جدل حول مستقبل الإسلام السياسي يقلق مؤسسة الأزهر

ما بين النهج الوسطي للدين ودعوات التشدد

TT

قدموا بالآلاف، يتقاطرون عبر المداخل الحجرية القديمة صوب الباحة الرخامية البيضاء اللامعة للجامع الأزهر. جاءوا لأداء الصلاة وسماع خطبة عاصفة من قائد حركة حماس، وليكونوا شهودا على إعادة انبعاث المؤسسة الإسلامية.

رأى الكثير من الموجودين أن الأزهر، الذي كانت إدارته تعين من قبل الحكومات المصرية الاستبدادية وغير الدينية، عاد إلى ممارسة دوره المفترض كصوت للإسلام السني. وكان وجود إسماعيل هنية خطيب حماس، الذي كان محظورا في السابق، دليلا على أن المسجد الذي يعود تاريخه إلى ألف عام قد تحرر أخيرا، فيقول ياسر عبد المنعم (32 عاما) مبتهجا في ظلال مآذن المبنى الشاهق: «كان الأزهر في السابق مغطى بالتراب. والآن لقد أزحنا عنه التراب لنظهر معدنه الحقيقي».

لكن خطبة الجمعة بالنسبة لآخرين كانت دليلا على أمر ما أكثر تشاؤما، وهي أن الثورة التي قامت على التعطش للحرية، غلب عليها نهم شديد للعقيدة الدينية المتشددة.

وبعد أكثر من عام من انتفاضة أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، بدا كل شيء في مصر أشبه بلقمة سائغة، بيد أن النضال على روح الأزهر يحمل صدى خاصا في مصر والعالم الإسلامي، ففي وقت يضطرم فيه الشرق الأوسط بنقاشات حول الدور اللائق للدين في الحياة العامة، يتوقع أن يفرض الأزهر تأثيرا واسعا على كيفية تطبيق الإسلام السياسي في المنطقة ككل.

لكن العقود الأخيرة شهدت تراجع مكانة الأزهر نتيجة تبعيته لعدد من رؤساء مصر الذين استغلوا اسم المؤسسة الموثوق في إضفاء اللمسة الدينية على سياساتهم، فمنذ عام 1961 كانت قيادة الأزهر (الإمام الأكبر شيخ الأزهر) يعين من قبل رئيس الجمهورية، ما جعل الأزهر يتحول بالنسبة للكثيرين إلى مجرد أداة من أدوات سيطرة الدولة. وفي أعقاب الثورة المصرية كان هناك اتفاق واسع بين السياسيين المصريين على أن الأزهر بحاجة إلى المزيد من الاستقلال، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هو ما إذا كان ذلك يعني أيضا تحركا سريعا تجاه مدرسة إسلامية أكثر تشددا وأقل تسامحا للتوافق مع الحالة العقائدية الآخذة في التزايد بين الشعب المصري.

هناك أدلة على أن مثل هذا التحول يجري الآن، وأنه قد تتسع رقعته بشكل أكبر، حيث يسيطر الفصيلان الإسلاميان الرئيسيان في مصر (الإخوان المسلمون وحزب النور السلفي) على غالبية مقاعد مجلس الشعب الجديد الذي عقدت أولى جلساته في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويعمل المجلس على تشريع يجرد شيخ الأزهر من البقاء في منصبه مدى الحياة، وهو ما قد يعطيهم القول الفصل في اختيار خليفة له. ويشدد شيخ الأزهر الحالي، الدكتور أحمد الطيب، الذي تلقى تعليمه في السوربون على أهمية الحوار بين الأديان، ويُعرف بفتاواه التقدمية نسبيا، وتصريحاته الدينية التي تتسم بقوة القانون عندما تصدر من قبل الأزهر، لكنه كان أيضا عضوا في حزب مبارك الممقوت، الحزب الوطني الديمقراطي، كما أن مبارك هو من وضعه في هذا المنصب.

وقبيل أيام من أداء المجلس الجديد للقسم، وافق المجلس العسكري الحاكم في مصر، على قانون يمنح لجنة من العلماء حق اختيار الإمام الأكبر، لكن ذلك سيسمح للطيب بالتدخل بشكل كبير في اختيار اللجنة.

غير أن سياسيي حزبي النور والإخوان المسلمين، الذين أبدوا ترددا في معارضة المجلس العسكري بشأن الكثير من القضايا، يؤكدون أنهم سيعارضون هذا القرار. يقول محمد نور، المتحدث باسم حزب النور: «تحرير مؤسسات الدولة مثل الأزهر، أكثر أهمية بالنسبة لنا من انتخاب الرئيس أو إعادة كتابة الدستور. فضمان استقلالية المؤسسة التي تحدد ما هو إسلامي وما هو غير ذلك أمر بالغ الأهمية».

وأشار نور إلى أن السبيل الوحيد لضمان استقلال حقيقي هو اختيار الإمام الأكبر عبر الانتخاب، وينبغي أن يشارك فيه كل خريجي الأزهر أو حتى كل المصريين.

ويضيف نور: «إذا كنا نتحدث عن غرس القيم الديمقراطية في مجتمعنا، فلماذا لا يفتح المنصب أمام الجميع للتصويت عليه؟».

خلف المطالبة بالقيم الديمقراطية تكمن ثقة كبيرة، فقد اكتسبت المدرسة السلفية الصارمة والمتزمتة التي ينتمي إليها نور عددا متزايدا من الأنصار خلال السنوات الأخيرة.

تختلف المدرستان اختلافا كبيرا، حيث تركز تعاليم الأزهر، بصورة تقليدية، على التعددية الدينية ومحاولة التوفيق بين النصوص الدينية وحقائق العصر الحديث، أما السلفيون فيفضلون التمسك بالنهج المتشدد، مثل طول اللحية.

والأزهر منذ تأسيسه في القرن العاشر الميلادي يحمل لمسة لا تضارع من الفكر الإسلامي، ويقود المؤمنين في فهمهم للعقيدة، ويقوم بتعليم الملايين عبر جامعته الفريدة ونظامه التعليمي, وهناك إجماع واسع عقب ثورة 25 يناير بين السياسيين في مصر على أن الأزهر يحتاج إلى مزيد من الاستقلالية.

وفي مكتب شيخ الأزهر في وسط القاهرة، يعترف مستشاروه بأن منهجهم في التفكير يتعرض للتهديد، فيقول محمد مهنا، أستاذ القانون الذي يعمل مستشارا لشيخ الأزهر: «الأزهر مستهدف دون شك، فالتيارات الدينية الجديدة تحظى بانتشار واسع في الشارع، لكنها غير دقيقة من الناحية الدينية، وتخالف المدرسة المعتدلة للتفكير التي ينتهجها الأزهر».

وأشار محللون إلى أن شيخ الأزهر عمد إلى تهدئة معارضيه عوضا عن الدخول في معركة معهم، فيقول أشرف الشريف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية: «إنهم في منافسة، لكنهم في الوقت الراهن يتعاونون. السلفيون يريدون الحصول على المصداقية العلمية من الأزهر، فيما يرغب الأزهر في الفوز بشعبية الشارع التي يحظى بها السلفيون».

*«واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»