إدلب.. مركز الصراع القادم بعد سقوط بابا عمرو

«الجيش الحر» يستعد لمقاومة شرسة.. ومساحاتها الشاسعة عنصر لصالحه

عنصر من المقاومة السورية يعلم صبيا طريقة استخدام لعبة على هيئة مدفع مضاد للدروع بمدينة إدلب (أ.ب)
TT

يتملك أهالي إدلب (في شمال سوريا)، ذاكرة سيئة مع نظام عائلة الأسد. فالمحافظة التي تضم أكثر من عشرين منطقة تتوزع على مساحة جغرافية تقدر بنحو 6100 كيلومتر مربع، تعرضت خلال سنوات الثمانينات لمجازر مروعة، أبرزها مجزرة جسر الشغور التي راح ضحيتها مئات القتلى من نساء ورجال وأطفال، حيث عمدت قوات تابعة لسرايا الدفاع التي كان يرأسها في ذلك الحين رفعت الأسد (عم الرئيس الحالي بشار الأسد) إلى قصف القرى واقتحام بيوتها.

لم تتأخر المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 165 ألف نسمة أغلبيتهم من الطائفة السنية، عن الانضمام إلى الثورة السورية التي اندلعت في مارس (آذار) 2011، فنزل السكان في معظم المناطق للمشاركة في المظاهرات المعارضة لنظام بشار الأسد والتنديد بجرائمه ضد المتظاهرين السلميين.

تركزت هذه المظاهرات في مناطق متعددة من ريف إدلب، كفر تخاريم، أرمناز، خان شيخون، معرة النعمان، كفرنبل، جسر الشغور، بنش، سراقب، سرمين، أريحا، لكن «العنف الذي مارسه النظام السوري عبر أمنه وشبيحته ضد هذه القرى مستخدما الاعتقالات والتعذيب والتنكيل ضد المتظاهرين وصولا إلى اقتحام المنازل وإحراق المزارع وإهانة الأهالي وتصفية الشبان أمام ذويهم، كل ذلك حول المنطقة إلى بيئة حاضنة لعناصر الجيش السوري الحر، يتمركزون فيها ويدافعون عن الأهالي ضد العنف المفرط الذي يمارسه نظام الأسد»، وفقا لأحد الناشطين المتحدرين من المدينة.

ويقول الناشط الذي غادر المدينة مع مجموعة من رفاقه «خوفا من تصفيتهم على يد الأمن»، إن «قرى المدينة كانت تعيش مظاهرات سلمية، يشارك فيها معظم السكان، ويضبط شعاراتها وتصرفات المشاركين فيها أعضاء من التنسيقيات الثورية، لكن العنف المتمادي من قبل النظام الأسدي دفع عددا من الشبان الذين يؤدون خدمة العلم وتعود أصولهم إلى المنطقة إلى رفض العودة إلى ثكناتهم مفضلين البقاء في قراهم والدفاع عن أهلهم»، هذه الحالة وفقا للناشط «تطورت لتجتذب المناطق والقرى المنتفضة الكثير من العناصر المنشقة الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين السلميين».

ويؤكد الناشط أنه رغم الاقتحامات الكثيرة التي نفذتها قوات الأسد «استطاع ريف إدلب أن يتحول إلى حصن منيع للجيش السوري الحر، ينطلق منه لتنفيذ عمليات ضد الجيش النظامي فيخلف في صفوفه أضرارا بالغة». ويعزو الناشط ذلك إلى الطبيعة الجغرافية للمدينة وقربها من الحدود التركية، لا سيما منطقة جبل الزاوية، إضافة إلى احتضان الأهالي للعناصر المنشقة وتقديم الدعم لها. وكان الجيش السوري الموالي للأسد قد قام في 20 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي باقتحام منطقة جبل الزاوية ونفذ مجزرة وصل عدد ضحاياها وفقا لمصادر المعارضة إلى 280 قتيلا؛ وحصلت المجزرة على دفعتين، الأولى وقعت في بلدة «كنصفرة»، حيث أعدم أكثر من 70 جنديا منشقا، والثانية في بلدة كفر عويد، حيث حوصر قرابة 200 ناشط وشخص من الأهالي وقتلوا جميعا تحت قصف آليات الجيش. كما سقط بعض القتلى خلال الأيام التالية.

ويقول مهند، أحد أعضاء تنسيقية مدينة إدلب للثورة السورية «إن المظاهرات المعارضة لنظام الأسد امتدت إلى وسط المدينة بعد أن كان زخمها يتركز في الريف بعد اقتحام مدينة حماه وإنهاء حالة التظاهر فيها التي بلغت ما يعادل الربع مليون متظاهر، حينها تصدرت إدلب المشهد فامتلأت ساحاتها بالمتظاهرين المطالبين بإسقاط نظام بشار الأسد». ويضيف «بعد اقتحام بابا عمرو وتنفيذ مجازر دموية بحق سكانه، واقتحام معظم مناطق ريف دمشق وإخماد المظاهرات فيها، لم يبق أمام النظام السوري سوى مدينة إدلب التي يخرج الكثير من مناطقها عن سيطرته وتتحصن فيها عناصر منشقة تقوم بحماية المظاهرات المعارضة له».

ويتوقع مهند أن «تقدم القوات النظامية الموالية لنظام الأسد بتنفيذ عملية عسكرية كبيرة ضد المدينة وريفها خلال الأيام القليلة المقبلة، تكون أكثر دموية من القصف والاقتحامات التي تمارسها هذه القوات حاليا ضد المنطقة»، إلا أنه يتوقع بالمقابل «مقاومة شرسة»، لا سيما في منطقة جبل الزاوية، حيث لن يتمكن النظام من محاصرتها بسهولة مثلما فعل في بابا عمرو بسبب اتساع مساحتها، إضافة إلى تحضر عناصر الجيش السوري الحر في المنطقة لخوض معارك ضارية ضد قوات الأسد.