العراق: استياء شعبي من تخصيص البرلمان سيارات مصفحة لأعضائه

اتهامات للنواب بـ«الجبن».. وبتغليب مصلحتهم على الصالح العام

عائلة عراقية مشردة تقف أمس في مخيم للنازحين غرب بغداد (أ.ب)
TT

أثار قرار مجلس النواب العراقي الخميس الماضي، اليوم الذي قتل وأصيب فيه عشرات العراقيين في سلسلة هجمات، تخصيص مبلغ 50 مليون دولار لشراء سيارات مصفحة لنوابه موجة انتقادات في الشارع العراقي ومن قبل قيادات دينية وسياسية.

وصوت البرلمان بالغالبية المطلقة على شراء 350 سيارة مصفحة للنواب البالغ عددهم 325 بقيمة 60 مليار دينار (نحو 50 مليون دولار) «دون أي اعتراضات أو مناقشات»، بحسب ما أفاد به مصدر برلماني. وجاءت عملية التصويت على القرار في اليوم ذاته الذي أقرت فيه الموازنة الاتحادية بقيمة 100 مليار دولار، والذي قتل وأصيب فيه العشرات في سلسلة تفجيرات استهدفت مناطق مختلفة في العراق.

وذكر المصدر البرلماني لوكالة الصحافة الفرنسية أن «لجنة شؤون أعضاء البرلمان اقترحت المشروع، وحصلت على موافقة جميع الكتل وبينها كتلة التحالف الكردستاني و(العراقية) والتيار الصدري ودولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي. وأضاف: «بعد عملية التصويت، كل كتلة تحاول الانسحاب وتحاول إلقاء اللوم على الكتلة الأخرى، والحقيقة أن الجميع صوتوا لمصالح شخصية وليس مصالح عامة، والأمر لا يتعلق بالقضايا الاستراتيجية».

وأصدرت كتلة «مستقلون» (13 نائبا) بيانا اعتبرت فيه أن «هذه الأموال كان الأجدى أن تخصص لدعم موازنة الوزارات الأمنية لتمكينها من حماية المواطنين بشكل أفضل بدلا من تخصيصها لحماية المسؤولين». وطالبت الكتلة «رئاسة الجمهورية ألا تصادق على الموازنة الاتحادية لعام 2012 وإعادتها إلى مجلس النواب للتصويت على إلغاء هذه المادة»، علما بأن الرئيس لا يحق له، وفقا لخبراء قانونيين، نقض القوانين التي يقرها البرلمان.

ويرى المحامي والسياسي المستقل طارق المعموري أن «سرعة أعضاء مجلس النواب في إقرار شراء سيارات مصفحة لهم، وتأخرهم في إقرار قوانين أخرى، يوصل رسالة بأن هؤلاء يفضلون مصالحهم على الصالح العام».

ويضيف «يجب إنفاق الأموال على الفقراء والمرضى وضحايا الإرهاب، لأن ذلك أفضل من أن تنفق على جبن الساسة العراقيين، وخوفهم غير المبرر، علما بأن كل واحد منهم محاط بثلاثين عنصر حماية». ويقول المعموري إنه «إذا كانوا يخافون على حياتهم، فليتقاعدوا ويجلسوا في البيت لأن الشعب العراقي غير مستعد لأن يهدر أمواله على حماية هؤلاء».

ويتقاضى النائب في البرلمان راتبا شهريا يبلغ 10 ملايين دينار (8500 دولار)، إلى جانب مخصصات أخرى تشمل تسلمه رواتب 30 حارسا شخصيا يتقاضى كل واحد منهم 750 ألف دينار شهريا (نحو 600 دولار). لكن وفقا لمسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية، فإن النواب «يتقاضون تخصيصات حمايتهم إلا أنهم يعينون 5 أشخاص فقط ويضعون الأموال الأخرى في جيوبهم، وهذه سرقة في وضح النهار وبصورة قانونية».

وتقول الإعلامية وسن الشمري إن «أمر الحماية مبالغ فيه، خصوصا أن النواب يسكنون في مناطق محمية في داخل المنطقة الخضراء المحصنة، أو خارجها». وأضافت: «كل فرد منهم لديه فرقة كاملة من أفراد الحماية، فلا يوجد داع للحصول على امتيازات أخرى».

واعتبر حاتم عبد الكريم الذي يعمل حارسا أمنيا في شركة خاصة أن «هذا القرار فاشل بكل معنى الكلمة، وكان الأحرى بهم أن يخصصوا هذه الأموال إلى الفقراء والأسر التي تعيش في العراء».

وأثارت الموافقة على شراء السيارات انتقادات من قبل قيادات دينية أيضا. وقال الشيخ أحمد الصافي ممثل المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني في خطبة في كربلاء الجمعة الماضي إن «الأمن لا بد أن يوفر لجميع المواطنين ولا يقتصر على فئة بعينها». وأضاف أن «بعض التحقيقات الإعلامية أشارت إلى وجود مئات القرى في العراق لا يشرب سكانها الماء الصالح»، داعيا إلى «تحويل المبالغ التي خصصت لشراء السيارات المصفحة لبناء مجمعات لتنقية المياه في هذه القرى».

من جهته، قال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في بيان مساء أول من أمس إن «تصويت البرلمانيين على المصفحات وصمة عار في جبين البرلمان العراقي ما لم يتنازلوا (النواب) عن تصويتهم هذا، وهي سرقة لقوت الشعب». واعتبر الصدر الذي تمثل تياره كتلة مؤلفة من 40 نائبا في البرلمان أن «من يركب المدرعات هو خائن لشعبه ووطنه وربه»، مطالبا بنشر لائحة بأسماء النواب الذين صوتوا لصالح القرار. ويعتبر العراق من أكثر دول العالم فسادا، بحيث احتل المرتبة الـ175 من بين 182 دولة في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011.