ليبيا: الإعلان عن تأسيس «إقليم فيدرالي اتحادي» في برقة

اختيار الشيخ أحمد السنوسي رئيسا لمجلسه الأعلى

أحمد زبير السنوسي، عضو المجلس الانتقالي الليبي، يلوح لمؤيديه في بنغازي أمس (أ. ف .ب)
TT

أعلن زعماء قبائل وسياسيون ليبيون أمس في مدينة بنغازي تأسيس «إقليم فيدرالي اتحادي» في منطقة برقة بشرق ليبيا، واختاروا الشيخ أحمد الزبير الشريف السنوسي رئيسا لمجلسه الأعلى.

وقرر مؤتمر عقد بمشاركة قرابة 3 آلاف شخص من أهل برقة «تأسيس مجلس إقليم برقة الانتقالي برئاسة الشيخ أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي لإدارة شؤون الإقليم والدفاع عن حقوق سكانه في ظل مؤسسات السلطة الانتقالية المؤقتة القائمة حاليا واعتبارها رمزا لوحدة البلاد وممثلها الشرعي في المحافل الدولية».

وبرقة التي تشمل الشطر الشرقي من ليبيا هي أول منطقة تعلن «إقليما فيدراليا اتحاديا» يتمتع بحكم ذاتي منذ مقتل العقيد معمر القذافي الذي حكم ليبيا أكثر من 40 عاما.

وأعلن المشاركون في المؤتمر أن نظام الاتحاد الفيدرالي هو خيار الإقليم كشكل للدولة الليبية الموحدة في ظل دولة مدنية دستورية شريعتها الإسلام من قرآن وسنة.

كما أعلن المشاركون في بيانهم الختامي اعتماد الدستور (دستور الاستقلال الصادر عام 1951) كمنطلق مع إضافة التعديلات وفقا لما تقتضيه ظروف ليبيا الراهنة، والتأكيد على عدم شرعية تعديله عام 1963 للمخالفة الدستورية الواضحة، كما جددوا رفض الإعلان الدستوري، وتوزيع مقاعد المؤتمر الوطني، وقانون الانتخابات، وكافة القوانين والقرارات التي تتعارض مع صفة السلطة القائمة كسلطة انتقالية.

وأكدوا تمسكهم بقيم ومبادئ ثورة 17 فبراير (شباط)، وحماية كافة حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة والعمل الفوري على تفعيل القضاء وحمايته.

كما أقر المشاركون دعمهم الكامل لبناء الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية، ودعم الثوار وتنظيمهم لحماية الأمن والاستقرار في الإقليم وفي ليبيا، كما أكدوا أن أزلام النظام المنهار وأتباعه وأعوانه بكل ما تحمل هذه الكلمات من معان لن يكون لهم أي دور في هذا المشروع.

وقال شهود عيان من مدينة طبرق لوكالة الأبناء الألمانية في اتصال هاتفي أمس إن مدينة طبرق شهدت الاثنين مظاهرة رافضة للدعوة للفيدرالية، وإن المتظاهرين الذين تجمعوا بميدان الشهداء بوسط المدينة أعلنوا رفضهم لهذه الدعوات التي وصفوها بأنها دعوات مبطنة لتقسيم ليبيا وخيانة لدماء شهداء ليبيا شرقها وغربها شمالها وجنوبها.

وأوضح الشهود أن الجموع من أهالي المدينة وشبابها طافوا قبل التجمع بالميدان الشوارع الرئيسية للمدينة ورددوا هتافات تؤكد على اللحمة الوطنية وبوحدة ليبيا وترابها من بينها «ليبيا دولة واحدة، وجسم واحد لا يقبل القسمة أو التقسيم».

وفي سياق ذلك، قال مسؤول ليبي عمل لسنوات في ظل النظام السابق، ويقيم الآن في مصر: «قد تؤدي هذه المحاولات إلى تفكيك البلاد، وإعادة توزيع مواردها النفطية والطبيعية ستؤدي لحدوث خلل كبير في توزيع الموارد على عدد السكان بشكل عادل، فالكيان الجديد (برقة) فيه نحو 66% من احتياطات النفط الليبي، فيما يسكنه فقط 25% من سكان البلاد».

وبعد سقوط نظام القذافي في صيف العام الماضي، ظهر الكثير من الخلافات والصدامات بين القبائل، وظهر عدد كبير من التشكيلات المسلحة التي يحارب بعضها بعضا. أما الجيش الليبي، فلا يزال يعيش مرحلة التكوين، بينما تحاول حكومة طرابلس الضعيفة استخدام كل الوسائل للحيلولة دون إعلان حكم ذاتي في الإقليم الشرقي.

ويضيف المسؤول الليبي الذي تحدث شريطة عدم تعريفه، أن حكومة عبد الرحيم الكيب الحالية «لا تتوفر لديها الآن الإمكانات الكافية لإيقاف هذه العملية. الوضع معقد، وقد تستغرق معالجته سنوات أخرى، خاصة مع استمرار انتشار السلاح والشعور بقوة توازي قوة الدولة لدى بعض المجموعات المسلحة، خاصة في العاصمة».

يذكر أنه ساعد في تنظيم المؤتمر محمد بويصير، الذي يحمل الجنسيتين الليبية والأميركية. ونقلت عنه وسائل إعلام أمس قوله: «نود في برقة أن نهتم بالإسكان والتعليم وأمور أخرى، وسنفوض الحكومة المركزية في شؤون الأمن القومي والدفاع»، وأضاف أن فترة حكم القذافي عانت فيها برقة من الإهمال لمدة 40 سنة، و«إذا استمر هذا الإهمال، فلن تصبح ليبيا موحدة».

ويقول المراقبون إن الدعوة لنظام حكم فيدرالي ازدادت بسبب شعور أبناء المنطقة الشرقية بالتهميش لسنوات طويلة أيام حكم القذافي، وعدم حصولهم على نصيب عادل من ثروة ليبيا لفترة طويلة، وشجعها أيضا في هذه المرحلة ضعف الحكومة المركزية التي تولت السلطة الحالية بعد الإطاحة بالقذافي.

ويكتب الليبيون عن موضوع الفيدرالية بطريقة تعكس مخاوف من المستقبل، قائلين إن مثل هذا القرار من منطقة برقة قد يؤدي إلى تحرك المزيد من المناطق للمطالبة بالمثل، وإعلان حكمها ذاتيا، مما سيؤدي إلى زعزعة الحكومة المركزية، وفقد المزيد من عقود شركات النفط الأجنبية لأن معظم احتياطات ليبيا النفطية موجودة في برقة، فيما تتخذ أكبر شركات النفط المملوكة للدولة مقرا رئيسيا لها في بنغازي.

وتحركت بضع مسيرات مساء الاثنين الماضي إلى محكمة بنغازي للتعبير عن معارضتها لذلك، مرددة هتافات: «ليبيا موحدة» و«لا تفككوا ليبيا». وعلى الجانب الآخر، كانت هناك احتجاجات كثيرة رافضة للفيدرالية، في مدن ليبية عدة؛ منها طرابلس وبنغازي والبيضاء وشحات ودرنة وطبرق، ورافضة لإعلان إقليم برقة الممتد من حدود مصر في الشرق إلى سرت غربا، وهتف فيها المتظاهرون بأن ليبيا التي تخلصت من نظام القذافي «لا شرقية ولا غربية»، مؤكدين أن الدماء التي أريقت لم تكن من أجل الفيدرالية.

ورفع متظاهرون في بنغازي معارضون للحكم الفيدرالي أمس لافتات تنادي بالوحدة الوطنية قائلين إن «دماء شهداء ليبيا الحرة لن تذهب هباء»، وأصدرت جهات سياسية وحقوقية وأحزاب مختلفة سيلا من بيانات التنديد بالفيدرالية. ورفض بيان القوى الوطنية الموقع من 40 تجمعا سياسيا وحقوقيا ومؤسسة مدنية؛ أبرزهم تجمع «ليبيا الديمقراطية» وجماعة الإخوان المسلمين، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، وحزب «الوطنيين الأحرار»، و«اتحاد ثوار ليبيا»، و«اتحاد ثوار 17 فبراير»، و«الانطلاقة الأولى»، و«تجمع ليبيا الشباب الديمقراطي»، أي دعوات تنادي بالعودة إلى النظام الاتحادي الذي كان يقوم على تقسيم ليبيا إلى 3 ولايات، لكل منها حكومة ومجلس تشريعي.

ومن المعروف أن ليبيا ظلت تدار على أسس فيدرالية نحو 10 سنوات بعد استقلالها عام 1951. ونقلت السلطات إلى برقة شرقا وإقليم فزان في الجنوب وإلى طرابلس في الغرب، وأصبحت لليبيا حكومة مركزية في آخر سنوات حكم الملك إدريس السنوسي الذي تلاه القذافي عندما وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1969.