فرانسوا هولاند.. يصنع قاعدته الجماهيرية لمنافسة ساركوزي على الرئاسة

صعد نجمه بعد فضيحة ستروس ـ كان الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي

هولاند.. معروف عنه أنه سريع البديهة وذو ابتسامة لا تفارق وجهه («واشنطن بوست»)
TT

ظل فرانسوا هولاند الرجل الثاني لسنوات على الساحة السياسية الفرنسية، لكنه على مدى الأشهر العشرة الماضية، ظهر بوصفه منافسا محتملا؛ فبحسب استطلاعات الرأي، لدى الرجل، سريع البديهة وذي الابتسامة التي لا تفارق وجهه، فرصة كبيرة للتفوق على نيكولا ساركوزي خلال الانتخابات الرئاسية ليصبح بذلك أول رئيس فرنسي اشتراكي منذ عام 1995. وفي ظل أزمة الديون الأوروبية، فليس أمام هولاند ورجاله من الاشتراكيين فرصة كبيرة لإحداث تغيير مفاجئ في حال شغل مقعد الرئاسة خلفا لساركوزي وحكومته المحافظة خلال الانتخابات التي تجرى على مرحلتين في 27 أبريل (نيسان) و6 مايو (أيار) المقبلين. مع ذلك، تعد هزيمة ساركوزي بعد مدة رئاسية واحدة هزيمة غير عادية لسياسي وعد بتغيير كبير في مجال التجارة والأعمال في فرنسا وقدم نفسه بقوة على الساحة الأوروبية باذلا جهودا حثيثة.

جاءت بداية هولاند في هذا التحدي المفاجئ بعد فضيحة دومينيك ستروس - كان، الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، الذي كان يعتقد أنه سيفوز بسهولة بترشيح الحزب الاشتراكي خلال السباق الرئاسي إلى أن واجه اتهامات بالاعتداء الجنسي على عاملة نظافة في فندق بمدينة نيويورك في مايو الماضي. وتم إسقاط التهم عنه عندما أكد ممثلو الادعاء العام عدم تمتع السيدة بالمصداقية. مع ذلك، انتشرت الاتهامات الأخرى المتعلقة بالجنس التي يواجهها ستروس - كان في فرنسا، واختفى هذا الضوء المتوهج من المشهد السياسي.

وأشار مؤتمر جماهيري الأسبوع الماضي إلى أن هولاند قد كون قاعدته خلال أشهر حملة انتخابية دؤوب، تعهد خلالها بتخفيف تأثير أزمة الديون الأوروبية على الفقراء والعاطلين عن العمل في فرنسا، وانتقد ساركوزي واصفا إياه بصديق الأثرياء قاسي القلب، واتهمه بعدم تنفيذ ما وعد به عام 2007 بالسماح للعمال الفرنسيين «بالقيام بمزيد من العمل والحصول على المزيد من المال». وصاح هولاند بصوت مبحوح بسبب إلقائه الخطابات خلال ذلك اليوم والتجول في الشوارع وزيارة مزرعة للألبان: «لا يمكن لرئيس لم يف بوعوده السابقة أن يترشح ويعد بوعود أخرى».

وأوضح أن فرنسا لا تستطيع أن تخفض ديونها من خلال تقليص إعانات البطالة وميزانية الرعاية الصحية، بل لا بد أن تزيد الضرائب المفروضة على أرباح رأس المال وتسد الثغرات التي تسمح للأثرياء بدفع ضرائب أقل من الذين يعملون بأجر. فضلا عن ذلك، أوضح أمام جمهور صاخب أن على الحكومة أن تضع حدا أقصى لرواتب ومعاشات المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى الذي لاحظ أنها تزيد سنويا رغم الأزمة المالية.

وصاح نحو 1300 مؤيد كانوا يحملون لافتات ويشغلون فراغ مركز المؤتمرات بالكامل في هذه المدينة التي تقع غرب فرنسا وتشتهر بسباق السيارات الذي يستمر 24 ساعة، قائلين: «فرانسوا رئيس.. فرانسوا رئيس». وبعد انتهاء خطاب هولاند، الذي استمر ساعة، وأداء الجمع النشيد الوطني، رفع المرشح الرئاسي ذراعيه لتحيتهم وتحرك إلى مقدمة المنصة في لفتة مثالية تعبر عن سعادته بصيحات التأييد.

وفي وقت متزامن تقريبا، كان ساركوزي في مدينة ليل، التي تقع شمال فرنسا في إطار حملته الانتخابية. وقال خلال تلك الزيارة إن هولاند يكذب على الفرنسيين ويعد وعودا لا يمكنه أن يفي بها في ظل محاولات فرنسا خفض عجز ميزانيتها، وإنه يستخدم الحيل لإخفاء الأرقام الحقيقية المتعلقة بما يقدمه من مقترحات.

وأكد ساركوزي، البالغ من العمر 57 عاما، مرارا وتكرارا، ضرورة انتخابه لفترة رئاسية ثانية لحاجة فرنسا إلى يد تتمتع بالدربة والمهارة الثابتة لتدير الدفة من أجل العبور بالبلاد إلى بر الأمان وسط العواصف التي تجتاح أوروبا. مع ذلك، تصدر هولاند استطلاعات الرأي لأشهر، لكن يعزو القائمون على الاستطلاعات ذلك إلى بعض الذين شملهم الاستطلاع ولتوجهات ساركوزي العدوانية وحدوث الأزمة خلال فترة توليه منصب الرئاسة، أكثر من إعجابهم بهولاند.

ويؤكد مساعدو ساركوزي أن الرئيس، الذي أعلن خوضه الانتخابات الرئاسية رسميا منذ أسبوعين فقط، سيعمل على تضييق تلك الهوة بعد تفرغه لحملته الانتخابية مسلحا بالامتيازات الرئاسية، التي تقترب من الملكية، من مكانة ونفوذ ودعم لوجيستي على أرض الواقع. وحصل ساركوزي في آخر استطلاع رأي على نحو 27 في المائة من أصوات الذين شملهم الاستطلاع، بينما حصل هولاند على 28 في المائة خلال الجولة الأولى، بينما كان الفارق بينهما كبيرا في الإعادة، حيث حصل ساركوزي على 44 في المائة، في حين حصل هولاند على 56 في المائة.

بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات، نجح هولاند، وهو في مثل عمر ساركوزي، في تغيير نظرة أنصار الحزب الاشتراكي إليه، مثلما نجح في تغيير نظرة خصومه إليه.

لقد ظل هولاند، خريج أفضل مدارس فرنسا، لسنوات يكدح في صفوف قيادات الحزب الاشتراكي. وقد كان مساعدا في الظل للرئيس فرانسوا ميتران عام 1981، ثم أصبح في ما بعد نائب المتحدث باسم ميتران، ثم تولى منصب مساعد رئيس الوزراء، ليونيل جوسبان. وأخيرا تم ترشيحه لتولي رئاسة الحزب، وهي مهمة مرهقة وغير مجزية، لكنها تمنحه قدرا من السلطة.

وتعرف هولاند على سيغولين رويال، خلال فترة الدراسة في كلية «ناشيونال أدمينستريشان»، التي كانت مقصد العديد من القادة الفرنسيين، وأنجب منها أربعة أبناء. وتطلع الزوجان إلى خوض السباق الرئاسي عام 2007، لكن ابتعد هولاند عندما وجد أن رويال تتصدر استطلاعات الرأي وتحظى بقول الاشتراكيين المتشددين.

في ذلك الوقت، كانا على وشك الانفصال، وبدأ هولاند علاقة مع مقدمة برامج تلفزيونية تدعى فاليري تريرويلر. وكتب هولاند في كتاب عن الحملة الانتخابية نشر يوم الخميس أنه شعر بالحزن العميق عندما منيت رويال بالهزيمة أمام ساركوزي، ليس فقط للخسارة السياسية، بل للخسارة الشخصية أيضا.

تم تصوير هولاند في كتاب سياسي في مجال سير الأشخاص نشر مؤخرا، لماري إيف مالوين من محطة «فرانس إنفو» الإذاعية بعنوان «The Nice Guy’sStrength» (قوة الرجل اللطيف)، على أنه يقوم بالحسابات بقدر أكبر مما يشي سلوكه أمام الناس. منذ هزيمة رويال عام 2007 وحتى قبل ذلك، يستعد هولاند لخوض السباق الرئاسي، كما تذكر ماري مالوين في كتابها. مع ذلك، كانت تنكسر طموحاته باستمرار مذ بدأ حياته السياسية على صخرة الاعتقاد بوجه عام في عدم قدرته على القيادة، فهو ربما يكون مساعدا جيدا ورجلا لطيفا يتمتع بحس دعابة رائع، لكن هل يمكن أن يصبح رئيسا؟

لخص رئيس الوزراء السابق، لوران فابيوس، الخصم القديم في صفوف الاشتراكيين، المشكلة التي يعاني منها هولاند في ما يتعلق بصورته، خلال مناقشة مع طلبة العلوم السياسية في بوردو في أبريل الماضي قبل أن يختفي ستروس - كان عن الساحة بفترة قصيرة.. وقال ساخرا: «هل يمكنك تخيل فرانسوا هولاند رئيسا للجمهورية الفرنسية؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»