الإضرابات في الأردن ظاهرة لافتة للنظر في ظل غلاء المعيشة وهيكلة الرواتب

يعتقد البعض أن الربيع العربي سبب رئيسي لها إضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية

TT

أصبحت الإضرابات العمالية في الأردن ظاهرة لافتة للنظر، بعد نجاح المعلمين والأطباء في القطاع العام في إضرابهم ورضوخ الحكومة لمطالبهم. ويجمع المراقبون على أن الربيع العربي كان السبب الرئيسي في نجاح هذه الإضرابات التي أخذت طابعا معيشيا بعيدا عن المطالب السياسية. غير أن المسؤولين يقولون إن غلاء المعيشة في ظل الاقتصادية الحالية وازدياد الوعي العمالي سببان رئيسيان في الإضرابات العمالية في الأردن.

ويضيف المراقبون أن قطاعات أخرى مثل التمريض وعمال المياه والكهرباء والمهندسين وغيرها تشجعت وأعلنت عن إضرابات تطالب فيها بالإنصاف، سواء كان زيادة في الرواتب أو إعادة امتيازات كانوا يتقاضونها قبل قيام الحكومة بهيكلة الرواتب التي بدأ تنفيذها مطلع العام الحالي، حيث قامت الحكومة بإعادة هيكلة رواتب العاملين في القطاع العام.

وأضرب ممرضو القطاع العام عن العمل أول من أمس في خطوة أولى نحو إضراب مفتوح من المزمع البدء فيه غدا في حال لم تستجب وزارة الصحة والحكومة لمطالبهم المهنية، بينما كان نقيبهم خالد أبو عزيزة يلتقي بوزير الصحة الدكتور عبد اللطيف الوريكات لبحث آخر مستجدات التوقف عن العمل ومطالب منتسبي النقابة العاملين في القطاع العام وكيفية حلها بأسرع وقت. واستغرب أبو عزيزة من التعميم الذي صدر عن وزارة الصحة على المستشفيات لحصر أسماء الممرضين الذين توقفوا عن العمل، مشيرا إلى أن الوزارة لم تحقق أبسط مطالب النقابة ومن بينها توفير حضانات لأبناء الممرضات عدا عن العديد من المطالب التي مر عليها أكثر من عشر سنوات.

وكان المعلمون قد أنهوا إضرابهم اعتبارا من صباح من 21 فبراير (شباط) الماضي. وتضمن الاتفاق بين الحكومة ولجان المعلمين زيادة نسبة علاوة التعليم 15 في المائة بعد توحيدها لكل المستويات اعتبارا من الأول من أبريل (نيسان) القادم، وأن تصبح علاوة التعليم لكل الفئات والمستويات 100 في المائة اعتبارا من مطلع الشهر المقبل.

وكان الأطباء قد حققوا مطالبهم في إضراب تم في مايو (أيار) من العام الماضي، واستمر أكثر من ثلاثة أسابيع. وتظل إضرابات عمال الموانئ في العقبة التي وقعت في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين الأبرز في حدتها بسبب الصدامات التي وقعت بين العمال وقوات الدرك.

ويقول رئيس نقابة العاملين في الغزل والنسيج فتح الله العمراني، إن «الحركة العمالية في الأردن لم تأخذ دورها الطليعي بعد، لعدم وجود غطاء نقابي لجميع العمال في الأردن رغم وجود 17 نقابة عمالية، وعدم تطبيق الأردن لقانون العمل الدولي في مادته 87 الداعية إلى حرية العمل النقابي».

ويجدد العمراني مطالباته بتفعيل واقع النقابات العمالية من خلال استثمار من هو ناشط منهم، من باب إدخال دماء جديدة تؤثر إيجابا على عملها، وبالضرورة ستكون هناك آذان صاغية لأصواتهم. ويعتبر رئيس لجنة عمال الموانئ، عبد الهادي الراجح، أن الإضرابات التي نفذها عمال الموانئ طوال 12 يوما كانت مجدية في نتائجها.. «حققنا مطالبنا الحقوقية». ويؤكد الراجح أنه لولا الإضرابات لما نفذ شيء من المطالب العمالية، مستندا إلى شرعية الإجراءات التي قاموا بها بطرق سلمية، لكن «لولا تدخل الجهات المختلفة» لثنيهم عن الإضراب «لما حصل الصدام بين العمال والجهات الأخرى».

من جانبه، يرى رئيس لجنة عمال المياومة في القطاع العام، محمد سنيد، أن جملة الإضرابات التي نفذوها على مدار سنوات حققت مكاسب عمالية مختلفة، سواء برفع الأجور أو تطبيق أنظمة مختلفة خاصة بحقهم في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. وتتمثل إنجازات جملة إضرابات عمال المياومة، كما يلخصها سنيد، في تحويل آلاف العمال من فئة المياومة إلى المقطوع في بعض المؤسسات الحكومية، إضافة إلى رفع أجورهم من 90 دينارا إلى الحد الأدنى للأجور وهو 150 دينارا.

ويناصر الإضرابات العمالية الكثير من المدافعين عن حقوق العمال، مبررين ذلك بموجة الارتفاع في الأسعار التي طالت مناحي الحياة المختلفة، ولم يجاريها بالمقابل ارتفاع أجور العمال الذين ينتمون للطبقة الأكثر فقرا.

ويوضح سنيد أن ما أشعل فتيل إضرابات عمال المياومة المهمشة أصلا، كان الإهمال الحكومي لهم، واصفا إضرابهم «بالانفجار، بسبب غلاء المعيشة وارتفاع مناحي الحياة، وعدم شمولهم بالزيادات، مما جعلهم يشعرون بغبن كبير، ومحاولة إسماع صوتهم عبر الإضراب كانت الحل الأمثل».

ويصل عدد عمال المياومة لنحو 13 ألف عامل في مختلف المؤسسات الحكومية، فيما تمثل لجنة عمال الموانئ 3600 عامل، و250 عاملا يتبعون للجمعية التعاونية للعاملين في المناولة والتحميل في جمرك عمان.

من جانب آخر، أعلن رئيس غرفة التجارة نائل الكباريتي تعليق إضراب القطاع التجاري في جميع أنحاء المملكة المقرر غدا احتجاجا على قانون المالكين والمستأجرين وأسعار الكهرباء، وذلك حتى إشعار آخر. وقال الكباريتي إن تعليق الإضراب والاعتصام جاء بعد البوادر الإيجابية التي صدرت عن وزير الصناعة والتجارة ومجلس النواب للنظر في مطالب التجار على وجه السرعة. وأضاف أن القرار اتخذ بناء على الاجتماع الذي عقد أمس مع وزير الصناعة والتجارة والمباحثات التي تمت بخصوص إعادة النظر في تعريفة الكهرباء وتبني مجموعة من النواب مذكرة لإعادة النظر في قانون المالكين والمستأجرين وبالأخص المادتين 5 و7.

وأشار الكباريتي إلى اللقاء الذي جمعه كذلك مع رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي وتفهمه لوجهة نظر القطاع التجاري والضرر الذي سيلحق بالمستأجرين جراء تطبيق قانون المالكين والمستأجرين. وناشد الكباريتي كل القطاعات والجمعيات والنقابات التجارية والخدمية والحرفية المنضوية تحت مظلة غرفة تجارة الأردن تعليق الإضراب انتظارا للمبادرات الرسمية، مشيرا إلى اجتماع سيعقد قريبا لمناقشة القضية مع كل ممثلي القطاعات التجارية.

ويقر مسؤول حكومي بأن اتباع الحكومة سياسة الأمن الناعم والسماح بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات في ظل الربيع العربي شجع هذه القطاعات على المطالبة بحقوقها، لكن تلبية هذه الحقوق تأتي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية ووضع اقتصادي غير مريح ومديونية تبلغ 19 مليار دولار وعجز في الموازنة العامة للدولة يقدر بـ1.5 مليار.