«بابا عمرو» كان مركزا لـ«الجيش الحر».. ودفع أهله الثمن

الموتى دفنوا تحت جنح الظلام في غياب أهلهم

TT

أعلن الصليب الأحمر عن وصول قافلة المساعدات الإنسانية إلى حمص، بينما استبعد ناشطون في لبنان وصول جرحى من بابا عمرو، بسبب انقطاع الطرقات وتراكم الثلوج بشكل كبير.

وفي شمال لبنان حيث يوجد عشرات الجرحى من بابا عمرو، الذين تم نقلهم أثناء الاشتباكات الأخيرة، تخوف هؤلاء من عمليات انتقامية واسعة يمكن أن يتعرض لها الأهالي هناك بعد دخول الجيش السوري. وقال أحدهم، وأطلق على نفسه اسم «جهاد»: «وصلت منذ عدة أيام إلى لبنان، وأعرف أن عزيمة أهالي بابا عمرو لن تلين، وسوف يعودون للتظاهر بعد أيام». وإذ أعرب بعض الجرحى عن حزنهم الشديد، قال آخرون إنها ليست المرة الأولى التي ينسحب فيها «الجيش الحر» من بابا عمرو ليعود إليها أقوى مما كان. وهم يصفون حمص بأنها «عاصمة الثورة»، بينما بابا عمرو هو «عاصمة حمص».

ولكن لماذا استهدف حي بابا عمرو بشكل خاص، دون غيره من أحياء حمص. يقول محمد (اسم مستعار) الواصل من بابا عمرو منذ 4 أيام لـ«الشرق الأوسط»: «منذ البداية كنا أول من تظاهر في حمص، وبكثافة كبيرة، وكانت الأحياء الأخرى تأتي لنصرتنا. هذا ربما ما استقطب (الجيش الحر)، الذي بدأ يوجد في المدينة بشكل ملحوظ بعد عيد الفطر الماضي، خصوصا أن 50 عنصرا من الحي كانوا قد أعلنوا انشقاقهم عن الجيش النظامي. فالمنشقون من مختلف المناطق كانوا يجدون ملجأ عندنا. ونحن من جهتنا كنا لا نقصر معهم، ونؤوي كل 15 عنصرا منهم في شقة، بينما تعمل نساؤنا على تزويدهم بالطعام». ويتابع محمد: «المنشقون كانوا يأتون بابا عمرو من حماه ودمشق وكل المناطق الوسطى. وكانوا يكتفون بالدفاع عن الأهالي حين يتظاهرون ويهاجمون الأمن، أما حين يدخل الجيش المدينة فكانوا يختفون تماما، ويحاولون عدم مواجهته، إلى أن كان الاشتباك الأول قبل 4 أيام من عيد الأضحى، وفي اليوم الأول للعيد انسحب (الجيش الحر)، وتساءلنا إلى أين ذهبوا، لكنهم عادوا بعد 10 أيام بأقوى مما كانوا، بمساعدة شباب من الحي، الذي ساعدوهم على اجتياز الحصار عبر البساتين التي تحيط بالحي من الجهة الغربية». ويضيف محمد: «من حينها تحول بابا عمر إلى مركز أساسي لـ(الجيش الحر)، مما تسبب في استهدافه ودكه بالقذائف والصواريخ».

جهاد من جهته يروي أن «كثافة القذائف التي كانت تنزل على بابا عمرو، خلفت دمارا هائلا، وأن السكان كانوا يسعفون بعضهم بعضا بنقل الجرحى إلى المستشفى الميداني». أما «الجيش الحر»، يضيف جهاد: «فقد قسم نفسه إلى فرق، فإضافة للمقاتلين، هناك فريق صغير لإغاثة الجرحى، وآخر لمساعدة الأهالي، وفريق ثالث لدفن الموتى». ويشرح جهاد: «دفن الموتى تحت القصف من أصعب المهام. لكن فريق (الجيش الحر) المعني بهذا الأمر كان ينتظر ما بعد السابعة مساء، حيث يهدأ القصف كل ليلة بانتظار انقشاع الفجر. وتحت جنح الظلام يؤخذ الميت، من قبل شخصين أو 3 ويمنع أهله من اصطحابه لخطورة الوضع، ويوضع في سيارة ويتكفل هؤلاء الأشخاص بدفنه في مقبرة حي بابا عمرو التي تقع - لسوء الحظ - في البساتين، التي باتت من أخطر المناطق. ونتيجة لهذه الخبرة بات (الجيش الحر) قادرا على التنقل بالسيارات من دون استخدام أضواء السيارات أو اللجوء إلى المكابح التي تترافق مع ضوء صغير، يمكن أن يلمحه الجيش ويقصف السيارة مباشرة». وأضواء المكابح كانت سببا، على ما يروي أهالي الحي، في قتل عائلات كانت تحاول الهرب في الليل ووقع سائقها في هذا الخطأ القاتل.

عماد وصل هو الآخر من بابا عمرو من أيام، الحي الذي يصفه بأنه «فقير وغارق في البطالة، وسكانه من العمال الذين بالكاد يعيلون أسرهم». ويقول عماد: «نحن في انتظار عودة (الجيش الحر)، وسنضعهم في عيوننا وقلوبنا. لا نعرف أين ذهبوا لكنهم بالتأكيد عائدون».

في هذا الوقت، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن قافلة تابعة لها تحمل مساعدات إنسانية وصلت مدينة حمص السورية ودخلت منطقة بابا عمرو المنكوبة. وقالت كارلا حداد، كبير المتحدثين باسم اللجنة في جنيف: «نحن في حمص ونستعد لدخول بابا عمرو».

وكانت اللجنة قد ذكرت في وقت سابق أن قافلتها المكونة من 7 شاحنات والمحملة بالأغذية وإمدادات الإغاثة الأخرى اتجهت من العاصمة دمشق إلى حمص حيث ينتظرها متطوعو الهلال الأحمر العربي السوري وسيارات الإسعاف التابعة له ليدخلا منطقة بابا عمرو معا.