الأمير متعب بن عبد الله: السعودية تشعر بالأسى لما يتعرض له الشعب السوري

د. بندر العيبان: عدم توحيد الموقف الدولي أعطى النظام السوري رسالة خاطئة لممارسة القتل

الأمير متعب بن عبد الله
TT

أعرب الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني السعودي، عن بالغ الأسى والحزن لما يتعرض له الشعب السوري «الشقيق»، وما يشهده عدد من الدول العربية من عدم استقرار، متمنيا خلال استقباله أمس في الرياض عددا من المسؤولين بالحرس الوطني والمواطنين في رئاسة الحرس الوطني أن يعم الأمن والسلام كل الأقطار العربية. من جهته أكد الدكتور بندر بن محمد العيبان، رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية، أن عدم توحيد الموقف الدولي «أعطى النظام السوري رسالة خاطئة لممارسة القتل، ووقتا إضافيا لقتل المزيد من أطفال ونساء وشيوخ الشعب السوري»، مؤكدا موقف بلاده الثابت من الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري.

جاء ذلك خلال مداخلة له أمام مجلس حقوق الإنسان المنعقد أمس في جنيف، خلال النقاش الطارئ عن الأزمة السورية. وقال الدكتور العيبان «إن اجتماع اليوم (أمس) يأتي لنعبر، وبوضوح، عن استمرار دعمنا للشعب السوري في مواجهة هذه الكارثة الإنسانية الخطيرة، التي نتج عنها حتى الآن مقتل وإصابة وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين السوريين، إلى جانب تدمير العديد من الأحياء السكنية في عدد من المدن والقرى السورية، كما حدث في حي بابا عمرو والخالدية، ومحاصرة مدن بأكملها، وقطع أسباب الحياة عنها، ومنع إخلاء القتلى والمصابين والجرحى».

وطالب رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية، الذي يرأس وفد بلاده في الاجتماع، بأن تطال العدالة الدولية كل من شارك في ارتكاب هذه الأعمال الوحشية والجرائم الموجهة ضد الإنسانية، مؤكدا دعم المملكة لجميع الجهود والقرارات الدولية التي صدرت من هذا المجلس وخارجه. وقال إن المملكة العربية السعودية تحمل الأطراف الدولية التي تعطل التحرك الدولي المسؤولية الأخلاقية عما آلت إليه الأمور في سوريا، خاصة إذا ما استمرت في موقفها المتخاذل والمتجاهل لمصالح الشعب السوري.

وبين الدكتور بندر العيبان أن الآلام والمآسي وحجم الدمار الذي لحق بالمدنيين السوريين ومدنهم وقراهم والجرائم التي ترتكب بحقهم تستدعي من الدول التي لم تحسم موقفها لحماية الشعب السوري، أن تراجع موقفها الإنساني والأخلاقي تجاه ما يحدث في سوريا، مؤكدا أن السعودية ستكون في طليعة أي جهد دولي يحقق حلولا عاجلة وشاملة وفاعلة لحماية الشعب السوري من الجرائم التي ترتكب في حقه بشكل ممنهج ومتصاعد، مرحبا بتعيين كوفي عنان مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا، متمنيا له التوفيق في مهمته.

وفي شأن آخر، أكدت المملكة العربية السعودية أنها دأبت على تعزيز مبادئ العدل والمساواة وتعميقها بين جميع أفراد المجتمع، وكفالة جميع الحقوق والحريات المشروعة، لإيمانها بأن الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي ركائز مهمة في بناء المجتمعات وتعزيز حقوقها.

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الدكتور بندر بن محمد العيبان رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية أمس في الدورة التاسعة عشرة لمجلس حقوق الإنسان المقامة في جنيف، وقال العيبان إن المملكة أولت جل عنايتها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بهدف رفع مستوى المعيشة، وضمان الرفاهية والاستقرار، وتوفير فرص العمل، «فقد خصصت 24 في المائة من النفقات المعتمدة في ميزانيتها لعام 2012م لقطاع التعليم والتدريب، كما خصصت 26 في المائة للخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية».

واستعرض الدكتور العيبان، الجهود التي بذلتها السعودية في سبيل تعزيز كرامة الإنسان وحفظ حقوقه، مبينا أنه حرصا من حكومة المملكة على حماية النزاهة ومكافحة الفساد فقد تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لتعزيز مبدأ الشفافية وحماية حقوق الإنسان بوصفه محور وهدف خطط الدولة التنموية، مشيرا إلى أنه تكريسا لمبدأ استقلال القضاء والاحتكام إليه؛ فقد تواصلت الجهود لدعم مرفق القضاء بميزانيات إضافية، وسن تشريعات جديدة، والعمل على تعديل التشريعات القائمة؛ بما يعزز صون كرامة الإنسان ويحفظ حقوقه في إطار ما قررته الشريعة الإسلامية.

وبين أنه في إطار استمرار تعزيز مشاركة المرأة السعودية الفاعلة في النهضة التنموية الشاملة التي تعيشها المملكة، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قرارا يقضي بحق المرأة في عضوية مجلس الشورى، وحقها في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية.

ولفت رئيس هيئة حقوق الإنسان النظر إلى أن سعي بلاده إلى تعزيز حقوق الإنسان لم يقتصر على المستوى الوطني «وإنما تجاوزه إلى المستوى الدولي»، موضحا أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الديانات والثقافات لاقت صدى إيجابيا لدى العديد من الأوساط السياسية والدينية والفكرية على المستوى الدولي، ولأهمية البناء المؤسسي لهذه المبادرة؛ فقد تم مؤخرا التوقيع على اتفاقية إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، لتحقيق العديد من الأهداف والغايات النبيلة التي ترمي إليها هذه المبادرة.

وشدد على أن دورة مجلس حقوق الإنسان لهذا العام تُعقد في ظروف بالغة الدقة تمس جوهر عمل ووظيفة مجلس حقوق الإنسان، في ظل استمرار التدهور الخطير لحالة حقوق الإنسان في سوريا، حيث لا يزال الشعب السوري بكل أطيافه وفي كافة مدنه وقراه يعاني من جراء إمعان النظام السوري في استخدام آلة العنف، في القتل والقصف والتدمير من جهة، منتقدا تردد المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذا النزيف الدموي.

وأوضح أن المملكة حذرت منذ وقت مبكر من التداعيات الخطيرة والمأساوية لحالة حقوق الإنسان في سوريا، «عندما وجه الملك عبد الله بن عبد العزيز في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي نداء إلى النظام السوري لتغليب الحكمة والعقل»، موضحا في الوقت نفسه أن «الأوضاع هناك قد أصبحت على مفترق طرق لا يمكن التنبؤ بمستقبلها، وأن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب».

وأضاف الدكتور العيبان، أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها الجامعة العربية من خلال تبني المبادرة العربية لوضع حد لتدهور الوضع الإنساني في سوريا، فإن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح بسبب تعنت النظام السوري، وفشله في تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها وقف عمليات القتل المستمرة، ضد شعبه دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو دينية.

ودعا الدكتور العيبان الدول التي عطلت التحرك الدولي إلى الانضمام للمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة لوقف المجازر ضد المدنيين العُزّل من النساء والأطفال والشيوخ، واستهداف الأحياء السكنية، وأماكن العبادة. وقال «إن مجلسكم الموقر لا ينبغي أن يتهاون مع حجم التصعيد الخطير الذي تشهده سوريا؛ إننا اليوم في هذا المجلس أمام مسؤولية تاريخية لتوحيد الجهود الدولية ليس لمعالجة التداعيات الإنسانية الحرجة التي يعيشها أبناء الشعب السوري فحسب، بل لحمايته من آلة الحرب والقتل والتدمير، وإننا إذ ندعو إلى ذلك لنجدد ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين في الأسبوع المنصرم من أن السعودية لن تتخلى عن موقفها الأخلاقي والديني تجاه الشعب السوري».

وحول قضية اليمن، قال رئيس هيئة حقوق الإنسان «لقد أثبتت التطورات الإيجابية التي شهدتها الساحة اليمنية مؤخرا أهمية تغليب الحكمة والعقل عند معالجة الأزمات الكبيرة والمؤثرة في حياة الشعوب، يشهد بذلك تجاوب كافة الفرقاء في اليمن مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، التي وقعت في الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي برعاية خادم الحرمين الشريفين التي جنبت اليمن الشقيق بفضل الله الاستمرار في مزالق الفوضى وسفك الدماء، وها نحن نرى اليوم كيف تم انتخاب عبد ربه منصور هادي رئيسا توافقيا لليمن، مع أملنا أن تقود جهوده مع كافة الفرقاء إلى مزيد من الاستقرار والرخاء».

ونبه إلى أنه في ظل اهتمامنا بهذه الأحداث المعاناة الإنسانية يجب أن لا ننسى أو نغفل عن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستة عقود بسبب الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وقال: «من هذا المنبر تجدد المملكة موقفها من ضرورة اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتفعيل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأن تستمر مواقف وقرارات مجلس حقوق الإنسان معبرة عن تطلعات الشعب الفلسطيني في تحقيق حريته، ورفع الحصار الجائر عنه خاصة في قطاع غزة، والوقف الفوري لمسلسل الاستيطان غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية، وتمكينه من حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس».

ولفت رئيس هيئة حقوق الإنسان النظر إلى أن المملكة تؤكد أهمية تعزيز وحماية حقوق الإنسان المتفق عليها دوليا، غير أنها تنظر بقلق بالغ إلى إقحام قضايا لا تقع ضمن المبادئ المتفق عليها دوليا مثل التمييز على أساس التوجه الجنسي ضمن فعاليات المجلس، وكما هو منصوص عليه في إعلان فيينا؛ فإن الاعتبارات الثقافية والدينية أمر يجب أن يؤخذ في الحسبان عند التصدي لحقوق الإنسان، وهو ما أكد عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان. وأن أي محاولة لإقحام قضايا خلافية ضمن نشاطات حقوق الإنسان الدولية تقوض الجهود الرامية لتعزيز حقوق الإنسان وتبعث على التشكيك في مصداقيتها. وشدد الدكتور العيبان على حماية وتعزيز حقوق الإنسان وأنها ضرورة ملحة وخيارا استراتيجيا يجب على كل دولة إرساء دعائمه وحمايته في الداخل، ودعم الجهود الإقليمية والدولية لضمان احترامه في الخارج، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات.

وهنأ رئيس هيئة حقوق الإنسان، لورا لاسير الممثل الدائم للأوروغواي على توليها رئاسة مجلس حقوق الإنسان، وقال: «إنني على ثقة بأن حكمتها وخبرتها ستسهم في إنجاح أعمال هذه الدورة»، كما قدم الشكر لسلفها سيهاساك بوانج كيتك يو على الدور الفاعل الذي قام به خلال رئاسته للدورة السابقة.

وأعرب عن تقدير المملكة لجهود المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافانيثم بيلاي ومعاونيها خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها المجتمع الدولي سعيا لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.