة استهداف وسائل الإعلام الإخبارية. يقول رودس: «هذا احتمال يجب أن ندرسه جميعًا بدقة شديدة». يجري بحث من هذا النوع بغرف الأخبار الأميركية. ويشير دوغلاس جيل، الذي يدير التغطيات الخارجية بصحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن الصحيفة ليس لديها الآن مراسلون في سوريا. ومع أن صحيفة «واشنطن بوست»، قد قامت بعدة جولات داخل سوريا خلال العام الماضي، يقول جيل: «إن طبيعة الصراع وإمكانية الدخول المقيدة جدًا التي تسمح بها الحكومة السورية قد جعلتا من تغطية وقائع النزاع مهمة عسيرة شديدة الخطورة بالنسبة للمؤسسات الإخبارية».

ويضيف جيل: «ما زلنا نسعى لدخول سوريا وسعينا للحصول على تصريح من الحكومة السورية بإرسال مراسل إلى دمشق لتغطية الاستفتاء المزمع إجراؤه نهاية هذا الأسبوع».

وأشار متحدث باسم محطة «سي إن إن» إلى أن الشبكة ليس لديها أي صحافيين داخل سوريا: غادر سوريا فريقا عمل هذا الأسبوع. وأبقت محطة «إيه بي سي» المراسل ألكسندر ماركوارت على حدود سوريا مع تركيا.

وتشير قلة المراسلين داخل سوريا إلى حقيقة أنه سيكون من الصعب التوصل إلى معلومات من روايات غير مباشرة عن الأحداث هناك. ويقول بيتر غيلينغ، أحد كبار المحررين في صحيفة «غلوبال بوست»: «لقد أصبح من الصعب جدًا، إن لم يكن من المستحيل، بالنسبة لمراسل أجنبي أن يبقى داخل سوريا - وهي حقيقة تجعل نقل الخبر بصورة أكثر دقة مهمة عسيرة للغاية». لم يعد متبقيا في سوريا سوى «عدد محدود» من المراسلين، مثلما يضيف غيلينغ، وحتى هؤلاء يبقون لفترات قصيرة.

وبالتبعية، سوف تقدم لمتابعي الأخبار مقاطع فيديو غير متقنة تعرض لحالة الاهتياج التي تجتاح الشوارع - تلك الأجزاء المتقطعة المشوشة التي تظهر على موقع «يوتيوب» وغيره من مواقع الإنترنت الأخرى. وتمثل تنقية تلك المواد لإعادة بثها تحديًا مستقلا بذاته تمامًا بالنسبة للشبكات. وتقول باريسا خسروي، نائب رئيس تجميع الأخبار الدولية بمحطة «سي إن إن»، إن الشبكة لديها «نظام توثيق شامل.. يضم خبراء وفريق عمل من المنطقة وداخلها يقوم بمشاهدة المحتوى. ومن خلال مهاراتهم اللغوية وإلمامهم بالمنطقة واتصالاتهم، يقومون بمراجعة المادة الإخبارية. وبمجرد مرور المحتوى عبر نظامنا التوثيقي والتصديق على بثه، نتبع مبدأ الشفافية مع جمهورنا بقولنا إن المادة ليست محتوى خاصا بمحطة (سي إن إن) وإنه ليس بإمكاننا إثبات صحته نظرًا لأن فريق عملنا لم يكن هو من قام بجمع المادة».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»