سوريون في الأردن.. وذكريات الهروب من الجحيم

تجهيز مخيم انتظارا للمساعدة الدولية.. وتصريحات حول وصول 73 ألفا

لاجئون سوريون في عمان يهتفون في مظاهرة أمام السفارة السورية ضد الرئيس بشار الأسد (رويترز)
TT

على الرغم من غياب إحصاءات رسمية حول عدد اللاجئين السوريين الذين نجحوا في الفرار إلى الأردن، فإن آخر التصريحات الرسمية الأردنية أفادت بأن عددهم وصل إلى نحو 73 ألف لاجئ، وسط تنبؤات بارتفاع تلك الأعداد مع ارتفاع وتيرة أعمال العنف في مناطق عدة بسوريا.

ومع أنهم نجحوا في النجاة بأرواحهم من «بطش قوات الجيش والأمن والشبيحة»، كما يقولون، فما زال هؤلاء اللاجئون، الذين اضطروا للفرار فرادى وجماعات، يعيشون على وقع صدمات نفسية خلفتها أعمال العنف التي عايشوها، وحالة الخوف التي تلازمهم بسبب الغموض الذي يكتنف مستقبلهم، دون أن يفقدهم ذلك كله الأمل في العودة إلى ديارهم يوما ما.

وبينما صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية وزير الإعلام، ركان المجالي، بأن عدد الوافدين من سوريا بلغ 73 ألفا منذ أيام قلائل، مشيرا إلى أن نحو 2000 من بينهم تقدموا بطلبات للحصول على مساعدات، تشير الإحصاءات الرسمية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أن بينهم أطفالا ونساء وعجزة وشبابا مصابين بجروح، تمكنوا من اجتياز المنافذ الحدودية بطرق غير شرعية، وهم غير مسجلين لدى مكتب المفوضية بالأردن.

ويتمركز العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في منطقتي المفرق والرمثا المحاذيتين للحدود السورية؛ حيث استأجر الميسورون منهم بيوتا آووا إليها أُسرهم، بينما فضل آخرون الإقامة عند أقاربهم، في حين تكفلت جمعيات المجتمع المدني بأكثرهم عوزا، علما بأنهم يوجدون أيضا في مدن أخرى كجرش والسلط والعاصمة عمان، التي تحتضن سوريين ممن فروا إليها عام 1982 من مجازر حماه، وهؤلاء غالبيتهم من «الإخوان المسلمين».

ويقول مدير جمعية المركز الإسلامي في الرمثا، عبد المنعم الخطيب: إن معاناة الأسر السورية التي لجأت إلى الأردن تمثل معضلة حقيقية؛ حيث تواجه ظروفا صعبة ومعقدة، بعيدا عن ديارها ومحرومة من مصادر رزقها، مما أدى إلى تفاقم أوضاعها الإنسانية، خاصة في ظل غياب مساعدات فعلية من المجتمع الدولي. وأشار إلى أنه يوجد في الرمثا 3 جمعيات، هي: المركز الإسلامي، والتكافل، وأهل الكتاب والسنة، وهذه الجمعيات تقوم بتوزيع المساعدات التي تأتي من محسنين من الأردن ودول الخليج، والتي تتضمن مساعدات نقدية وأغطية ومدافئ ولوازم معيشية، خاصة أن هؤلاء قدموا إلى الأردن من دون أي شيء، موضحا أن هذه الجمعيات تقدم مساعدات لنحو 4 آلاف نسمة، وكذلك قامت السلطات بقبول الطلبة في المدارس الحكومية وإعفاء هؤلاء من الرسوم المدرسية.

ويروي عدد من هؤلاء اللاجئين قصصا مؤلمة عن طريقة فرارهم إلى الأردن، غالبا تحت جنح الظلام، متحدين الحراسة المشددة على الحدود، وكذلك الألغام المزروعة بها، وحتى إن اختلفت قصصهم، فإن قاسمها المشترك كان هو الفرار من أعمال «القمع والبطش».

ويقول شاب في العشرينات، يدعى الزغبي، إن والده اضطر لتهريبه إلى الرمثا خشية تعرضه للاعتقال فور مغادرته مستشفى درعا؛ حيث تلقى العلاج من إصابة برصاصة تعرض لها أثناء مشاركته في «مظاهرة سلمية للمطالبة بالحرية»، مضيفا أنه لا يتطلع إلا إلى «الإقامة بمنطقة عازلة» للعودة إلى سوريا للدفاع عن أهله «لكن هذه المرة يكون حاملا للسلاح، شأنه في ذلك شأن آلاف الشباب اللاجئين».

كما يروي نشطاء في جمعية «شبان وشابات المفرق» واحدة من أكثر قصص هؤلاء اللاجئين تأثيرا، وهي قصة شاب سوري بُترت إحدى ساقيه، غير أنه تمكن من أن يوصل عائلته إلى الأردن، ثم أصر على العودة إلى حمص لمساعدة أشقائه، غير آبه بما قد يلحقه من أذى.

ويقول وليد سامي، الذي كان يقوم بتصوير ما يرتكبه الجيش والأمن السوريان من مجازر وينقلها لوسائل الإعلام ومنها الفضائيات، إن أحد القناصة أطلق النار على يده مما أدى إلى بتر أصابعه. بيد أنه لاذ بالفرار، على الرغم من ملاحقته.. بينما يستذكر شاب آخر الأيام التي عاشها مع رفاقه في الحقول هربا من المطاردات، قائلا: «إن الملاحَقين يموتون من شدة البرد ونقص الطعام».

وتتوقع السلطات الأردنية تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى أراضيها؛ حيث بادرت إلى إقامة مخيم في منطقة رباع السرحان شمال المفرق، على بعد نحو 10 كيلومترات من الحدود السورية، الذي تم تسريع وتيرة العمل فيه مؤخرا ليتسع لنحو 500 عائلة. وبعد أن ظل الغموض يلف طيلة أشهر حقيقة وجود المخيم من عدمه، جاء إعلان «الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية» عن افتتاحه رسميا نهاية الأسبوع الحالي، ليبدد الشكوك حوله؛ حيث أكدت الهيئة أنه تم استكمال أعمال البنية التحتية فيه، وأنه سيؤوي «العائلات التي من المفترض أن تنزح من سوريا خلال الفترة المقبلة، جرَّاء تصاعد أعمال العنف». وتقول مصادر أردنية: إن إمام المسجد العمري في مدينة درعا، الشيخ أحمد الصياصنة، دخل في ضيافة الحكومة الأردنية، وتم إسكانه في منزل خاص ضمن معسكرات الحسين للشباب، القريبة من مدينة السلط الأردنية.

كان الشيخ (الضرير) قد وصل إلى مدينة الرمثا عن طريق الحدود عبر منطقة تل شهاب، بعد أن عثرت عليه دورية من الجيش الأردني، وساعدته قبل أن تنقله إلى الجهات المختصة. وتسعى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى توفير دعم دولي للحكومة الأردنية لتمكينها من استضافة أعداد أكبر من اللاجئين السوريين، في حال ازداد تدفقهم إلى الأراضي الأردنية.

وقال مصدر في المفوضية: إن الدعم الذي يتلقاه اللاجئون حاليا هو دعم مشترك بين المفوضية والحكومة الأردنية، مشيرا إلى أنه في حال أصبحت أعداد اللاجئين كبيرة جدا، بحيث لا تستطيع المدارس والمستشفيات الأردنية استيعابهم، فإنه يصعب حينها على الدولة أن تتحمل الأمر وحدها.