دليل المراسل الصحافي للدخول إلى الأراضي السورية

مغامرات عبر الحدود الدولية تنتهي بالقتل في حمص

TT

«الطريق الذي استخدمته للدخول لحمص هو أصعب طريق سلكته في حياتي للوصول للحقيقة»، هكذا مالت الصحافية الأميركية ماري كولفن على أذن الناشط السوري عمر شاكر، قبل أسابيع قليلة، واصفة له الطريق الذي سلكته للدخول خلسة لحمص المحاصرة. وبعدها بأيام سقط صاروخ على مقرها في حي بابا عمرو وقتلت كولفين بعد أن كانت قد غطت في السابق نزاعات مسلحة في العديد من المناطق الملتهبة حول العالم.

المثير أن شاكر، الذي يعد لسان بابا عمرو الناطق بالإنجليزية، تذكر كلمات كولفن أثناء ارتياده نفس الطريق خارج حمص منذ أسبوع، بعدما تقرر إخلاؤه من المدينة.

ومنذ بداية الثورة السورية في مارس (آذار) الماضي، حظرت السلطات السورية عمل كافة الصحافيين الأجانب على أراضيها، مما جعل التحقق والتدقيق من معلومات النشطاء السوريين الواردة للإعلام العالمي عن قمع السلطات أمرا صعبا للغاية.

وقرر عدد من الصحافيين الأجانب الدخول خلسة إلى سوريا، في رحلة إلى المجهول، قال عنها ناشط سوري، متخصص في تهريب الصحافيين إلى الداخل السوري: «رحلة على مسؤولية الصحافي الشخصية.. نحن غير مسؤولين عن أي شيء»، قبل أن يضيف خلال لقاء معه في مقهى بالقاهرة: «نجاح التهريب يتوقف فقط على العناية الإلهية».

وتمتلك سوريا حدودا مع خمس دول؛ هي: العراق وإسرائيل والأردن ولبنان وتركيا. ويقول نشطاء سوريون إن الحدود مع تركيا تعد أكثر أمنا لتسلل الصحافيين؛ لكنها تعد بوابة بعيدة للمدن المشتعلة بالأحداث مثل حمص ودمشق وحماه، وهو ما يجعل من خط الحدود السورية اللبنانية المسرح الأكبر لتهريب الصحافيين للداخل السوري.

ويقول الناشط الذي تخصص في تهريب المساعدات والصحافيين لمختلف المدن السورية منذ عدة أشهر «الحدود التركية أكثر تأمينا، لكن الحدود اللبنانية تضمن وصول المساعدات والصحافيين لمختلف المدن المشتعلة شمالا في حمص وحماه وجنوبا في ريف دمشق»، مضيفا أن «طرق التهريب للمساعدات والصحافيين واحدة غالبا».

ويضيف ناشطون سوريون أن التهريب من تركيا صعب بسبب وعورة الطبيعة وعدم وجود أماكن للاختباء أثناء التهريب، فيما قال آخر إن العبور عبر الحدود الأردنية مستحيل بسبب تشديد الجانبين لإجراءات الأمن هناك.

وقال المهرب، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: نقوم بتهريب الصحافيين مجانا بالطبع، لكنه أوضح «أحيانا نستعين بالمهربين المحترفين لإدخالهم للمدن السورية، وهو ما يكلفنا نحو 100 دولار للشخص». ويطلب بعض المهربين من الصحافيين دفع مبلغ يتراوح من 200 إلى 500 دولار لضمان تغطية علاج رجاله حال إصابتهم من قوات الأمن السورية على الطريق.

ويصف الناشط عمر شاكر، الطريق الذي يسلكه الصحافيون للدخول لحمص التي يفرض النظام السوري حصارا قاسيا عليها منذ نحو ثلاثة أسابيع، بالوعر والخطير. وقال شاكر، في اتصال عبر الإنترنت من مدينة لبنانية خرج إليها منذ أيام، «يستغرق الأمر للخروج من بابا عمرو وحدها ثلاث ساعات.. وأحيانا يفصل بيننا وبين الجيش أمتار قليلة»، متابعا «هناك أماكن لو استدار الجنود فيها، لاعتقلونا على الفور»، ويشمل الطريق أماكن يضطر فيها المهربون للغوص في الوحل والقفز فوق الحوائط، مواصلا «أحيانا يصل الوحل لرقابنا».

ووفقا لشاكر، فإن هناك 3 محطات للانتظار في الرحلة الخطرة؛ محطة خارج حي بابا عمرو مباشرة، ومحطتين في المنتصف بين حدود حمص والحدود اللبنانية، والانتظار في المحطة الأخيرة في لبنان يتوقف على وجود دوريات مراقبة الحدود من عدمه. ويتذكر شاكر كلمات صحافية إسبانية تدعى مونيكا من صحيفة «ألموندو» التي قالت له «الأهم أن تحافظ على حياتك.. لو قتلت فلن تصل الحقيقة». وعبر 11 شهرا من الثورة، استخدم النشطاء الحدود اللبنانية لتهريب كل شيء للداخل، لكن الناشط رامي جراح، أحد مؤسسي شبكة أخبار الناشطين ANA المختصة بتغطية أحداث الثورة السورية، قال إن السلطات السورية وضعت ألغاما في مناطق عدة مثل الدباسية ولكنه قال إن إغلاق الحدود بشكل كامل سيكون عسيرا للغاية.

ويقول جراح إن إصرار الصحافيين الأجانب على التسلل لسوريا رغم دموية وعنف الأحداث يعود إلى أن المشاهدات هي أهم ما في العمل الصحافي.. «الصحافيون غير قادرين على الكتابة عن الأحداث دون رؤيتها». ويحكي جراح قصة صحافية أميركية دخلت دمشق بتأشيرة رسمية لكنها هربت من مراقبة السلطات السورية التي كانت تفرض عليها الذهاب لأماكن خالية من التظاهرات، وقال جراح: «قمنا بتهريبها منهم وذهبنا بها إلى تظاهرة في حي ركن الدين بدمشق تحت رصاص الأمن»، مضيفا أنها كادت تصدق رواية حكومة الأسد لولا ذلك. ويقول ناشطون إنهم استضافوا نحو 100 صحافي في بابا عمرو خلال الحصار.

ويقول ناشط آخر عبر اتصال بالإنترنت من حمص: «نعمل على إمدادهم بكل شيء يسهل من عملهم حتى لو لم يكن موجودا بحمص كالقهوة والمشروبات الغازية»، وقال شاكر، الذي ارتبط بعلاقات قوية مع عدد كبير من الصحافيين الأجانب، إنهم يحرصون على توفير كل شيء للصحافيين من مرافقين أمنيين ومترجمين متى طلبوا ذلك.

ورغم مقتل عدة صحافيين في سوريا منذ بداية الأحداث، فإن الصحافيين الأجانب يصرون للحظة على الدخول لتغطية الواقع المشتعل على الأرض، وقال الرجل الذي أشرف على إدخال عشرين فريقا صحافيا لحمص وحدها، «رغم مقتل عدد من الصحافيين فإن غيرهم لا يزالون يدخلون مهربين بحثا عن الحقيقة على حد قولهم».