جدل في الهند حول دور منظمات أميركية في «تحريك» متظاهرين

سينغ يحمل أيادي خارجية مسؤولية تعطيل إنشاء محطة نووية.. وواشنطن تتحقق من المزاعم

قرويون يتظاهرون ضد إنشاء محطة نووية في منطقة كودانكولام جنوب الهند (أ.ب)
TT

هيج رئيس الوزراء الهندي، الذي بدا في مواضع أخرى شخصا وقورا دمث الخلق، عش الدبابير حينما رفع شعار «الأيادي الخارجية» الذي ساد في حقبة الحرب الباردة، باتهامه المنظمات غير الحكومية الأميركية والإسكندنافية بالوقوف وراء تعطيل عملية إنشاء محطة لتوليد الطاقة النووية في جنوب الهند وتأجيل تنفيذ الخطط الحكومية الرامية إلى التجارة في المحاصيل المعدلة وراثيا، من خلال دعم مجموعات المتظاهرين. وفي تعليقاته في مجلة «ساينس» الأميركية، قال مانموهان سينغ إن المنظمات غير الحكومية التي «عادة ما تتلقى تمويلا من الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية» تقود المظاهرات المناهضة ضد محطة توليد الطاقة النووية «كودانكولام» المدعومة من روسيا في ولاية تاميل نادو جنوب الهند.

ويجري إنشاء مفاعلين نوويين بقوة 100 ميغاوات، في منطقة كودانكولام، الأول كان مقررا بدء تشغيله في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، فيما كان من المقرر بدء تشغيل المفاعل الآخر بعد ستة أشهر. ولم يتم الالتزام بالجدول الزمني الموضوع بسبب المظاهرات المستمرة على مدى الأشهر الستة الماضية، وباتت الهند تتكبد خسائر قدرها 7.5 مليار روبية (150 مليون دولار) شهريا.

وقد أثار كلام مانموهان سينغ ضجة دبلوماسية وسياسية على المستويين الدولي والمحلي. وأشارت روسيا، الشريك في مشروعات إنشاء محطات الطاقة النووية، إلى أنها قد شكت في هذا الأمر منذ فترة طويلة، بينما أشارت الولايات المتحدة الحذرة إلى أنها ستحقق فيما إذا كان هذا الادعاء صحيحا أم لا.

وقال السفير الروسي في نيودلهي، ألكسندر كاداكين، إن موسكو قد فهمت مغزى تلك المظاهرات منذ وقت طويل. وأضاف: «كنا نشك في هذا منذ فترة طويلة. كنا حائرين بشأن المغزى من شن تلك المظاهرات ضد أفضل محطة طاقة نووية في العالم، ولكن تمت تبرئة ساحتنا الآن».

وتعارضت تعليقات كاداكين مع التعليقات الحذرة من جانب سفير الولايات المتحدة لدى الهند، بيتر بيرلي، الذي أشار إلى أنه يتعين عليه تقصي «الحقائق» قبل التعليق على أقوال سينغ.

وقد أيد سينغ بحماس فكرة توسيع نطاق برنامج الطاقة النووية السلمية في الهند، فضلا عن كونه مخطط اتفاقية تعاون نووي مثيرة للجدل مع الولايات المتحدة. لكن العمل لم يبدأ بعد بأي من المحطات النووية الجديدة المقترحة بموجب الاتفاق بسبب المعارضة المحلية، التي ازدادت منذ الحادثة التي وقعت في فوكوشيما في اليابان العام الماضي. ومع تحول الحادثة بشكل سريع إلى جدل كبير، قامت الحكومة الهندية بتجميد حسابات أربع مؤسسات خيرية وترحيل سائح ألماني بسبب مشاركته في مظاهرة مناهضة للطاقة النووية، في إطار سعيها لتأكيد صحة ادعاءاتها بأن «الأجانب» وراء معارضة إنشاء محطات الطاقة النووية في كودانكولام.

وفيما لم تكشف الحكومة عن أسماء المؤسسات الخيرية المتضررة، يعتقد أن حسابات مؤسستين خيريتين كاثوليكيتين قد تم تجميدها بناء على شكوك في تحويل أموال أجنبية تم التبرع بها لبرامج مكافحة الفقر إلى المظاهرات المناهضة للطاقة النووية، وهو ما يمثل انتهاكا لقانون تنظيم المساهمات الأجنبية. وقد زعم أيضا أنه في غضون الأعوام القليلة الماضية، تلقت تلك المؤسسات الخيرية أكثر من 500 مليون روبية (10 ملايين دولار) من متبرعين أجانب.

بدت كلمات سينغ خارج السياق بالنسبة للاقتصادي الميال للاعتماد على المعرفة المستمدة من الكتب والرافض لنظريات المؤامرة. غير أن ضغط المنصب، جنبا إلى جنب مع الانتقادات الدائمة لعجز سياسة حكومته والفساد المزعوم، ربما يكون معبرا.

ورفضت بيان سينغ مجموعات المتظاهرين، وهددت بمقاضاته وسعت لإيجاد دليل مستندي لإثبات صحة ادعاءاته. وقد تم بالفعل إرسال إخطار رسمي لرئيس الوزراء بسبب تعليقاته عن المنظمات غير الحكومية. وقال إس بي أودايكومار، منسق الحركة الشعبية المناهضة للطاقة النووية، التي تقود المظاهرات المعارضة لإنشاء محطة توليد الطاقة النووية، ساخرا في رد فعله بعد انتشار الخبر: «إنه ادعاء عار تماما من الصحة ولا يوجد أي دليل عليه. نحن لا نتلقى أي أموال من أية منظمة غير حكومية هندية أو دولية على الإطلاق». وأضاف أودايكومار: «يجب أن يتراجع رئيس الوزراء عن أقواله. عليه أن يثبت هذا الاتهام أو يخرج من الحكومة أو من مجال السياسة برمته. لقد اختير كرئيس وزراء لمجموعات عرقية مختلفة، وهو يتفوه بتلك الاتهامات».

وصدق على بيان مانموهان سينغ البرلمان، الذي قال إنه أدلى به بناء على تقارير قدمتها وكالات الاستخبارات الهندية. وعلى المستوى المحلي، أثار حزب بهاراتيا جاناتا اليميني المعارض القضية لوضع حكومة الائتلاف التقدمي الموحد التي يرأسها مانموهان سينغ في موضع الدفاع.

وقال أرون جايتلي، أحد زعماء حزب بهاراتيا جاناتا، إن «البيان الذي أدلى به رئيس الوزراء غاية في الأهمية». وأضاف: «يجب أن تكشف الحكومة عن الحقائق المتعلقة بهذه المزاعم بحيث يتحقق شعب الهند من صحتها، ويصبح في موضع يكفل له تحديد ما هو صواب». كما رأى زعيم الحزب الشيوعي الهندي، دي راجا، أن رئيس الوزراء يحاول فصل بعض المنظمات غير الحكومية التي تعمل بين المحليين في كودانكولام.