قائد سلفي مغربي: وزير العدل صادق.. والإفراج عني وزملائي كان حصيلة جهود كثيرة

حسن الكتاني في حوار مع «الشرق الأوسط» : «شيوخ السلفية الجهادية» لقب ألصق بنا ولم نتبنه

حسن الكتاني
TT

قال حسن الكتاني، أحد قادة ما يسمى «السلفية الجهادية» في المغرب، الذي أفرج عنه مع مجموعة من المعتقلين مؤخرا بعد أن قضى تسع سنوات في السجن، عقب قرار عفو أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس، إنه باستثناء مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، لم تتصل بهم أية جهة حكومية أو غير حكومية عقب الإفراج عنهم. ونفى في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرباط أن يكون الرميد طلب منهم الصمت، وعدم الإدلاء بتصريحات صحافية، حول الفترة التي كانوا خلالها في السجن. وفيما يلي نص الحوار:

* وجه لكم مصطفى الرميد وزير العدل والحريات دعوة للقاء به في منزله (القادة الثلاثة المفرج عنهم) ماذا دار خلال اللقاء؟

- مبادرة الرميد كانت عبارة عن تكريم لنا من هذا الرجل الفاضل، وعلاقتنا وبعض إخواننا مع الأستاذ الرميد علاقة قديمة، إذ كانت مع والدي، رحمه الله، ثم معي قبل هذه المحنة، كما كانت له علاقة مع الأسرة منذ أيام الشباب، ثم إن الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، الأمين العام الأول لحزب العدالة والتنمية كان قد طلب منه أن يدافع عني في هذا الملف. وكان له دور كبير في الدفاع عني وعن أبو حفص (محمد عبد الوهاب) بالخصوص، كان محاميا لنا نحن الاثنين، وبذل مجهودا كبيرا في جميع أطوار المحاكمة. ولما جاءت اللحظة الحاسمة للإفراج عنا، كانت له اليد الطولى، هو الذي اقترح أسماءنا ضمن لائحة العفو، لذلك أراد الوزير الرميد أن يكرمنا، فاستدعى جماعة من قيادات الحركات الإسلامية من «حركة الإصلاح والتوحيد» ومن الجمعيات الحقوقية: «منتدى الكرامة لحقوق الإنسان» و«حركة العدالة لحقوق الإنسان» وبعض الصحافيين والأصدقاء والمقربين.

* قلت إن الاستقبال كان من أجل التكريم وتذكر لحظات طيبة جمعت بينكم، ولكن هناك من قال إن الوزير طلب منكم الصمت، وعدم الحديث عن تجربة السجن؟

- في الحقيقة، ذكرت بعض الصحف (صحف محلية) أمورا في غير سياقها. الوزير في آخر الجلسة بعد أن انتهينا من وجبة الغداء، وقف وألقى كلمة، واستحضر جميع مراحل المحنة من أولها إلى آخرها، فكان من ضمن ما قال في آخر كلامه إن تحركاتنا ومواقفنا وتصرفاتنا لها تأثير كبير على باقي السجناء الذين ما زالوا في السجن. ومثل هذا الكلام، يعتبر بمثابة نصيحة من رجل خبير بالساحة. وليس كما قاله بعض الناس من أن الرجل حذرنا. الوزير الرميد رجل صادق، يعرف كيف يضع الكلام في موضعه، هو أراد أن يقدم لنا النصيحة من أجل أن نشترك ونشارك جميعا لنقترح أو نتعاون على فكرة أو مبادرة لإطلاق سراح باقي السجناء.

* ربما لم يتمكن إلا من طلب العفو لـ3 أسماء من بين المعتقلين، أنت وأبو حفص وعمر الحدوشي؟

- أولا، الأسماء التي تحدثت عنها هي أسماء لأشخاص كان يدافع عنهم، ويعرف ملفهم وتفاصيل ما فيه. ثانيا هذه الأسماء لأناس معروفين إعلاميا دافع عنهم كثير من الناس وعدد من الجمعيات، وكان قد صدر قرار من الأمم المتحدة سعت إليه جمعية الكرامة لحقوق الإنسان لإطلاق سراحي.

* هل كان للقرار الأممي دور أهم من المبادرات داخل المغرب؟

- لا يمكن أن أقول هذا، لكن الحقيقة أن إطلاق سراحي كان محصلة لجهود كثيرة، وليس جهدا لشخص أو طرف واحد فقط، جهود كثيرة لم تتوقف منذ اعتقالي إلى أن جاء الفرج.

* كيف صدر هذا القرار من الأمم المتحدة؟

- هيئة الكرامة لحقوق الإنسان جمعية دولية، يوجد مقرها في جنيف. هذه الجمعية أعدت ملفا يشتمل على كثير من المعلومات حول قضيتي من بدايتها إلى نهايتها، وأرسلت رسالة إلى وزارة العدل المغربية، ووجدت أن الملف فارغ، ليس فيه شيء يدعو إلى اعتقالي كل هذه المدة والحكم علي بعشرين سنة سجنا، هذه الأسباب كانت وراء إصدار هذا القرار الأممي.

* هل ينسحب نفس الشيء على أبو حفص وعمر الحدوشي وآخرين؟

- يشكل أبو حفص عنصرا أساسيا في هذا الملف، لأننا من خلال هذه السنوات كلها، من أولها إلى آخرها، كنا نحاكم في ملف واحد، صحيح أن الحدوشي لم يكن معنا في نفس الملف لكن قضيته تشابه قضيتنا، ولا تختلف عنها وهي ما سمي إعلاميا بـ«شيوخ السلفية الجهادية»، ونحن لا نعترف بهذه التسمية، أقصد اللقب الإعلامي الذي أعطي لنا.

* لماذا ترفضون هذا اللقب؟

- هذا اللقب ألصق بنا ونحن لم نتبناه، وبالتالي نرفض هذه الألقاب التي تم تحميلها بحمولة ترتبط بالتكفير والإرهاب وأمور يستنكف الإنسان أن تنسب إليه.

* ألم تكفروا أحدا أو دعيتم إلى عمل يمكن اعتباره إرهابا؟

- قضيتنا أكبر من هذه الاتهامات السخيفة، نحن تكلمنا عن مسائل تهم الأمة الإسلامية في وقت معين، كان هناك ما سمي بالحرب على الإرهاب. هذه الحرب التي شنت تحت ذريعة محاربة الإرهاب، حصل فيها ظلم كبير لكثير من الشعوب، وظلم فيها كثير من الناس بشهادات عدد من منظمات حقوق الإنسان العالمية، وحصل في هذه الحرب الكثير من الشطط.

* في رأيك هل انتهت حرب الأميركيين على الإرهاب وهل حققت أهدافها؟

- انتهت الحرب على الإرهاب رسميا كما وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد وصوله إلى البيت الأبيض بنهج سياسة أخرى، حيث قال أوباما إنه لم يكن موافقا على سياسة جورج بوش الابن بهذا الشأن، ولم يستطع أن يفي بوعوده، كما أن السياسة التي اتبعها أثرت فيها النزعات الانتقامية، الشيء الذي جعل هذه الحرب تأتي بنتائج عكسية وكارثية ولعل من تداعياتها ما يحدث الآن في أفغانستان، عندما نرى الكثير من الأفغان داخل الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الأفغانية ثاروا ضد الأميركان نظرا لتدنيس هؤلاء للمصاحف وما إلى ذلك، بسبب تدخل العوامل الدينية، ومن ذلك أن الجنود الأميركيين يتبولون على جثث الشهداء الأفغان، الشيء الذي يثير المسلمين في العالم كله، وتكون نتائج الحرب على الإرهاب عكسية وخلافا لما كانت تتصورها أميركا، لأن العنف لا يولد إلا العنف المضاد والحقد أيضا.

أعود للحديث عما جرى عندنا في المغرب، وأرى أنه اتهمنا بالكلام في هذه المواضيع، وكانت صدرت فتوى شارك فيها بعضنا، وتم توقيعها من قبل 16 عالما، وتطرقت هذه الفتوى لأمور تهم الأمة الإسلامية ما زال كل العلماء المسلمين يذكرونها في مختلف المناسبات التي تشبه المناسبة التي كتبت فيها. وهذا ما جرّ علينا هذه التهم السخيفة، ونحن والحمد لله أبرياء منها. وقد بينا ذلك في كتاباتنا ومؤلفاتنا وفي حياتنا وخطبنا ودروسنا وهذا أمر معروف عنا، ثم إن العقلاء الذين يعرفوننا لا يشكون في براءتنا من التهم التي نسبت إلينا، وهي تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو (أيار) 2003. علما أنه تم إلقاء القبض علينا قبل هذه التفجيرات بثلاثة أشهر. أنا ألقي القبض علي في 17 فبراير (شباط) من نفس السنة، ووجهت إلي تهمة مخالفة مذهب الإمام مالك. بعد ذلك اتهمت بتهمة أخرى، وأذكر هنا أنه ألقي القبض علي ثم بدأ البحث عن التهم التي يمكن أن توجه ضدي، خلافا لما يجري به العمل. أما التهمة الثالثة، فتعود إلى ما قبل تفجيرات الدار البيضاء بسنة أيضا وتقول التهمة إننا أنشأنا معسكرا في غابة المعمورة بضواحي مدينة سلا، والحقيقة أن هذه التهمة كانت مضحكة أيضا.

* إذا كانت مثل هذه التهم مضحكة هل هذا يعني أن السلطات لم تجد ما تبرر به اعتقالكم؟

- في الحقيقة، كان هذا الذي قيل إنه معسكر، مجرد نزهة حيث اعتدنا أن نخرج إلى ضواحي المدينة، ونتناول طعام الغداء ونلعب كرة القدم ثم ينصرف كل واحد إلى حال سبيله، وذلك ما حدث في ذلك اليوم. وتحولت النزهة إلى تهمة بإنشاء معسكر تدريبي، لكنهم نظرا لعدم استطاعتهم إثبات هذه التهمة بحثوا عن عصابة للمسمى «فكري»، الذي كان متهما بالقتل، وسلب أموال الناس باسم الإسلام، وأرادوا أن يجعلونا ضمن مجموعته، وهذه أيضا تهمة لم يتمكنوا من إثباتها، خاصة أن «فكري» أصدر بيانا تبرأ فيه منا، وقال إنه لا علاقة له بنا، وإنهم يضغطون عليه لكي يعترف بأننا نحن من أجاز له أفعاله.

* ماذا حصل بعد هذه التهم؟

- بعد ذلك وقعت تفجيرات الدار البيضاء، وبعد مرور شهر أعيد تكييف الأمور من جديد، واتهمنا بأننا نحن الذين قمنا بشحن عقول الذين نفذوا تلك التفجيرات، واتهمنا بالقضية كلها، ولذلك نقل ملف قضيتنا من الرباط إلى الدار البيضاء.

* ألم تتصل بكم جهة أخرى غير وزارة العدل؟

- لم يحصل بيننا وبين السلطات أو بين المسؤولين ولا أي شخص من طرف الحكومة وما إلى ذلك، أي اتصال أو مناقشة أو تصحيح لأفكار، هذا لم يحصل خلال هذه الفترة على الأقل معي شخصيا.

* ألم تقترح عليكم أي جهة ما إنشاء حزب سياسي مثلا؟

- لا.. لم يحدث هذا، لم يطرح علينا الموضوع، سواء قبل الإفراج عنا أو بعده، لم يحصل أي تواصل أصلا معنا من قبيل وضع شروط علينا، أو رسم خطوط حمراء أمامنا.

* كم يقدر عدد السجناء الباقين في المعتقلات؟

- أعتقد أن عددهم يصل إلى 500 شخص، موزعين على مختلف السجون، لأنه منذ التفجيرات بالدار البيضاء إلى يومنا هذا ألقي القبض على آلاف الناس لكن الباقي منهم في السجون بعد الغربلة وبعد الإفراج عن آخرين، هو العدد الذي ذكرت.

* كيف ترى معالجة هذا الملف؟

- الحل يكمن في التعقل والمحاورة وفتح باب النقاش العلمي الجاد، لأن كثيرا من الشباب عندما يرون أن السلطات تضطهدهم وتظلمهم وتعذبهم، هذه التصرفات تولد لديهم نتائج أقل ما نقول عنها الحقد على من فعل هذا، وأكثر من ذلك ربما تولد الغلو، وأنا شاهدت داخل السجون المغربية الكثير من الشباب ممن تعرضوا للتعذيب وهم صغار السن ويحتاجون إلى العطف والتوجيه وليس العكس، لذلك يفترض أن تتعامل الدولة مع أبنائها مثلما ينبغي أن يتعامل الأب المسؤول مع أبنائه.