النظام في سباق محموم مع إنهاك قواته والانشقاقات وتناقص الموارد

مليار دولار تكلفة الحملة شهريا.. ولا توجد قوات لمواجهة المدن المنتفضة كلها دفعة واحدة

برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري لدى اجتماعه أمس بوزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو قبل اجتماع للمعارضة السورية باسطنبول أمس(إ.ب.أ)
TT

أتاحت سيطرة الجيش السوري على معقل الثوار الرئيسي في مدينة حمص المحاصرة يوم الخميس، للجنود الموالين للنخبة الحاكمة التركيز على معاقل الثوار الأخرى في أقصى الشمال رغم تزايد الضغط الدولي من أجل وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وصرحت كتيبة ثوار بابا عمرو في بيان، بعد إعلانها انسحابها التكتيكي من حي بابا عمرو في حمص بعد تحمل التعرض لقصف بالمدافع والدبابات وطلقات نيران من القناصة لأكثر من شهر، بأن المعركة غير متكافئة وأنهم غير قادرين على تبرير الإبقاء على آلاف المدنيين تحت الحصار في ظل ظروف إنسانية صعبة في حي تظهر على أكثر البنايات به آثار القصف ويعاني سكانه من نقص الطعام والدواء والماء والكهرباء والعزلة عن العالم الخارجي. لقد كان الانسحاب نصرا كبيرا بالنسبة للرئيس بشار الأسد، حيث نجحت قواته في قمع التمرد المسلح سريعا قبل تزايد الضغط الدولي أو تفكك القوات المسلحة في ظل زخم مستمر لثورة اندلعت منذ عام تقريبا. ويفتقر النظام السوري إلى عدد من القوات يكفي لإخضاع المدن المتمردة الأخرى في الوقت ذاته، لذا تقوم الاستراتيجية على استعادة السيطرة على بقعة ساخنة تلو الأخرى، في الوقت الذي يعمل فيه على عرض إجراء تغيير سياسي محدود. مع ذلك يظل النظام في سباق محموم مع الإنهاك والانشقاقات وتناقص الموارد. ويقول عقيل هاشم، لواء جيش متقاعد يقدم مشورته للمجلس الوطني السوري: «لا يتمتع الجيش السوري بالقوة الكافية لخوض معارك في أنحاء البلاد، لكن لديه القوة الكافية لقتال المدنيين والمنشقين الذين يمتلكون أسلحة خفيفة. إنه لا يمتلك عدد القوات اللازم للتعامل مع كل هذه الانتفاضات والاحتجاجات في وقت واحد، لذا يتعاملون مع واحدة تلو الأخرى».

ومع النصر الظاهري في حمص، من المتوقع أن يصعد الجيش السوري هجومه على حماه باتجاه الشمال، وكذلك سيحاول السيطرة على محافظة إدلب، حيث أعلنت الكثير من المدن والمناطق الريفية بها نفسها مناطق غير تابعة للنظام.

ولم يتضح بعد ما إذا كان الجيش سيستطيع الحفاظ على هذا الزخم وإلى متى، بينما يحاول الثوار تنظيم صفوفهم. الأمر الأكيد هو سيطرة عائلة الأسد على الجيش لفترة طويلة. ويقول إلياس حنا، لواء جيش لبناني متقاعد ومحلل عسكري: «لقد تم تشكيل وتنظيم هذا الجيش لأربعين سنة للتعامل مع أسوأ سيناريو مثل الذي يحدث اليوم، وهذا سبب تماسكه». لا يوجد إجابة قاطعة بنعم أو لا عن السؤال عن فترة صمود الجيش، فطبيعته الغامضة تجعل من تقييم الإحصاءات الأساسية مثل عدد الجنود الذين في الخدمة محض تخمين. مع ذلك ومنذ اندلاع الاحتجاجات شهر مارس (آذار) الماضي، اتضحت المميزات التي تمتع بها القوات الموالية لنظام الأسد وأولاها، كما تعلم ثوار وسكان بابا عمرو من خلال التجربة المريرة، قوة السلاح التي تستخدمها القيادة ومن بينها الدبابات والمدفعية الثقيلة والمروحيات أو الطائرات الحربية إن استدعى الأمر. وثانية تلك المميزات هي سيطرة الطائفة العلوية على سلاح الضباط وأجهزة الاستخبارات وأكثر الوحدات الخاصة مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التي يتولى قيادتها شقيق الرئيس ماهر الأسد. لقد أقنعتهم العائلة الحاكمة، التي تنتمي إلى الطائفة ذاتها، بأن نجاح الثورة يعني نهايتهم وإبادتهم. أما ثالثة هذه المميزات فهي مراقبة ضباط الجيش باستمرار في دولة بوليسية مثل سوريا، ويساعد المخبرون في قرى يقال إنها مناهضة للنظام، الشرطة السرية في متابعة ما يحدث.

على الجانب الآخر، لا تمتلك المعارضة سوى الأسلحة الخفيفة مثل مدافع الهاون والقذاف الصاروخية التي لا تستطيع سوى تعطيل الدبابات في أفضل الأحوال. وليس للمعارضة قيادة موحدة منظمة رغم إعلان المجلس الوطني السوري يوم الخميس عمله على تشكيل هذه القيادة. وتواجه المعارضة العسكرية وقوامها الجيش السوري الحر المتمركز في تركيا خلافات شخصية مثلها مثل قوى المعارضة السياسية.

مع ذلك الروح المعنوية للثوار مرتفعة ويتجه التوزيع الديموغرافي إلى جانبهم بمرور الوقت. ويمثل العلويون نحو 12 في المائة من تعداد السكان في سوريا البالغ 23 مليون نسمة. ويمثل المسلمون السنة العمود الفقري للمعارضة، حيث تصل نسبتهم إلى 75 في المائة من تعداد السكان. مع ذلك ربما يستغرق إحداثهم تأثيرا عاما أو يزيد على حد قول محللين، لذا يتطلب أي تغيير سريع في حظوظهم حصولهم على ورقة رابحة. ولا يوجد ما يشير إلى وصول إمدادات أسلحة للمعارضة على أرض الواقع أو وصول أسلحة ثقيلة إلى سوريا. على سبيل المثال عندما زودت إيران وسوريا المتمردين في العراق بالسلاح، كانت هناك زيادة في كمية المتفجرات الخارقة للمدرعات وارتفاع معدل الهجمات على أهداف أهم. ولا يوجد أي انشقاقات من جانب مسؤولي الحكومة السورية كما يوضح محللون، كذلك لم يثر الدفن المستمر للجنود في قرى العلويين تذمرا كبيرا. وأوضح جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الأميركية، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ مؤخرا، أنه بعد مرور نحو عام على اندلاع الثورة السورية، تتميز سوريا بـ«تماسك النخبة». وأضاف: «دون القيام بانقلاب أو شيء من هذا القبيل، سيظل الأسد في السلطة يفعل ما يحلو له. ولا يرى الأسد نفسه، ربما لحاجته النفسية إلى سيره على نهج أبيه، أي خيار آخر سوى سحق المعارضة».

تكمن الإجابة عن القوة النسبية للقوات الموالية للنظام في عدد الجنود الذي يمكن للأسد نشرهم. وتشير التقديرات إلى أن حجم أفراد جيشه وأفراد أجهزة الاستخبارات يتراوح بين 250 ألفا و560 ألفا، وأكثرهم من المجندين الشباب. ويتراوح عدد العلويين من القوات من 60 ألفا إلى ما يزيد على ذلك بثلاثة أمثال بحسب بعض التقديرات. ويزداد احتمال إنهاك القوات بسبب الاستمرار في نشرها.

وقال كلابر في شهادته أمام مجلس الشيوخ إنه تم نشر 80 في المائة من «وحدات المناورة» التابعة للنظام أو الدبابات والمدفعية خلال العام الماضي وتعد تلك النسبة مرتفعة. وتمثل الانشقاقات عاملا هاما، لكنه ليس حاسما. ويظهر في مقطع مصور نشر مؤخرا على موقع «يوتيوب» وحدة كاملة مكونة من 500 فرد ينشقون بشكل جماعي.

ويرجح أمين حتيت وهو لواء جيش لبناني متقاعد آخر ومحلل استراتيجي، أن عدد المنشقين أقل من نسبة الجنود الذي يتوقع أن يتغيبوا دون إذن رسمي خلال أي صراع. لقد جنّد النظام عشرات الآلاف من الشبيحة مقابل مبالغ ضخمة من أجل «قمع الانشقاق». مع ذلك في الوقت الذي يتاح للجيش فرصة فضّ المظاهرات بالقوة، يتعين عليه نشر أفضل وحدات لديه من أجل استعادة السيطرة على حمص والمدن الأخرى التي بها جماعات مسلحة منظمة.

وتكّلف عمليات الجيش سوريا نحو مليار دولار شهريا بحسب تقديرات مسؤول أميركي رفيع المستوى. وتقلص الاحتياطي الأجنبي إلى 10 مليارات دولار أو أقل على حد قول محللين رغم كثرة التكهنات بأن إيران وروسيا تعمل على تعويض هذا النقص. وفي ظل هذا القتال، حدث انقسام طائفي بين العلويين وأغلبية السكان من السنة، حيث ساعد المدنيون المنتمون إلى الطائفة العلوية في قمع واحدة من المظاهرات الكبيرة التي نُظمت في دمشق في الثامن عشر من فبراير (شباط) والتي كان أغلب المشاركين فيها من السنّة. وقال محلل سوري رفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي: «إنها حرب مقدسة بالنسبة إليهم لأنه ليس لديهم بديل».

على الجانب الآخر، قال أحد سكان إحدى القرى ذات الأغلبية السنية على أطراف مدينة إدلب الواقعة في الشمال قبل أن يغادر البلاد مؤخرا، إنه تم قتل جنديين منشقين على يد الجيش. وفي حين رفضت أسرة أحد الجنديين عرض الجماعات المسلحة في القرية بإقامة جنازة شعبية له خوفا من النظام، وتم نبذها، أقامت أسرة الجندي الثاني، جنازة شعبية مهيبة.

* خدمة «نيويورك تايمز»