الانتخابات الإيرانية على الأبواب.. والسلطات والطبقة الوسطى كل في كوكب مختلف

الحكومة تعتبر المشاركة في الاقتراع «لطمة قوية» للأعداء.. لكن التوقعات تشير إلى بقاء الكادحين في منازلهم

إيراني يوزع دعاية انتخابية لمرشحة في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها يوم الجمعة القادم وسط طهران أمس (إ.ب.أ)
TT

بعد مضي أكثر من عامين على الاحتجاجات المعارضة للحكومة بشأن الانتخابات المثيرة للجدل، التي أظهرت وجود فجوة بين قادة إيران والطبقة الوسطى من سكان المدن، تلوح في الأفق احتمالات تجدد الصدامات بين الفريقين خلال التصويت المرتقب لانتخاب برلمان جديد.

ولا يرجح المحللون السياسيون أن يلجأ خصوم الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى التظاهر هذه المرة، بل ربما لا يشاركون في التصويت أيضا حتى يفوتوا على قادة إيران نسبة الإقبال على التصويت التي يريدونها لإضفاء الشرعية على وجودهم في السلطة.

وبعد قمع الاحتجاجات التي اندلعت سنة 2009، حين أعلن أحمدي نجاد فوزه بأغلبية ساحقة في الانتخابات، تجاهلت الحكومة الأصوات التي تطالب بمساحة أكبر من الحرية، وصورت المعارضة ذات القاعدة الجماهيرية العريضة على أنها زمرة من المشاغبين المضللين.

وبالتالي، فإن الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 2 مارس (آذار) المقبل تبرز حالة الانفصال بين القيادة الإيرانية وطبقة الكادحين في المدن، من سائقي الحافلات إلى رجال القانون، الذين يشكلون الطبقة الوسطى الحديثة والمثقفة في الجمهورية الإسلامية.

وترى الحكومة أن المشاركة القوية في الانتخابات ستكون «لطمة قوية» لأعداء إيران الخارجيين، كما يقول إعلام الدولة، وتأكيدا جديدا على شرعية القيادة بعد 33 عاما من الحكم الإسلامي.

ولكن بعد سنوات من الإحباط في سعيهم لمزيد من الحريات الشخصية وعلاقات أفضل مع الغرب والالتزام بسيادة القانون، يتوقع أن يبقى كثيرون من أبناء الطبقة الوسطى المهملة في منازلهم.

وبالنسبة للطبقة الوسطى الإيرانية، فقد اجتمع الـ«فيس بوك» والقنوات الفضائية والأحزاب السرية، وكلها أشياء محظورة في إيران، مع السفر إلى الخارج بين الحين والآخر ليخلقوا معا واقعا منفصلا يتم فيه تجاهل آيديولوجية الدولة قدر الإمكان، ولا تصنع فيه الانتخابات أي فارق على الإطلاق.

يقول أمير (28 عاما)، بائع ساعات رفض ذكر اسمه بالكامل خوفا من العقاب: «في عالمنا نحن، فقدت العملة قيمتها وفرضت عقوبات على نفطنا وصرنا ضعفاء وأصبحنا نشعر بالعار. أما في عالمهم هم، فالبلاد قوية والاقتصاد ينتعش وينتظرهم مستقبل مجيد. كل منا يعيش في كوكب مختلف».

ويضيف: «لقد أثبت الماضي أن التصويت لن يغير من الأمر شيئا».

وفي العالم المقابل حيث توجد القيادة، لا تتوقف ست قنوات تلفزيونية رسمية عن ترديد أنباء عن الأمل والإنجازات والمستقبل المشرق، ومحاولة إقناع المشاهدين بأن إيران لديها أسرع معدل للنمو العلمي في العالم بفضل «نموذج التنمية الإسلامي الذي تتبعه إيران»، وبث برامج وثائقية تبين القادة الأميركيين، وهم يصافحون الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم غربي قبل أن تسقطه ثورة 1979 ويموت في منفاه سنة 1980، من أجل توعية ملايين الشباب الذين ولدوا بعد سقوط حكمه الاستبدادي.

وتجري البرامج الإخبارية حوارات مع وزراء يتحدثون عن معدلات النمو الرائعة والإنجازات الهائلة التي تحققت في مجال البنية التحتية من جسور وسدود وأنابيب غاز وكهرباء تصل إلى القرى النائية، ليسهم كل هذا في تعزيز ثقة الشعب بنفسه، كما يسميها التلفزيون الحكومي.

وفي الخطب التي تبث على الهواء مباشرة، يرحب كبار القادة الإيرانيين بالعقوبات الدولية ضد إيران، على اعتبار أنها تحرر من الاعتماد على التكنولوجيا الغربية، ويزعمون أن هذه العقوبات التي فرضت على برنامج التخصيب النووي الإيراني نعمة إلهية خفية، لأنها فجرت المواهب والإيمان بالقدرات الذاتية لدى «حشود» الشباب الإيراني الذي نهض ليملأ مكان بعض مؤيدي الثورة الأصليين، الذين «لم يتمكنوا من مواصلة المسيرة».

وفي تصريحاته الأخيرة، التي شجب فيها العقوبات الغربية، قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي: «لقد أغلقوا أبواب العلم والتكنولوجيا أمامنا. سدوا علينا كل السبل. رفضوا أن يبيعونا ما نحتاجه من السلع، ومع ذلك، حققنا التقدم.. كل هذا تم، وهذه العقوبات مسلطة علينا، وهذا ما يملأ نفوسنا بالأمل».

وفي خطابه الذي ألقاه في ذكرى الثورة الإسلامية، قال خامنئي إنه حزين لأن ما حققته طهران من إنجازات لم يقدم بصورة أفضل أمام الشعب، من أجل «إسعاده».

ومع أن الكثيرين في إيران يفتخرون بالإنجازات التي حققتها بلادهم، فهم يقولون إن حالة التضخم والعقوبات والمخاوف من هجوم أميركي إسرائيلي تلقي بظلال كثيرة على المستقبل، وتثير القلق حول مدى كفاءة قادتهم.

يقول علي، مدرس بالثانوي: «قراراتهم تؤثر تأثيرا مباشرا في حياتي. ينبغي إدارة البلاد بطريقة تجعل الناس قادرين على تخطيط حياتهم».

وبلغ من انتشار حالة التوتر والضغط العصبي أن خرج أحد المسؤولين في وزارة الصحة باقتراح طريف، وهو إضافة مضادات الاكتئاب إلى مياه الشرب، حسبما أعلنت وكالة «مهر» للأنباء، شبه الرسمية. يقول الطبيب النفسي مهديس كرامي: «الاكتئاب يأتي من الإحساس بالعجز. لم يحدث أي تخفيف للضغوط التي يواجهها أبناء الطبقة الوسطى. لا أحد يستطيع التخطيط لمستقبله، وبالتالي فالناس ليسوا سعداء أو راضين».

وعلى الرغم من دعوة بعض المنشقين الموجودين بالخارج إلى مقاطعة الانتخابات المقررة في 2 مارس المقبل، لا يبدو أن هذه الفكرة تلقى تأييدا فعليا من المواطنين الإيرانيين المستائين، ويعود ذلك في معظمه إلى أنهم قد أداروا ظهورهم بالفعل لكل ما له علاقة بالسياسة. ولكن هذه اللامبالاة في اعتقاد المحللين قد تؤدي في النهاية إلى نفس النتائج التي تؤدي إليها المقاطعة المنظمة.

تقول أمينة سعيدي (30 عاما)، مديرة مكتب بوسط طهران، إنها تفضل مشاهدة المسلسلات التي تعرضها القنوات الفضائية الناطقة بالفارسية عن الانخراط في الحياة السياسية، مضيفة: «هذه المسلسلات تأخذني إلى عالم آخر. أنا سعيدة هناك».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»