الهروب إلى أنطاكيا.. طريق آلاف السوريين الفارين من قبضة الأسد

يسلكون الدروب الجبلية ويعبرون الأنهار.. انتظارا لغفلة حرس الحدود

TT

بين عتبات مسجد خالد بن الوليد على طريق الحرج بمدينة اللاذقية السورية ومعسكر اللاجئين السوريين في محافظة أنطاكيا التركية، مسيرة عام من الأحداث الفارقة ولحظات الرعب ودوي الرصاص، عاشتها أسرة أبو سهيل، الناشط السوري، خلال عبورها طريق الهروب الوعر على الحدود السورية - التركية الملغمة، لتجتمع مجددا قبل أيام في تركيا، بعيدا عن بيتها المنتهك في اللاذقية.

خرج أبو سهيل (30 عاما)، الذي يعمل بمجال تجارة المواد الغذائية، ليشارك في أول مظاهرة مؤيدة للثورة السورية في مدينة اللاذقية ذات الأغلبية العلوية قبل عام من أمام مسجد خالد ابن الوليد؛ لكن المظاهرة تم قمعها مبكرا على يد عناصر الأمن.

يقول أبو سهيل لـ«الشرق الأوسط»، عبر الإنترنت من معسكر للاجئين في تركيا: «شاركت في مظاهرات سلمية للمطالبة بالحرية والكرامة وعدم التفريق بين المواطنين على أساس طائفي»، ويضيف أبو سهيل، الذي سيطر على صوته اليأس، أن «اللاذقية تعد أكثر المناطق التي تعاني من التفريق بين السنة والعلويين».

وعبر خمسة أشهر، شارك أبو سهيل، الأب لثلاثة أبناء، في كل فعاليات الثورة في مدينته، لتتم ملاحقته أمنيا، حيث بدأت الأجهزة الأمنية في مداهمة بيته، واعتقال أقاربه، لإجباره على تسليم نفسه، وعلق على ذلك قائلا: «حينها قررت الهرب خارج البلاد.. لم يكن هناك مفر من ذلك».

وكان على أبو سهيل، قبيل فراره في 28 أغسطس (آب) الماضي، القيام بمهمة هي الأهم والأصعب في حياته.. يقول بصوت يملأه التوتر، بينما يطغى صراخ ابنه الأصغر على المحادثة: «كان علي أن أؤمن مكانا لأسرتي لتختبئ»، وتابع بصوت منخفض: «فقصص اغتصاب زوجات الناشطين المطلوبين كانت تقض مضاجعي»، موضحا أن «زوجات ناشطين يعرفهم تعرضن للاغتصاب في المعتقلات الأمنية أمام معتقلين آخرين لإجبار أزواجهم على تسليم أنفسهم».

بعد تأمين أسرته، فر أبو سهيل عبر الجبال إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر في محافظة إدلب، بعدما شارك مع كتيبة مكونة من مائة جندي منشق في تأمين إخراج الأسر السورية من الشمال إلى تركيا، وبعد نفاد الذخيرة، هرب الجنود للكهوف، لكن أبو سهيل واصل المسيرة إلى تركيا لتأمين الطريق لاستقدام أسرته التي ظلت مختبئة. ويقول أبو سهيل إن مجموعته عاونت عدة آلاف من السوريين على الهرب إلى تركيا، وعلى الرغم من أن آخر التصريحات الرسمية التركية تؤكد على وجود نحو 11 ألف سوري فقط بمعسكرات اللاجئين لديها، فإن عددا من التقارير الدولية غير الرسمية أشارت إلى تجاوز أعداد الفارين عبر الحدود السورية التركية أكثر من ضعف ذلك، خاصة مع لجوء عدد كبير من الفارين للإقامة لدى بعض الأسر التركية في منطقة أنطاكية الحدودية، بعيدا عن رسميات حكومة أنقرة، التي ربما تغض الطرف بدورها عن أولائك الفارين مراعاة لظروفهم الإنسانية.

وخلال 6 أشهر، أقامت أسرة أبو سهيل، المكونة من زوجته وثلاثة أطفال (أعمارهم بين 6 و4 سنوات)، في بيت متهالك ومهجور في منطقة ريفية في اللاذقية، حيث قامت أسرة صديقة لها بتوفير الطعام واحتياجاتها حتى شهر ديسمبر (كانون الأول)، حين داهم الشبيحة المنطقة، لتنتقل الأسرة المذعورة إلى منطقة أخرى لا تقل بؤسا عن الأولى. وهي الفترة التي يقول عنها أبو سهيل: «كان قلبي ينفطر كل يوم على أسرتي، وأخبار القتل والانتهاكات زادت مخاوفي على أبنائي». أسرة أبو سهيل لم تفر إلى تركيا في رحلة واحدة، فحداثة سن أبنائه والخوف من بكائهم طول طريق الرحلة جعل ناشطين الجيش السوري الحر يصرون على تهريبهم فقط حين تتيسر سبيل لذلك على الحدود التركية، التي تمتد لأكثر من 800 كيلومتر، والتي أصبحت القوات السورية أكثر تدقيقا عليها.

وفي 25 فبراير (شباط)، استبقت الأم أبناءها الصغار في رحلة مجنونة، عبر طريق جبلي وعر إلى تركيا، بدأت الرحلة هادئة وتوسطتها لحظات من الموت، حين أطلق جنود سوريون النار بعشوائية على القافلة المكونة من 15 امرأة وبضعة شباب بعدما استشعروا حركة فوق الجبال، ويقول أبو سهيل: «وصلت زوجتي بعد ستة شهور من الفراق».

وعن رحلة تهريب أبناء أبو سهيل التي تخللها المشي لست ساعات في برد قارس في ليلة مظلمة غاب عنها القمر، حماية للقافلة التي شكل الأطفال معظمها في حماية عناصر الجيش السوري الحر، يقول الابن الأكبر للأسرة سهيل (6 أعوام) بصوت طفولتي رقيق: «قطعنا أربعة أنهار.. وفقدت حذائي في نهر». وتابع بينما صوت أخوه الأصغر يبكي ربما من الجوع أو البرد: «الطريق كله كان وحلا وطينا، لكني لم أكن خائفا.. أنا بطل مثل والدي ولا أخاف».

ويقول أبو سهيل، من الخيمة التي تسع لستة أفراد وتضم أسرته، بصوت يغلبه النحيب: «كنت أرتجف من الخوف عليهم، وفضلت أن يستشهدوا على أن يقبض عليهم»، وتابع: «التعذيب فظيع يجعل الإنسان يشتري الموت بدلا من الاعتقال؛ لكنني الآن مطمئن على أبنائي، وأعمل على نقل أبناء الآخرين».