المالكي يبدو أقوى بعد الأزمة السياسية التي فجرها.. ووحدة العراق تبقى محل تساؤلات

نزعته الاستبدادية تدفع الكثيرين من منافسيه ومنتقديه إلى التشكيك في قبضته على الحكم

TT

عندما اعتقل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المئات من أعضاء حزب البعث السابقين، واتهم نائب الرئيس بإدارة فرقة للاغتيالات، وهدد باستخدام أجهزة الدولة لاستهداف كبار قادة السنة الآخرين، رأى بعض منافسيه ومنتقديه أن نزعته الاستبدادية أثارت غضب الطبقة السياسية في العراق بما يعرض قبضته على السلطة للخطر.

لكن المالكي خرج من أزمة سياسية كان المتوقع أن تؤثر على الاستقرار بمزيد من النفوذ في إدارة شؤون الدولة العراقية وشعبية أكبر بين الناخبين الشيعة، بحسب الكثيرين هنا. ويقول رحمن تلجكون، رجل أعمال متقاعد في الحلة، المدينة التي تهيمن عليها أغلبية شيعية جنوب العراق حيث انخفضت شعبية المالكي في السابق وصارت الآن أكثر انتشارا وحماسة: «زادت ثقة الناس به أكثر وأكثر بعد هذه الحادثة. إنه رجل شجاع ومقدام».

ويبدو أن حسابات المالكي السياسية، التي تدفع باتجاه أزمة سياسية شاملة، قد أتت ثمارها على الرغم من القلق من تحول العراق إلى دولة الزعيم الأوحد في ظل حكمه، حيث انشغل منافسو المالكي من السنة بإعادة تعزيز مواقعهم في ظل تمزق قيادتهم، مما تسبب في الإحساس بأن السنة فقدوا أي مشاركة ذات مغزى في الحياة العامة العراقية.

وكتب رمزي مارديني، محلل في معهد دراسات الحرب: «من الواضح أن المالكي خرج منتصرا من الأزمة السياسية التي أثارها. وجعل من الصعب على منافسيه من الشيعة معارضته، وفي الوقت ذاته حصر منافسيه السنة في موقف يتمكن من خلاله فرض ضغوط والاستفادة من الانشقاقات في صفوفهم».

في الوقت ذاته، أجبرت انتصارات المالكي كتلة العراقية، التحالف السني الموسع من نواب البرلمان التي يقودها الشيعي العلماني إياد علاوي، على إنهاء مقاطعة البرلمان ومجلس الوزراء التي قاموا بها اعتراضا على تصرفات المالكي، دون الفوز بأي مكاسب. فقد انقسم أعضاء الكتلة ورفض بعض الوزراء المشاركة في المقاطعة، ليضيف إلى إحساس بأن التفاؤل السني بعد الانتخابات البرلمانية في عام 2010، عندما فازت «العراقية» بأغلبية المقاعد، قد تلاشى تماما. ووصف زهير الأعرجي، العضو السابق في كتلة العراقية، المقاطعة بـ«غير الحكيمة» وأن التحالف أحرج نفسه.

وهناك شعور مماثل يتردد في أحياء السنة في العاصمة بغداد، فيقول أيمن فخري، الذي يعيش في الأعظمية: «عادت أعضاء (العراقية) إلى البرلمان والحكومة، لأنهم فشلوا وفقدوا كل شعبيتهم في العراق».

ويقول عبيدة الجبوري، سني ومالك مطعم في حي الكرادة ببغداد: «السنة ارتكبوا خطأ كبيرا عندما قرروا الانسحاب من العملية السياسية مع الشيعة والأكراد. لقد أثبتوا أن قادتهم لا يتمتعون بخبرة كافية لمساعدة طائفتهم بالشكل الصحيح».

وكان العراق خلال انسحاب آخر جندي أميركي قبل شهرين، على حافة مأزق، دفع السفير الأميركي إلى قطع إجازته للعودة سريعا إلى بغداد، وعودة الرئيس جلال طالباني من ألمانيا حيث يجري جراحة للركبة للتوسط في الأزمة. وغادر طارق الهاشمي، نائب الرئيس والسياسي السني البارز، بغداد هربا من أمر الاعتقال على خلفية اتهامات الإرهاب. وبدت الانفجارات الكثيرة مشاهد مألوفة للحزن وسفك الدماء، وسياسيا شعر المحللون بالقلق من أن الحكومة على وشك الانهيار وأن تمزقها سيكون بداية لحرب أهلية جديدة.

دفع ذلك المالكي إلى تقديم بعض التنازلات، فأشار مسؤولون محليون إلى أن الكثير من الأعضاء السابقين في حزب البعث الذين اعتقلوا أواخر العام الماضي تم الإفراج عنهم. ولإحباط توجه المحافظات ذات الأغلبية السنية للحصول على مزيد من الاستقلال الذاتي، سعى المالكي إلى إدخال تعديلات قانونية تعطي المحافظات مزيدا من الاستقلال الذاتي في شؤون الميزانية والحق في الموافقة عند نشر قوات الأمن الوطني داخل حدودها.

ويقول علي العلاق، عضو البرلمان عن حزب الدعوة التابع للمالكي والمستشار المقرب لرئيس الوزراء: «لم تكن هناك أزمة منذ البداية، لكن يمكنك القول، إنه كانت هناك بعض المشكلات». ووصف العلاق، ذو العمامة السوداء وهو ينظر إلى جواليه الـ«آي فون» المستقرين على سطح الطاولة، المشكلات بأنها «من ذلك النوع الذي تواجهه أي ديمقراطية ناشئة».

السؤال الأهم في الوقت الراهن، هو كيف سيتمكن العراق من الاستمرار دون مصالحة حقيقية قبل أن يؤدي الانقسام الطائفي إلى عودة البلاد إلى حرب أهلية. وتقول ميسون ميرزا، السنية التي تعيش في حي الكرادة: «كان السنة بعد عام 2003 مثل السمك في حوض صغير به سمكة قرش. لا يمكنهم الخروج ولا يمكنهم البقاء في الداخل. لدينا حكومية طائفية للغاية تسعى إلى استئصال كل السنة واستبدالهم باللصوص والعملاء الإيرانيين لتدمير العراق والدولة العربية».

أحمد الخفاجي، نائب وزير الداخلية الشيعي الذي شكلته سنوات المنفى في إيران، كحال الكثير من القادة العراقيين، رفض الانتقادات بأن الدول العراقية أقصت السنة عن السلطة. وقال الخفاجي: «الحرية هي الشيء الأهم». وأضاف، ملوحا بصحيفة، مشيرا إلى حاسبه المحمول وهاتفه الجوال: «هذه صحيفة إسلامية، ونحن نمتلك 600 قناة فضائية». وقال «بمرور الوقت، ستستمر الديمقراطية، ويوما ما سنكون مثل سويسرا أو فرنسا أو الإيطاليين. في ستينات القرن الماضي لم يكن بمقدور الأميركي الأسود ركوب حافلة، والآن صار أوباما رئيسا».

* خدمة «نيويورك تايمز»