مسؤولون أميركيون: إيران تزود النظام السوري بالسلاح

قالوا إن طهران متورطة في إجراءات الأسد القمعية أكثر مما كان يعتقد في السابق

لقطة من موقع يوتيوب تظهر دبابة للجيش السوري أثناء توغلها بمدينة حوران (أ.ف.ب)
TT

صرح مسؤولون أميركيون بأنهم يدركون الدور الذي تلعبه إيران في الإجراءات القمعية الآخذة في التصاعد، التي تمارس ضد معاقل المعارضة في سوريا، وأن لديهم أدلة على تقديم إيران دعما عسكريا واستخباراتيا، لقوات الحكومة المتهمة بارتكاب جرائم إعدام جماعي وكثير من الفظائع الأخرى، خلال الأسبوع الماضي.

وتحدث ثلاثة مسؤولين أميركيين مطلعين على تقارير استخباراتية واردة من المنطقة عن حصول الرئيس السوري بشار الأسد على أسلحة ومساعدات أخرى من إيران، في وقت يشن فيه النظام هجوما غير مسبوق لسحق المقاومة في مدينة حمص.

وقال واحد من المسؤولين، أصر على عدم ذكر اسمه في مقابل الكشف عن التقارير الاستخباراتية المقبلة من المنطقة: «المساعدات الإيرانية تتزايد، وهي تتركز بشكل متزايد على المساعدات القاتلة».

وقد أكدت تقارير (مدعومة بنتائج وصلت إليها الاستخبارات الأميركية) تنامي الدور الإيراني في النزاع، حيث جرح عنصر إيراني مؤخرا أثناء تعاونه مع قوات الأمن السوري داخل البلاد.

ويأتي تدفق المساعدات العسكرية على الأسد في الوقت الذي تدرس فيه الدول العربية تسليح معارضي النظام، مما يزيد من خطر اتساع رقعة النزاع الذي يخشى المسؤولون الأميركيون أن يمتد إلى البلدان المجاورة.

كما تأتي هذه التقارير الاستخباراتية التي تتحدث عن تصاعد الدعم الإيراني لسوريا في ظل سعي المسؤولين الأميركيين إلى حشد دعم دولي للجهود التي تبذل لإقصاء الأسد عن السلطة دون اللجوء إلى تسليح الثوار، وهي خطوة تلقى معارضة من إدارة الرئيس أوباما. وتعتبر المعلومات التي كشفها المسؤولون الثلاثة الذين اعتمد عليهم هذا المقال أكثر تفصيلا مما تم الكشف عنه في السابق، وإن كان من الصعب على وجه العموم التحقق بصورة فردية من صحة مثل هذه الروايات.

ولم تخف إيران دعمها لنظام الأسد، على الرغم من أن الرئيس محمود أحمدي نجاد دعا أكثر من مرة إلى حل سلمي للنزاع، الذي بدأ منذ عام تقريبا.

عناصر غريبة ترتدي ملابس سوداء:

وتتفق التقديرات الاستخباراتية الأميركية مع ما قاله الثوار السوريون مؤخرا حول تصاعد التورط الإيراني في الإجراءات القمعية، ويستشهد زعماء المعارضة بحالات الانشقاق في القيادة العليا للجيش السوري للتدليل على أن إيران أرسلت إلى سوريا مئات المستشارين والمسؤولين الأمنيين ورجال الاستخبارات، إضافة إلى أسلحة وأموال وأجهزة مراقبة إلكترونية.

يقول عمار عبد الحميد، ناشط سياسي مقيم في واشنطن وعضو «فريق عمل سوريا» بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن: «إيران متورطة في الإجراءات القمعية التي يتخذها بشار الأسد بأكثر مما كان يعتقد في السابق». وقد ترددت لأشهر طويلة على نطاق واسع داخل سوريا، أنباء عن ظهور رجال ذوي لحى سوداء، يتحدثون لغة أجنبية ويعتقد أنهم إيرانيون، إلى جانب القوات السورية، لكن ناشطين اعترفوا بأنه ليس لديهم دليل قوي على أن الإيرانيين يشاركون فعليا في الهجمات.

يقول عمر شاكر، الذي جاء منذ أسبوع إلى لبنان هاربا من معقل المعارضة السورية السابق في بابا عمرو بمدينة حمص: «رأينا بعض الأدلة لكننا لا نستطيع إثباتها. رأينا رجالا طوال القامة وضخام الجثة يرتدون ثيابا سوداء».

ويحتفظ الجيش السوري الحر بسبعة من الأسرى الإيرانيين تم اعتقالهم في مدينة حمص في ديسمبر (كانون الأول). وتقول الحكومة السورية إنهم عمال بإحدى محطات الكهرباء، لكن الثوار يؤكدون أنهم يعملون لحساب الحرس الثوري الإيراني. وما زال أحد عشر حاجا إيرانيا تم اختطافهم في يناير (كانون الثاني) مفقودين، حسبما أعلن التلفزيون الإيراني السبت الماضي.

وقد أسهم الاعتقاد بتقديم إيران العون في الإجراءات القمعية السورية، في شحذ المشاعر الطائفية بين أبناء الدولة ذات الأغلبية السنية الساعية إلى إسقاط نظام الأسد، الذي تهيمن عليها أقلية الطائفة العلوية، أحد مذاهب المنهج الشيعي، التي تنتمي إليها أسرة الأسد.

وكانت هناك أيضا ادعاءات واسعة النطاق، لكن لم تثبت صحتها، بأن ميليشيات حزب الله الشيعية اللبنانية تساعد في أعمال القمع. وقد دافعت الدول العربية ذات الأغلبية السنية، مثل السعودية وقطر، عن تسليح المعارضة.

وقد رفض المسؤولون الأميركيون التعامل مع المزاعم بشأن أعمال بعينها، لكن أحد المسؤولين، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن الوكالات الاستخبارية لديها تقارير موثقة عن مساعدات واسعة النطاق. وقال المسؤول: «قاموا بتزويدهم بالمعدات والأسلحة والمساعدة الفنية (حتى أدوات المراقبة) للمساعدة في إخماد الاضطرابات، حتى إن مسؤولين أمنيين إيرانيين سافروا إلى دمشق لتقديم هذه المساعدة».

وأوضح مسؤول أميركي رفيع ثان أن عناصر وكالة الاستخبارات الإيرانية الرئيسية، وزارة الاستخبارات والأمن، يساعدون نظراءهم السوريين المسؤولين في أعمال القمع. وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد فرضت الشهر الماضي عقوبات ضد جهاز الاستخبارات معللة ذلك بالدعم «المالي والمادي والتكنولوجي» المقدم للعمليات القمعية في سوريا. وكانت واشنطن قد فرضت في السابق عقوبات ضد قوة القدس، النخبة الإيرانية، لتقديمها التدريب والمعدات لوحدات الأمن السورية. من ناحية أخرى لعبت الاستخبارات الإيرانية دورا بارزا في الإجراءات القمعية التي شهدتها طهران ضد الحركة الخضراء عام 2009، والتي ارتبطت بادعاءات بانتهاكات جنسية وعمليات تعذيب وإعدامات وهمية لمتظاهرين. ويعتقد الآن أنها «تصدر هذه الممارسات الآثمة لدعم الإجراءات القمعية المقيتة للنظام السوري ضد شعبه»، بحسب ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الاستخبارات المالية والإرهاب.

وأكد المسؤولون الأميركيون أن قائد قوة القدس، الجنرال قاسم سليماني، قام بزيارة واحدة على الأقل إلى دمشق خلال الأسابيع الأخيرة.

وكانت نجاح العطار، نائبة الرئيس السوري، قد استضافت عددا من الصحافيين يوم السبت في دمشق، وأثنت خلال المقابلة على «أهمية العلاقات التاريخية بين سوريا وإيران». وقالت، بحسب مسؤول بوكالة الأنباء العربية السورية: «العلاقات السورية مع إيران لا تزال وثيقة، وهي مبنية على أسس قوية تخدم شعبي البلدين وتسهم في تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط».

تقارير عن عمليات إعدام جماعية:

وفي أحدث عمل عدائي، اجتاحت القوات السورية منطقة بابا عمرو وطردت مقاتلي الثوار. وقد أنهت هذه الخطوة 27 يوما من الحصار لحي بابا عمرو الذي سيطرت عليه المعارضة لأسابيع. وكان ناشطون وأعضاء في جماعات حقوق الإنسان قد اتهموا القوات السورية بشن حملة انتقامية ضد الحي، وأعدموا الأسرى ونهبوا المنازل وقصفوا مئات المباني بشكل عشوائي. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، إن ما لا يقل عن 700 شخص سقوط خلال أسابيع القتال في المنطقة.. ووصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، فيكتوريا نولاند، الموقف في حمص بـ«المروع تماما». واستمرت أحداث العنف تعصف بأرجاء سوريا يوم السبت، حيث أعلنت التقارير الصادرة عن لجان التنسيق المحلية مقتل 80 شخصا بمختلف أنحاء الدولة. وكان من بين القتلى 47 ضابطا قيل إنهم لقوا مصرعهم جراء إعدام جماعي رميا بالرصاص، عقب محاولتهم الانشقاق في إقليم إدلب الشمالي المضطرب. ووردت تقارير أيضا عن تجدد عمليات القصف في الكثير من الأحياء الأخرى المجاورة لحمص، حيث يبسط الجيش السوري الحر نفوذه. وأفادت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) بأن ثلاثة أشخاص قد لقوا مصرعهم في تفجير انتحاري وقع في إقليم درعا الجنوبي. وقد ذكرت أيضا أنه تم تشييع جنازات 21 فردا من قوات الأمن قضوا نحبهم في أعمال العنف التي جرت في اليوم السابق.

وما زالت السلطات السورية تمنع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من دخول حي بابا عمرو، بعد يومين من اجتياحه من قبل قوات النظام السوري في أعقاب انسحاب الجيش السوري الحر. وصرح متحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف لوكالة «أسوشييتد برس» بأن النظام يتذرع بدواع أمنية من أجل رفض السماح لممثلي اللجنة بدخول سوريا

*ساهمت ليز سلاي في إعداد التقرير من بيروت

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»