أصدقاء بوتين.. المليارديرات

جميعهم لهم جذور ممتدة إلى سان بطرسبورغ.. ورجل روسيا القوي ينفي صلته بتضخم ثرواتهم

TT

أصبح أركادي روتنبيرغ، مدرب الجودو السابق، مليارديرا من أثرياء عالم الصناعة، بعد أن تمكن من تكوين ثروة من بيع الأنابيب إلى «غازبروم»، شركة الغاز المملوكة للدولة. ويملك يوري كوفالشوك حصة ضئيلة من مصرف صغير في سان بيطرسبورغ، وتمكن خلال الأعوام القليلة الماضية من السيطرة على عدد من الشركات التابعة لـ«غازبروم»، وتقدر ثروته الآن بنحو 1.5 مليار دولار. كما أصبح غينادي تيمشينكو، الذي عمل يوما ما مدير مبيعات في مصفاة محلية لتكرير النفط، واحدا من أثرى الرجال في العالم، فهو شريك في شركة لتجارة السلع تنقل ما قيمته 70 مليار دولار من النفط الخام في العام، وتأتي معظم هذه الكمية عن طريق تعاقدات ضخمة مع شركة النفط القومية الروسية «روسنفت».

ولعل القاسم المشترك بين هؤلاء، بخلاف الثروات المذهلة وجذورهم الممتدة إلى سان بيطرسبورغ، هو العلاقة مع رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، الذي يتوقع أن يفوز بفترة رئاسية جديدة مدتها 6 أعوام في انتخابات الغد. ويعد المليارديرات الثلاثة من الدائرة المقربة من أصدقاء وأقارب وزملاء سابقين في أجهزة الأمن ومستشارين موجودين في مناصبهم منذ وقت طويل وأصبحوا شديدي الثراء في غضون الـ12 عاما التي كان فيها بوتين الزعيم الأوحد لروسيا.

ويقول منتقدون إن هذه العلاقات تعد دليلا على الفساد الراسخ، والمتمثل في حالات سرقة من قبل الحكومة، تستهدف في الغالب الموارد الطبيعية الوفيرة في روسيا، مثل الغاز والنفط والمعادن. وقد أصبحت هذه هي الشكوى المستمرة للمتظاهرين الذين قاموا بتنظيم أربع مظاهرات كبيرة في الشوارع منذ ديسمبر (كانون الأول) ويعدون بالمزيد من المظاهرات بعد الانتخابات.

ويقول فلاديمير ميلوف، مساعد سابق لوزير الطاقة زعيم سياسي معارض، قام بكتابة العديد من التقارير حول هذا الفساد المزعوم: «إن النقطة المحورية هي أن هؤلاء الأشخاص قد استفادوا وكونوا ثرواتهم من خلال صفقات مع شركات تسيطر عليها الدولة، وهذه الشركات كانت تعمل بأمر مباشر من الحكومة والرئيس».

وعلى الجانب الآخر، نفى بوتين أكثر من مرة تورطه في تضخم ثروات هؤلاء الأشخاص وغيرهم من معارفه. كما نفى المتحدث الرسمي باسمه أي علاقة له بمجمع منتجعات مترامي الأطراف قيل إن بعضا من معارف بوتين المنتمين إلى سان بيطرسبورغ يقومون ببنائه لبوتين كقصر يطل على البحر الأسود بكلفة مليار دولار. وينفي معارف بوتين هذا الأمر بالقوة نفسها أيضا.

وكسب تيمشينكو دعوى قضائية بصورة جزئية ضد ميلوف، حيث أكد تيمشينكو أنه لم يكن صديقا لبوتين. واعترف أنتون كوريفين، المتحدث باسم تيمشينكو الأسبوع الحالي، أن بوتين وتيمشينكو قد التقيا في أوائل التسعينات في سان بيطرسبورغ، لكنه قال إن بوتين ليست له أي علاقة بأعمال تيمشينكو، لكن لا يزال الرجلان على علاقة بأحد نوادي الجودو، حيث اعتاد بوتين في صباه على لعب مباريات مع روتنبيرغ. ورفض روتنبيرغ الإجابة عن أسئلة مكتوبة بهذا الصدد، ورفض كوفالشوك أيضا طلبا للتعليق تلقاه الخميس عن طريق مسؤول دعاية يمثل مصرفه.

وبعيدا عن الجوانب القانونية، فإن هذه العلاقات مترسخة في عقول المواطنين وتقوم وسائل الإعلام الروسية برصدها. ويقول يفغيني ياسين، وزير الاقتصاد السابق الأستاذ بكلية الاقتصاد بموسكو: «هل جاءوا جميعا وقالوا له مرحبا نحن أصدقاؤك؟! أنا لا أعلم، لم أكن حاضرا في هذه المناقشات، لكن الحقائق حقائق. لقد كانوا قريبين من بعضهم وكانت بينهم علاقات حميمة وأصبحوا جميعا أثرياء الآن».

وسيواجه بوتين ضغوطا بسبب مكافأة المقربين منه على ولائهم. وقد يرغب أصدقاؤه في الحصول على تطمينات معقولة بعدم تعرضهم لملاحقات قضائية أو حتى النفي، كما حدث في الماضي مع عدد كبير من الرعيل الأول لما يسمى بحكومة النخبة بروسيا في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي. ويقول ميخائيل دميتريف، الخبير الاقتصادي بمركز الأبحاث الاستراتيجية في موسكو: «من المشكوك فيه أن يكون لهؤلاء مستقبل واعد من دون بوتين».

على الورق، لا تظهر لبوتين أي صلة بأصحاب الثروات الكبيرة. وفي كشف الذمة المالية الذي تطلبه السلطات الانتخابية في روسيا، أوضح بوتين أن دخله السنوي قارب الـ153 ألف دولار خلال السنوات الأربع الماضية من راتبه ومعاش التقاعد العسكري وبعض الاستثمارات والفوائد المصرفية. وتجني زوجة بوتين نحو 1200 دولار في العام من بعض الودائع المصرفية. وأعلن بوتين أيضا عن امتلاكه ثلث فدان من الأراضي قرب موسكو وشقة مساحتها 800 قدم مربع ومرأب سيارات في سان بيطرسبورغ وثلاث مركبات، اثنتان منها من موديل الستينات والثالثة ماركة «لادا» موديل عام 2009، ومقطورة، كما أعلن بوتين وزوجته أنهما يملكان أقل من 500000 دولار كودائع مصرفية.

ويتناقض هذا بشكل صارخ مع الأوضاع المالية لعدد من معارف بوتين، الذين تعود علاقته بهم إلى بداية مستقبله المهني وحياته الاجتماعية في سان بيطرسبورغ، والذين ظلت ثرواتهم حتى وقت قريب غير معلنة، لكن معظم هذه الثروات خرجت إلى النور الآن، بسبب قواعد الإفصاح في البورصات الغربية والفحوصات المالية للشركات الأجنبية والدعاوى القضائية والطرق التي لجأت إليها وسائل الإعلام الروسية المعارضة مؤخرا.

تبيع شركة «روسنفت» الآن جزءا كبيرا من نفطها عن طريق شركة تجارية مقرها هولندا، يملكها تيمشينكو بالكامل وتدعى «غنفور». وتعترف الشركة بالسيطرة على نحو خمس صادرات النفط الخام الروسي، مما يعني أن عائدات ما يناهز 5 في المائة من إجمالي الناتج الاقتصادي لروسيا يتم توجيهه عن طريق عمليات تيمشينكو التجارية.

وفي البرقيات التي كشف عنها موقع «ويكيليكس»، وصف دبلوماسي أميركي شركة «غنفور» بأنها «علامة خاصة» في نظام أكثر شمولا من المعاملات الغامضة خلال فترة ازدهار النفط. وأكدت برقية يرجع تاريخها إلى عام 2009 أن «غنفور» واحدة من مصادر ثروة بوتين التي لم يتم الكشف عنها كما يقال. وفندت الشركة في بيان ما ورد في تلك البرقيات الدبلوماسية، مؤكدة أن بوتين «ليس من المستفيدين من الشركة أو أنشطتها». ونوه البيان إلى أن مشاريع النفط قد ازدهرت في العالم خلال فترة حكم بوتين وأن نجاح «غنفور» جزء من هذه الطفرة الكبيرة.

كان كوفالشوك، وهو رئيس مصرف في سان بيطرسبورغ كان صغيرا في السابق قبل أن يسيطر على الشركات التابعة لـ«غازبروم» بما في ذلك صندوق معاشات الطاقة الضخم، جارا لبوتين في منزله الصيفي بجوار البحيرة على أطراف سان بيطرسبورغ. وفي التقرير السنوي لعام 2010، أكد «مصرف روسيا» امتلاك كوفالشوك أكثر من 30 في المائة من الأسهم والتي تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار. ويملك تيمشينكو حصة في «مصرف روسيا»، ويعمل بعض من أقارب بوتين في بعض الشركات التابعة لـ«غازبروم».

وقال المتحدث باسم تيمشينكو إن صلته الوحيدة ببوتين كانت من خلال ناد للجودو في سان بيطرسبورغ يدعى «يافارا - نيفا»، حيث كان بوتين، رئيس المستقبل والشاب في ذلك الوقت، يتنافس مع روتنبيرغ وأخيه بوريس روتنبيرغ.

يذكر أنه في بداية مشواره المهني، عارض بوتين فلسفة نقل السيطرة على الموارد الطبيعية لأيدي القطاع الخاص. وقام بوتين، بمساعدة عميد إحدى الجامعات المرموقة بسان بيطرسبورغ (معهد التعدين)، بإعداد دراسات عليا مقترحا زيادة سيطرة الدولة على هذا القطاع. وخلال سنواته الأولى في السلطة، اتبع بوتين هذا النهج، مستعيدا سيطرة الدولة على شركة «يوكوس» للنفط، على سبيل المثال، حيث سيطرت «روسنفت» على الجزء الأكبر من هذه الشركة. قال العميد فلاديمير ليتفينينكو إنه كانت هناك حاجة لهذا النهج عقب سوء إدارة عمليات الخصخصة التي حدثت في التسعينات ولكن ليس هناك حاجة له الآن، مؤكدا أن بوتين يؤمن الآن بكفاءة وفوائد الملكية الخاصة. وتمتع ليتفينينكو نفسه ببعض هذه المزايا.

وتحول منجم فوسفات في القطب الشمالي، امتلكه ميخائيل خودوركوفسكي بشكل جزئي، وهو رئيس شركة «يوكوس» المسجون حاليا، إلى واحد من أهم أصول شركة «فوساغرو»، وهي شركة طرحت أسهمها ببورصة لندن في يوليو (تموز) الماضي. وفي النشرة الإعلانية، تم وضع ليتفينينكو ضمن قائمة ملاك الشركة الجدد، حيث إنه يستحوذ على 5 في المائة من الأسهم التي تقدر بـ260 مليون دولار. وقال ليتفينينكو، الذي يرأس الآن حملة بوتين الانتخابية في سان بيطرسبورغ، إنه تقاضى أجرا في شكل أسهم مقابل تقديم أعمال استشارية عام 2004، مؤكدا أن هذا «لا يخالف أي قانون».

كما أعرب ليتفينينكو عن تحفظاته العميقة بشأن حركة الاحتجاجات. وقال: «إذا تم تغيير الحكومة بطرق غير عادية، فسيكون ذلك كارثة. إن بوتين هو الخيار الوحيد. ولا يستطيع أي من المرشحين الآخرين قيادة روسيا. أنا لا أخشى الشارع فحسب، بل أشعر بالرعب منه. لقد عشت فترة طويلة من العمر، ولكن هذه الفترة مخيفة بالنسبة لي».

* خدمة «نيويورك تايمز»