أزمة سفر متهمي «التمويل الأجنبي» تلقي بظلالها على «استقلال القضاء» وتفجر ثورة من الغضب

«الإخوان»: الخضوع المهين لضغوط أميركا يمرغ كرامة المصريين في الوحل

الأميركيون المتهمون في قضية «التمويل الأجنبي» لدى وصولهم إلى مطار القاهرة أول من أمس قبل مغادرتهم بطائرة خاصة إلى قبرص (إ.ب.أ)
TT

قال سياسيون وبرلمانيون وقضاة في مصر أمس، تعليقا على سماح السلطات القضائية بسفر متهمين أجانب في قضية تمويل منظمات المجتمع المدني، إن الحكومة ألقت بقنبلة موقوتة في ساحات القضاء ولم تخبرهم بالتعليمات اللازمة لإبطال مفعولها، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام اتهامات بهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء الذي ظل بمنأى عن الانتقادات طوال عام الثورة الأول.

وكانت السلطات المصرية قد اتهمت 5 منظمات أجنبية عاملة في مصر بتلقي تمويل من الخارج بمخالفة القانون، وقدمت إلى المحاكمة 43 متهما بينهم 19 أميركيا على رأسهم صاموئيل آدم لحود، نجل وزير النقل الأميركي.

وبدأت محكمة مصرية مطلع الأسبوع الماضي إجراءات نظر القضية التي تعقدت خيوطها بتنحي هيئة المحكمة.

وبينما خرجت مسيرة أمس، ضمت العشرات واتجهت إلى السفارة الأميركية للتنديد بسفر المتهمين الأجانب، عكست تصريحات مرشحين محتملين لانتخابات الرئاسة الأزمة التي يعيشها القضاة، وعلق عمرو موسى، قائلا: «القضاء المصري للأسف، دخل دائرة الالتباس والغموض، وزادها سوءا تبادل الاتهامات علنيا بين كبار القضاة».

وغرد الدكتور محمد سليم العوا وهو مرشح محتمل أيضا في الانتخابات ذاتها خارج السرب، وقال خلال مؤتمر انتخابي مساء أول من أمس: «السياسة فن التفاوض وكل شيء مباح في السياسة فيجب أن يعلم الشعب المصري المقابل للإفراج عن المتهمين الأميركيين حتى يتم تقييم هذا المقابل ونمنع البلبلة».

لكن قوى وحركات سياسية بدت أكثر حدة في تعليقها على سفر المتهمين الأجانب حيث طالبت «الجمعية الوطنية للتغيير»، بالثأر لكرامة الوطن وإسقاط «سياسة الخنوع والركوع إلى الأبد»، واصفة ما حدث بـ«جريمة كبرى ستظل معلقة في أعناق المجلس العسكري والحكومة ومجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة وبرلمان ما بعد الثورة».

ورغم التصريحات الغاضبة التي أطلقها قيادات بجماعة الإخوان المسلمين أمس، يبدو أن النار التي اشتعلت في الساحة القضائية ستحرق أصابع الإخوان بعد أن أشار بيان لأعضاء بالكونغرس الأميركي إلى دور مهم لعبته الجماعة في حل الأزمة التي كادت أن تضع العلاقات المصرية الأميركية على المحك.

وعلق الدكتور محمود غزلان في تصريح صحافي أمس، ردا على الترحيب الأميركي بموقف الإخوان، قائلا: إنه «سبق أن أصدرت الجماعة تصريحا صحافيا في 9 فبراير (شباط) الماضي بخصوص قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني حددت فيه الجماعة موقفها من هذه القضية، وأكدت على هذا الموقف في عدد من القنوات الفضائية بعد تنحي هيئة المحكمة التي كانت تنظر القضية، وبعد إلغاء قرار منع المتهمين الأجانب من السفر وبعد السماح لهم بالسفر، واليوم خرج علينا السيناتور جون ماكين بتصريح يزعم فيه أن الإخوان المسلمين كان لهم ضلع في السماح لهؤلاء المتهمين بالسفر، وهو تصريح عار تماما عن الصحة، يهدف إلى الإساءة إلى الإخوان وتشويه صورتهم».

وتابع غزلان: «إننا ندين التدخل في أعمال القضاء والضغط على القضاة وإحراجهم، سواء كان الضغط من الداخل أو من الخارج، وهو الأمر الذي دفعهم للتنحي، ونطالب بمحاسبة كل من مارس هذا العدوان».

لافتا إلى أن التحول المفاجئ من المواقف العنترية التي صرح بها أفراد من المجلس العسكري (الحاكم) والوزيرة فايزة أبو النجا ورئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، بأن مصر لن تركع والتحول إلى الخضوع المهين لضغوط الولايات المتحدة الأميركية، أمر «يمرغ كرامة المصريين في الوحل»، ويقطع بأن هؤلاء جميعا لا يشعرون بأن ثورة مجيدة قد قامت في مصر، ومن ثم فهم جميعا لا يصلحون لإدارة البلاد لإقامة نظام جديد يقوم على الحرية والسيادة والكرامة للشعب.

وأضاف غزلان أن «السماح للمتهمين بالسفر مقابل كفالة مالية وترحيلهم على متن طائرة عسكرية أميركية نزلت في مطار القاهرة دون إذن، مقابل غرامة مالية ينبئ بأن المسؤولين المصريين يقايضون الكرامة الوطنية التي لا تقدر بأموال الدنيا بثمن بخس».

وانتقدت الصحف المصرية الصادرة أمس، تطورات القضية عقب سفر المتهمين الأجانب، واتهمت إحدى الصحف السلطات المصرية بالتدخل في شؤون القضاء، وعنونت صحيفة «التحرير» الخاصة صفحتها الأولى بـ«فضيحة».. «القضاء يفرج عن الأميركان ويسمح بسفرهم بأوامر العسكري». أما صحيفة «الأخبار» الرسمية فكتبت أن «قضية التمويل الأجنبي شغلت الرأي العام عند الإعلان عنها وأثارت الرأي العام بنهايتها الغريبة المؤسفة». وعنونت صحيفة «الأهرام» الرسمية «غضب في مصر بعد السماح للمتهمين الأجانب بالسفر».

كما عنونت صحيفة «الشروق» الخاصة: «الحكومة والقضاء في محكمة الشعب». وكتبت: «إذا كانت الحكومة المصرية أقامت الدنيا ولم تقعدها دفاعا عن السيادة ضد الغزاة القادمين مع هذه المنظمات التي تريد هدم أسس الدولة وعاثت في الأرض فسادا طبقا للاتهامات الموجهة إليها! فلماذا سمحنا لهؤلاء العتاة بالسفر؟».