الأسد يجري الاستفتاء على الدستور بروح التحدي.. وسط مقاطعة شعبية واسعة له

ناشطون: أي استفتاء ندعى إليه ونحن عاجزون عن دفن الضحايا؟

الرئيس السوري بشار الأسد وحرمه أسماء أثناء إدلائهما بصوتيهما أمس في الاستفتاء (سانا)
TT

عبرت السلطات السورية، أمس، عن رضاها عن سير عمليات التصويت والإقبال الشعبي على الاستفتاء على مشروع دستور البلاد الجديد، الذي يلغي الدور القيادي لـ«حزب البعث» القائم منذ 50 عاما، عبر المادة الثامنة من الدستور الحالي، التي حلت مكانها فقرة تنص على «التعددية السياسية». في حين دعت المعارضة إلى مقاطعة الاستفتاء معتبرة ألا شرعية له.

وبث التلفزيون السوري لقطات مصورة تبين دخول الرئيس السوري بشار الأسد وحرمه أسماء إلى مركز للاقتراع في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين في وسط العاصمة، وهما يحييان الجموع. وأظهرت الصور الأسد مبتسما إلى جانب زوجته التي ارتدت زيا أسود اللون ولوحت بيدها أكثر من مرة للمتجمعين، الذين كانوا يتدافعون من حولهما ويهتفون: «الله، سوريا، بشار وبس».. قبل أن يدخل الزوجان وراء الستار سويا، ثم خرجا باسمين، وأسقطا ورقتيهما في الصندوق.

وقال الأسد عقب الإدلاء بصوته: «إن الهجمة علينا إعلامية، الإعلام مهم، لكنه لا يتفوق على الواقع». وأضاف: «قد يكونون أقوى في الفضاء، لكننا على الأرض أقوى، ومع ذلك فنحن سنربح الأرض والفضاء»، في إشارة إلى الهجمة الإعلامية التي تطلقها بعض القنوات الفضائية التي تتهمها السلطات بالتحريض على سوريا.

من جهته، اعتبر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أن «مشروع الدستور الجديد سينقل سوريا إلى مرحلة جديدة»، مشيرا في حديث إلى الصحافيين خلال الإدلاء بصوته على المشروع في مبنى وزارة الخارجية، إلى أن «هذا يوم تاريخي في حياة الشعب السوري الذي يراهن على صموده وتماسكه». ورأى أن «الشعب السوري استحق هذا الدستور الذي ينقل سوريا من خلاله إلى مرحلة التعددية السياسية وإلى مرحلة الديمقراطية». وقال: «سوريا تخرج بالدستور أقوى بكثير مما كان». وإذ رفض التعليق على انتقادات المعارضة السورية لمشروع الدستور، اعتبر أن «المعارضة ليست على صلة بمصالح الشعب السوري، وهذا الإقبال من قبل المواطنين مؤشر على وعي تام بمصالحه وأهدافه». وردا على سؤال عن تدخل الدول الغربية في الشؤون السورية، قال المعلم: «عليهم أن يعالجوا همومهم الداخلية وأن يتركوا سوريا؛ لأن من يريد مصلحة الشعب السوري لا يفرض عليه عقوبات».

كانت مراكز الاقتراع قد فتحت أبوابها في السابعة صباحا أمام أكثر من 14 مليون سوري تجاوزت أعمارهم الـ18 عاما، سبق للنظام أن دعاهم إلى الإدلاء بأصواتهم بـ«نعم أو لا» لمشروع الدستور الجديد. وواظب التلفزيون السوري الرسمي طوال يوم أمس على بث صور من محافظات مختلفة حول سير عملية الاقتراع. وقال مواطن لمراسلة التلفزيون في أحد مراكز مدينة اللاذقية الساحلية: «إن الاستفتاء رسالة إلى العالم ليأخذ الديمقراطية من سوريا». وأكد التلفزيون الرسمي أن «عمليات الاستفتاء تتواصل بزخم في جميع المراكز على امتداد الوطن». ولفت مراسل التلفزيون في العاصمة دمشق إلى أن «مواطنين كانوا ينتظرون أمام مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم قبل السابعة، والإقبال كبير». وداخل أحد مراكز محافظة حلب، قال أحد المقترعين للتلفزيون: «أنصح كل مواطن بالتصويت على الدستور؛ لأنه مستقبل سوريا، ولأنه يعطي حقوقا لكل الناس». وبينما أكد وزير الداخلية اللواء محمد الشعار أن عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد تسير بشكل طبيعي في معظم المحافظات وأن «المراكز تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين باستثناء بعض المناطق»، قال ناشطون إن معظم الذين شاركوا بالاستفتاء هم من الموظفين في الدوائر والمؤسسات التي وُضعت فيها صناديق الاستفتاء، وذلك وسط مقاطعة شعبية للاستفتاء؛ حيث بدت الحركة ضعيفة جدا في معظم شوارع العاصمة دمشق وكأنه يوم عطلة، باستثناء ساحة السبع بحرات التي تم فيها تنظيم مسيرة مؤيدة للنظام وداعمة للدستور، بينما قام شباب من الناشطين بنثر مئات الآلاف من القصاصات الورقية المتضمنة عبارات ثورية ودعوات لمقاطعة الاستفتاء في أحياء المزة الشرقية والميدان والمزرعة والقدم والحجر والأسود والمهاجرين - قرب القصر الجمهوري.

وقال ناشطون: إن عدة مدارس في حي المهاجرين نفذت عصيانا مدنيا رفضا للدستور، وتم تصميغ أقفال بعض مراكز الاستفتاء بمدارس ابن تيمية وعدنان صباغ وخولة كندية، وقد مُلئت جدران تلك المدارس بعبارات الحرية وإسقاط النظام ودستوره.

وفي حي الميدان، قام شباب بقطع أحد أكبر شوارع الحي، مما استدعى حضورا أمنيا كثيفا للمنطقة، كما قام ناشطون بتشويه صور الرئيس في عدة أحياء من المدينة، في ساحة الميسات قرب أحد أكبر المقرات الأمنية في دمشق.

وردت المعارضة السورية على هذا الاستفتاء بإعلانها رفض نتائجه أيا ما كانت، وأكد عضو المجلس الوطني السوري، أديب الشيشكلي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «نظام بشار الأسد فقد شرعيته، وفاقد الشيء لا يعطيه». وقال: «الإصلاح لا يحصل عبر تغيير الدستور، بل يبدأ بوقف القتل والقمع وارتكاب المجازر، والسماح للمؤسسات الإنسانية وجمعيات حقوق الإنسان الدولية بدخول المناطق المنكوبة وإنقاذ الجرحى، وإدخال المساعدات الطبية والغذائية». وسأل: «كيف تشكلت الجمعية الدستورية؟ أليس من عدَّل الدستور في العام 2000 (من أجل تمكين بشار الأسد للترشح للرئاسة) قادرا على أن يعدله كل يوم وفق مصلحته؟ وكيف يمكن لأهل حمص أو حماه أو درعا وغيرهم أن يصوتوا على هذا الدستور وكأنهم في دولة متحضرة جدا؟». ورأى الشيشكلي أن «ما يحصل هو مهزلة مضحكة، وعلى العالم والمجتمع الدولي أن يتحركوا لمساعدة الشعب السوري للتخلص من هذا النظام بشكل نهائي».

أما الناشطون في تنسيقيات الثورة السورية في مدينة حمص، فسألوا: «أي استفتاء يُجريه النظام على دماء الأطفال والنساء وعلى وقع أنين الجرحى والمرضى الذين يحرمهم حتى من العلاج، ويمنع الأدوية عنهم؟». وأكد هؤلاء الناشطون لـ«الشرق الأوسط» أن «الناس في حمص والقصير ودرعا وإدلب وحماه وفي ريف دمشق عاجزون عن انتشال جثث شهدائهم ودفنها وليس بوسعهم إسعاف الجرحى، وهم يسعون وراء رغيف الخبر لتأمينه لأطفالهم». وقالوا: «لا أحد يتوجه إلى صناديق الاستفتاء إلا الجمهور المواظب على مشاهدة قناة «الدنيا» (السورية الموالية للنظام) وبعض المنظرين لهذا الدستور». وشددوا على أنه «لا وجود لصناديق الاستفتاء في حمص وكل المناطق الساخنة، إلا في بعض الأحياء الخارجية الموالية للأسد، التي يتجمهر أمامها أرتال من عناصر المخابرات لتصويرهم على أنهم مدنيون مقبلون بشغف على الاستفتاء». وذكر الناشطون أن «معظم موظفي الدولة ينفذون عصيانا مدنيا، فكيف يمكن إجراء استفتاء كهذا على مساحة الوطن من دونهم؟».