«جمعية أصدقاء» تروج لكوريا الشمالية في العالم

تتحدث عن 15 ألف عضو وينسق نشاطها إسباني.. وتنظم رحلات سياحية للبلد المعزول

كوريان شماليان يسيران أمام إعلانات كبيرة تدعو إلى (من اليمين) «بناء أمة قوية» و«تحقيق المهام لمرسومة خلال السنة الجديدة» و«السير باتجاه أول ثورة عسكرية»، في العاصمة بيونغ يانغ (أ.ب)
TT

مثلما تقول كوريا الشمالية، أصيب أصدقاء كيم جونغ - إيل في جميع أنحاء العالم بالحزن لرحيله. فقد أثار خبر وفاته حالة من الحزن العميق في منغوليا، وحطم قلوب الكثيرين في بنغلاديش. ووضع الأوغنديون أكاليل من الزهور أمام صورة الراحل، كما أرسل البريطانيون باقات من الزهور في عيد ميلاده السبعين الذي جاء بعد وفاته.

هؤلاء الأصدقاء يأتي ذكرهم بشكل يومي تقريبا في المقالات التي تنشرها وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية، كما لو كانت تريد أن تخبر الناس أن العالم الخارجي يفتقد إلى كيم، ويساند ابنه ووريثه، بنفس المشاعر الحماسية المتوقعة من الشعب في الداخل. ومن العناوين الرئيسية التي تصدرت الصحف مؤخرا: «مآثر كيم جونغ - إيل محل تقدير المنظمات الأجنبية»، وآخر يقول: «إنسانية كيم جونغ - إيل تثير إعجاب العالم».

لكن هناك ذرة من الحقيقة في كل هذا الكلام الإنشائي. فحتى في البلدان الكثيرة التي لا تدعم أسرة كيم بشكل رسمي، هناك بضع مئات - أو على الأقل بضع عشرات - ممن يؤيدونه فعلا، وهؤلاء يمثلون ما يصفه المحللون بأنه خلاصة الجهد الذي بذلته كوريا الشمالية طوال عقود، بدأت أثناء الحرب الباردة، لتصدير أيديولوجيتها وتكوين شبكة عالمية من الحلفاء.

وتملك «جمعية الصداقة الكورية»، التي تزعم أنها تضم 15 ألف عضو، فروعا محلية تعمل على مستوى أقل كثيرا من القنصليات ولكنه أعلى نسبيا من نوادي المعجبين. وهي تعمل دون تمويل رسمي، وفي بعض الحالات لا تكون هناك وسيلة للتواصل بين الأعضاء سوى عن طريق القوائم البريدية عبر الإنترنت.

وهذه الجمعيات لا ترسل مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي إلى بيونغ يانغ أو تجمع معلومات استخباراتية أو تطلق حملات إقناع. لكن تعمل جميعها من أجل هدف واحد، تجلى بأوضح صوره في الأسابيع الأخيرة، وهو المساعدة على تعزيز الإعجاب بشخصية أسرة كيم.

وتقول هيزل سميث، الأستاذة بجامعة كرانفيلد بإنجلترا والخبيرة الأمنية التي عاشت في كوريا الشمالية لثلاث سنوات: «في فترة من الفترات كانت هذه الجمعيات إحدى قنوات نشر الفكر (الاشتراكي) الفعلي، وكانت جزءا من شبكة سياسية حقيقية. أما الآن فقد أصبحت غير ذات أهمية بعد نهاية الحرب الباردة، ولم تعد سوى مجرد مورد يعتمد عليه للأغراض المحلية».

وجمعيات الصداقة هذه لا تنادي بالإصلاح داخل كوريا الشمالية، بل تصفق لثبات البلاد على مبادئها، وتبدو بياناتها الصحافية ترديدا لدعاية بيونغ يانغ. فمؤخرا وصف رئيس «جمعية الصداقة الكورية» في بيرو كيم بأنه مدافع «مخلص» عن السلام، بحسب تقرير نقلته كوريا الشمالية عن بيانه، بينما قال رئيس جمعية الصداقة الكورية الفرنسية إن كيم قام بـ«أعمال بطولية خالدة» لبناء أمة مزدهرة.

ولكن في الواقع، يقول بعض الخبراء إن جمعيات الصداقة هذه استمرت ليس بفضل أيديولوجيتها بقدر ما هو بفضل المنح، فالأعضاء يتاح لهم السفر بين الحين والآخر إلى كوريا الشمالية، التي تعتبر أكثر بلد منعزل في العالم، شريطة أن يدفعوا عدة آلاف من الدولارات.

وتمثل تلك الرحلات أفخم صورة للسياحة يمكن أن تقدمها دولة فقيرة. ويقول من قاموا بتلك الرحلات إن الترحيب بالمسافرين يكون باستقبال أعضاء الحزب لهم على الممر المسفلت في مطار بيونغ يانغ، وتقدم لهم أفخر أنواع الطعام ويركبون سيارات تقودها فتيات جميلات، ويكون حضورهم وانصرافهم بمثابة فرقعة إعلامية في الصحف.

ويقول كيرتس ميلفن، متخرج في جامعة واشنطن ويدير مدونة اقتصادية عن كوريا الشمالية، وسبق له زيارتها مرتين كضيف في جولات الصداقة، رغم أنه ليس عضوا في الجمعية: «أعتقد أنهم يحبون ذلك الاهتمام الذي يوجه لهم. إنهم يذهبون إلى هناك ويتظاهرون بأنهم شخصيات على قدر كبير من الأهمية». ويضيف ميلفن أن أعضاء جمعيات الصداقة يكونون في الغالب في منتصف العمر ومعظمهم من الذكور. لكن الجمعية تجتذب أيضا الأضداد السياسية، فاليساريون المتطرفون يقولون إنهم معجبون بالأيديولوجية الاشتراكية لكوريا الشمالية، فيما يقول اليمينيون المتطرفون إنهم يتعاطفون مع القومية المتطرفة والروح القتالية والاعتماد على الذات لدى كوريا الشمالية.

والرجل الذي يربط بين أعضاء الجمعية، هو الإسباني أليخاندرو تساو دي بينوس، 37 عاما، وقد تم تعيينه من قبل السلطات الكورية الشمالية كناطق غربي فعلي باسم أيديولوجيات كيم جونغ - إيل. (ذكر تساو دي بينوس في مقابلة أجريت معه مؤخرا أن كوريا الشمالية ستصبح اشتراكية مثالية في غضون «سبع إلى ثماني سنوات على الأكثر»). يصطحب تساو دي بينوس مجموعات سياحية إلى كوريا الشمالية، ويرشد الزوار إلى الأضرحة والمتاحف، كما يعقد اجتماعات مع مسؤولين من السلطات متوسطة المستوى.

عرض فيلم وثائقي أنتج في عام 2006، بعنوان «أصدقاء كيم»، وصفا تفصيليا للجولة التي قادها تساو دي بينوس والتي عدل فيها كثير من السائحين، في غضون رحلة مدتها 12 يوما في كوريا الشمالية، عن رأيهم حول فكرة أن كوريا الشمالية تعد جنة بالنسبة للعمال. كان أحد البريطانيين من أشد المعجبين بمفهوم الاشتراكية على طراز كوريا الشمالية، عندما بدأت الجولة. لكن بعد رؤيته مشكلات الدولة عن قرب - نقص الغذاء والتفاوت بين القلة المتمتعة بامتيازات من الأثرياء والأغلبية الذين يعيشون في حالة من الفقر المدقع - قال إن وصف بيونغ يانغ بالمثالية (يوتوبيا) الاشتراكية كان «خاطئا»، لأنه وصف ينقل للعالم رسالة مضللة.

وعلى الرغم من أن الرحلات قد أتت في بعض الأحيان بنتائج عكسية، فإن تساو دي بينوس يحتفظ بموقعه الموثوق به في كوريا الشمالية. فقد سافر إلى بيونغ يانغ لحضور احتفال في يوم 16 فبراير (شباط) الماضي - وهو الاحتفال بالذكرى السبعين لميلاد كيم جونغ - إيل - قال إنه تضمن عرضا للرقص على الجليد وعرضا عسكريا. وهو يخطط للعودة لحضور احتفال آخر أكبر، المهرجان المقرر أن يقام في 15 أبريل (نيسان) إحياء للذكرى المائة لميلاد المؤسس الوطني كيم إيل سونغ، «الرئيس الخالد». ونظرا لأن عدد غرف الفندق محدود، بحسب تساو دي بينوس، طلب منه اختيار 50 عضوا من شبكة أصدقائه الدولية للسفر معه. وقال تساو دي بينوس: «الجميع يرغب في السفر. لكن يتعين علي الالتزام بعدد معين».

وقد اختار المسافرين اعتمادا على أقدميتهم في المجموعة وولائهم للجمعية. وستضم المجموعة المختارة أفرادا من سنغافورة وكندا وألمانيا والنرويج. وقال: «لدينا كيان أشبه بالأمم المتحدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»