المحكمة الجنائية الدولية تصدر أمر القبض على وزير الدفاع السوداني

جوبا تحذر الخرطوم من توغل قواتها داخل أراضيها.. والخرطوم يؤكد مطاردة مجموعات متمردة داخل حدوده

TT

أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي بهولندا أمس أمرا بالقبض على الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع السوداني في ما يتصل بإحدى وأربعين جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب يُدَّعى بأنها ارتُكبت في إطار الحالة في دارفور بالسودان. وكان حسين وزيرا للداخلية وممثلا خاصا للرئيس السوداني عمر البشير في دارفور آنذاك، والبشير نفسه يواجه أمر قبض من ذات المحكمة التي اتهمته بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

وقالت الدائرة التمهيدية في بيان لها تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إنها ترى أسبابا معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن حسين يتحمل المسؤولية الجنائية عن عشرين جريمة ضد الإنسانية (الاضطهاد والقتل والنقل القسري والاغتصاب والأفعال اللاإنسانية والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية والتعذيب) وإحدى وعشرين جريمة حرب (القتل والهجوم على المدنيين وإتلاف الممتلكات والاغتصاب والنهب والاعتداء على كرامة الأشخاص). وأشارت الدائرة إلى أن القوات المسلحة السودانية وميليشيا الجنجويد يدعى بأنها ارتكبت هذه الجرائم بحق سكان بلدات (كدوم وبنديسي ومكجر) والمناطق المحيطة بها التي تسكنها أغلبية من الفور في إطار حملة لمكافحة التمرد شنتها على حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة وغيرهما من الجماعات المناوئة للحكومة. وأضافت: «ويُدَّعى بأن خطة حملة مكافحة التمرد هذه وُضِعت على أعلى مستويات حكومة جمهورية السودان وأن عنصرا أساسيا منها كان يتمثل في الهجوم غير المشروع على السكان المدنيين الذين تعتبرهم الحكومة مقرَّبين إلى الجماعات المتمردة».

وترى الدائرة بحسب البيان أن حسين بحكم عمله وزيرا للداخلية وممثلا خاصا للرئيس السوداني في دارفور وبصفته عضوا ذا نفوذ في حكومة جمهورية السودان أسهم إسهاما جوهريا في وضع الخطة المشتركة وتنفيذها من خلال أمور منها تنسيقه الشامل لأجهزة الأمن على الصعيد الوطني وفي الولايات والصعيد المحلي وتجنيد قوات الشرطة وميليشيا الجنجويد في دارفور وتسليحها وتمويلها. وتابع البيان «وترى الدائرة فضلا عن ذلك أن إلقاء القبض عليه يبدو ضروريا لضمان حضوره أمام المحكمة وضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيقات أو تعريضها للخطر».

على صعيد آخر، حذرت دولة جنوب السودان جارتها في الشمال من التوغل العسكري داخل أراضيها، وتوعدت بأنها سترد وبعنف على أي عدوان داخل أراضي الجنوب، وشبهت الرئيس السوداني عمر البشير بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين بما قام به من اعتداء على الكويت وتدمير آبار نفطها، في وقت استدعت الخارجية السودانية القائم بالأعمال الأميركي، وطلبت منه توضيحا لموقف بلاده من مؤتمر اقتصادي يعقد في تركيا نهاية الشهر الحالي، لا سيما أن واشنطن لديها بعض الملاحظات بشأن المؤتمر أهمها استكمال الأعمال التحضيرية وتحسين الأوضاع الإنسانية في جنوب كردفان، فيما ينفي السودان اختراقه للحدود الجنوبية، ويؤكد مطاردته لمجموعات متمردة داخل حدوده، ويتهم دولة الجنوب بأنها تقدم الدعم للمتمردين والفصائل المسلحة.

وقال فيليب اقوير المتحدث الرسمي باسم جيش جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحكومة السودانية تعمل على تخريب الدولة الجديدة بمواصلة الاعتداءات عليها والتوغل داخل أراضيها وضرب بئر نفط في ولاية الوحدة التي تنتج (70 في المائة) من نفط الجنوب»، مشيرا إلى أن قصف بئر النفط أصبح سببا في تلوث المياه والبيئة. وقال: «هذا عدوان ضد الإنسانية وكل الكائنات الحية ويمثل جريمة حرب». وشبه أقوير الرئيس السوداني عمر البشير بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين وما قام به من عدوان على دولة الكويت في أوائل التسعينات. وأضاف: «البشير أصبح مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حيث قام بالعدوان على الكويت بسبب النفط ودمر العديد من الآبار النفطية، والآن البشير يفعل ذلك بقصف آبار النفط في جنوب السودان». وقال: «طبعا مصير صدام حسين وما انتهى إليه أصبح معروفا بعد أن قاد بلده للحرب في الخليج وحدث التدخل الدولي». وتابع «نحذر البشير من أن مصيره سيصبح مثل صدام حسين إذا تمادى في العدوان ضد أراضينا وثرواتنا ونحن سنرد على أي عدوان، خاصة القوات البرية المتوغلة إلى داخل الجنوب»، معلنا أن جوبا ستعرض الصور التي تم التقاطها لبئري النفط والمياه اللتين تم تدميرهما بواسطة القصف الجوي من قبل القوات السودانية، نافيا وجود اتفاقية مع الولايات المتحدة بنشر قواتها في الجنوب لرد أي عدوان. وقال إن قواته كفيلة برد اعتداءات الخرطوم وإن واشنطن أرسلت خبراء فنيين لتدريب القوات المسلحة لجنوب السودان ولم ترسل قوات أميركية.

وأكد أقوير أن «قاذفتي ميغ قصفتا محلية باناكوات في منطقة فاريانق ظهر أول من أمس». وقال: «الخرطوم سبق أن قصفت جنوب السودان منذ العام الماضي، لكنها المرة الأولى التي ترسل طائرات ميغ»، موضحا سقوط قذيفتين، الأولى في بئر للنفط والثانية في بئر لمياه الشرب. وأعلن أن القوات السودانية البرية تتقدم نحو القواعد العسكرية الجنوبية وآبار النفط. وقال إن سلاح المشاة السوداني توغل إلى عمق 17 كيلومترا داخل جنوب السودان في ولاية الوحدة الغنية بالنفط والتي تجاور إقليم جنوب كردفان الذي يشهد حربا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية في الشمال. من جانبه، نفى العقيد الصوارمي خالد سعد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية في تصريحات صحافية اختراق الجيش السوداني لحدود دولة جنوب السودان، ولكنه يطارد مجموعات متمردة داخل الحدود السودانية. وقال إن اتهام دولة جنوب السودان للقوات المسلحة السودانية بالتوغل العسكري داخل أراضيها غير صحيح، بل هو محاولة يائسة لتغطية هجوم الجيش الشعبي على بحيرة الأبيض في الأيام القليلة الماضية، مشيرا إلى أن السودان ملتزم باتفاقه مع دولة الجنوب بوقف أعمال العدائيات بين البلدين.

من جهة أخرى، قال العبيد أحمد مروح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية السودانية لـ«الشرق الأوسط» إن وزارة الخارجية السودانية استدعت دينيس هانكنسن القائم بأعمال السفارة الأميركية بالإنابة في الخرطوم أمس، لاستجلاء الموقف الأميركي من مؤتمر اسطنبول الاقتصادي حول السودان، حيث طالب السفير رحمة الله محمد عثمان وكيل الخارجية في اللقاء الولايات المتحدة الأميركية بتحديد موقفها بشكل واضح من المؤتمر الذي من المقرر عقده في نهاية مارس (آذار) الحالي. وقال إن حكومته ليست مسؤولة عما حدث بجنوب كردفان، مطالبا الولايات المتحدة بتحديد موقفها بشكل واضح حتى يتم التعامل معها على ضوئه. وقال القائم بالأعمال الأميركي بالإنابة لدى السودان إن بلاده لديها ملاحظتان بشأن الترتيبات الخاصة بالمؤتمر بما يسهم في إنجاحه. وأضاف أن الوضع الإنساني في جنوب كردفان يمثل عائقا أمام مشاركتهم في المؤتمر بالمستوى المطلوب. وقال إن الولايات المتحدة ما زالت تدرس الأمر ولم تحدد موقفها بعد بشكل نهائي.

وعلق العبيد مروح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية السودانية لـ«الشرق الأوسط» على اتهام هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية أول من أمس أمام مجلس النواب الأميركي، للرئيس السوداني عمر البشير بالعمل على تقويض دولة جنوب السودان التي استقلت عن الخرطوم في يوليو (تموز) الماضي، مؤكدة عزمها على دراسة سبل تشديد الضغط عليه، قائلا: «إن تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية مؤسفة وغير مقبولة، ونردها إلى تصاعد الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، واستجابة الإدارة الأميركية لمجموعات الضغط الأميركية، خاصة في الكونغرس التي لها مواقف عدائية تجاه السودان.

وفي واشنطن أدانت وزارة الخارجية الأميركية أمس الغارات التي أكد جنوب السودان أن القوات السودانية تشنها في ولاية الوحدة الجنوبية. وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن الولايات المتحدة «قلقة من المعلومات التي تتحدث عن غارات تشنها القوات السودانية على جنوب السودان». وأضافت «هذه الأعمال غير مقبولة وتهدد بتصعيد التوتر بين البلدين.