جرحى «بابا عمرو» يتحدثون لـ «الشرق الأوسط» عن درب الآلام للوصول إلى لبنان

108 جرحى نقلوا إلى طرابلس الشهر الماضي

TT

كان «المستشفى الحكومي» في طرابلس بعد ظهر أمس يتأهب لاستقبال ثلاثة جرحى سوريين، وصلوا إلى الحدود اللبنانية، لينضموا إلى 33 جريحا سبقوهم في الأيام الماضية وبدأوا بتلقي العلاج.

«لا نعرف بعد من أي مدينة الجرحى الجدد ولا نوع إصاباتهم» يقول لنا مصطفى أحد الشبان السوريين الذين يستقبلون المصابين ويعتنون بهم. ويشرح لنا مصطفى أن عدد الجرحى الذين ينقلون إلى لبنان ارتفع بشكل قياسي في الشهر الأخير، وبلغ عددهم في شهر فبراير (شباط) وحده 108 جرحى، غالبيتهم الساحقة أدخلوا إلى مستشفيات طرابلس.

لم يصل أي جريح سوري من بابا عمرو إلى لبنان منذ يوم الأحد الماضي «الطريق الذي كنا نسلكه لكسر الحصار اكتشفه الجيش السوري، وبات من ساعتها الخروج مستحيلا»، يقول أحمد (اسم مستعار) الذي يعاني من شظية اخترقت رقبته واستقرت على مقربة من النخاع الشوكي منذ نحو تسعة أيام ولا تزال في مكانها لحساسية العملية وتمهل الأطباء في إجرائها.

الطابق الثالث من المستشفى الحكومي في طرابلس، خصص للجرحى السوريين غالبيتهم الساحقة من بابا عمرو، أصيب أكثرهم بشظايا ورصاص في الأطراف. نداء (اسم مستعار) يتمشى في الممر، بصحبة المصل الذي يجره معه، فهو هنا منذ عشرة أيام. تبدو إصابته في الصدر طفيفة، لكن ما إن نسأله عن إصابته حتى يرفع البيجاما عن ساعده المبتورة «وقع صاروخ على مبعدة مترين مني» يكمل نداء «وأصبت في يدي التي بقيت معلقة، كما أصيب ثلاثة آخرون من حولي. أسعفت نفسي والجريح الذي كنت أحمله. كان طفلا عمره سنة، لم يحتمل الإصابة الثانية وتوفي على الفور». يكمل نداء: «وصلت إلى المستشفى الميداني في بابا عمرو سلمتهم الطفل وفقدت الوعي، ولأن الإصابة بالغة نقلوني إلى لبنان». يتحدث نداء عن درب الآلام من بابا عمرو إلى الحدود اللبنانية: «كنت أغيب وأستفيق من شدة الألم، مشينا في البساتين والوعر ما يزيد على 4 كيلومترات وأنا أحمل يدي. استخدمنا الحمير والبغال والسيارات، قبل أن نصل الحدود اللبنانية». يشرح نداء: «كل المحاولات للاحتفاظ بيدي باءت بالفشل بعد وصولي إلى لبنان، النزف والالتهاب الشديدين اضطرا الأطباء لبتر يدي منذ عدة أيام».

مصطفى يحدثنا عن «ثلاث حالات بتر للأطراف في الأيام الأخيرة في هذا الطابق. وهناك جروح بليغة وخطيرة. أكثر ما يعاني منه الجرحى هي حالات الالتهابات الشديدة، بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها المصابون بالبرد والعراء قبل وصولهم إلى هنا وهو ما يستغرق أياما».

أحمد الذي يصر على التحدث، رغم الشظية الموجودة في رقبته، لأنه يحتاج «للفضفضة» كما يقول: «يشرح لنا أن «المحظوظين فقط من المصابين هم من ينجحون في الوصول إلى لبنان». أصيب كما يروي بشظايا قذيفة وقعت بقربه وهو يساعد في نقل جثة امرأة فقدت جزأها السفلي. ويكمل أحمد: «حالتي كانت مستعصية وهم في المستشفى الميداني لا يملكون حتى جهاز أشعة متطور يمكنه الكشف عن نوعية الإصابة. كنا سبعة جرحى نقلونا معا. إصاباتنا بليغة لذلك وضعونا في باص صغير، وتناوب عدة سائقين على القيادة، كل يقود الباص في منطقته ليسلمنا بعد ذلك لسائق آخر. فكلٌ أدرى بالمنطقة التي يعيش فيها. لكن الانتقال والانتظار، بينما يتم تأمين الطريق كان يستغرق ساعات طوال. قضينا يومين في الباص حتى أمكن توصيلنا للحدود وتسليمنا للصليب الأحمر».

يضحك (علي) الذي يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي هو الآخر ويقول: «أهلنا هناك سيتعرضون للتنكيل في حال كشفنا عن أسمائنا». وعلي أحد الجرحى السبعة الذين كانوا آخر من أسعفهم الحظ بالخروج من بابا عمرو قبل انكشاف أمر الطريق السري الذي كانوا يسلكونه. أصيب في رجله برصاص متفجر، ثبت له جهاز في رجله الآن، بانتظار إمكانية تجبير الكسور العديدة التي فتتت العظام. إلى جانبه شاب آخر من تلكلخ، يقول لنا مصطفى إن «حالة هذا الشاب حرجه. يبدو في عشريناته لا يقوى على الكلام ويبقى ساهما لا يريد التحدث بشيء».

الجرحى يصلون بثيابهم التي يرتدونها ولا شيء آخر معهم - يروي مصطفى - الذي يجوب بنا في الغرف. «ننسق مع الصليب الأحمر باستمرار، لمعرفة إذا ما كان ثمة من جرحى تمكنوا من عبور الحدود لإبلاغ المستشفى». ويضيف مصطفى: «يصل الجريح خائفا، مذعورا، لا يعرف إن كان قد بلغ بالفعل محطة الأمان. نحاول أن نشرح له بأنه لم يعد مهددا بشيء. كلهم تركوا أهلهم هناك، يصلون بلا ثياب، أو بيجاما أو ملابس داخلية أو حتى نقود. نحاول أن نوفر لهم ما يحتاجونه، فهم بلا عائلة وفي ظروف صحية صعبة، إضافة إلى قلقهم على من تركوهم خلفهم».