في باكستان.. العائلات لا تنسى ذويها المفقودين

أقاموا مخيما بالقرب من مقر البرلمان في إسلام آباد.. مطالبين بالحصول على إجابات

باكستانية تشارك في اعتصام وسط اسلام اباد للتذكير بالمفقودين (واشنطن بوست)
TT

تجمعوا في مجموعات صغيرة تحت قماش مشمع برتقالي ساطع، جالسين على بعض السجاد وسجاد الصلاة الذي وضع جنبا إلى جنب لحمايتهم من برد الأرض القارص في شهر فبراير (شباط). كان بعض المتظاهرين يستريحون والبعض الآخر يتشاركون في وجبة من العدس والخبز، بينما كان البعض الآخر يمسكون بقوة بملصقات قاموا بعملها في المنازل تحمل صور وأسماء أحبائهم المفقودين والتي كتبت بشكل أنيق.

قام أطفال وشيوخ وربات بيوت وعمال وعائلات بأكملها تمثل ما يعرف في باكستان باسم «الأشخاص المفقودين» بإقامة مخيم تظاهر بالقرب من مقر البرلمان في إسلام آباد، مطالبين بالحصول على إجابات عن أماكن تواجد أقربائهم. تقول قائدة المجموعة أمينة مسعود جانجوا: «يعيش هؤلاء الناس على الأمل. ليس لدينا بنادق أو سلاح نووي، ولكن قوتنا تنبع من كلماتنا وأحزاننا».

اختفى زوج أمينة رجل الأعمال مسعود أحمد جانجوا، والذي يبلغ من العمر الآن 51 عاما، منذ 6 أعوام، والذي تقول عنه أمينة إنه شوهد للمرة الأخيرة في روالبندي، وهي مدينة خارج العاصمة، حيث كان في طريقه إلى بيشاور.

يعتبر جانجوا واحدا من مئات، إن لم يكن آلاف، «اختفوا» والذين قامت وكالة الاستخبارات القوية في باكستان باحتجازهم في معتقلات من دون محاكمة، طبقا لمسؤولي حقوق الإنسان، فيما تزعم وكالة الاستخبارات أن الأشخاص المفقودين إرهابيون وأعضاء في ميليشيات إسلامية.

وأشارت أمينة إلى الشكوك بشأن وقوف وكالة الاستخبارات في باكستان، والمعروفة اختصارا بـ(آي إس آي)، وراء اعتقال هؤلاء الإرهابيين المفترضين، لأنه حين يتم السماح لهؤلاء المعتقلين بالعودة إلى منازلهم يقولون: إنهم كانوا محتجزين من قبل أجهزة المخابرات.

وتنكر الوكالة التورط في معظم هذه الحالات، وحينما تعترف الوكالة بالتورط تبرر أعمال القبض بأنها كانت من أجل وقف التشدد الإسلامي.

نتيجة لذلك، أمرت المحكمة العليا في باكستان في الشهر الماضي مسؤولي المخابرات بتقديم 7 من الأشخاص المفقودين إلى المحكمة. حيث حوكم هؤلاء الأشخاص وتمت تبرئتهم من تهمة مهاجمة منشآت تابعة للجيش والمخابرات، ولكن البعض زعم أن قوات الأمن ألقت القبض عليهم ثانية في وقت لاحق. تناقلت قصتهم وسائل الإعلام المحلية بعد ظهورهم في المحكمة، وأطلقت عليهم وسائل الإعلام اسم «مساجين أديالا الأحد عشر»، على اسم سجن أديالا الذين سجنوا فيه في روالبندي.

بدا هؤلاء الرجال في الصور التي التقطت لهم شديدي الضعف، بالكاد أحياء، مما أعطى للرأي العام لمحة عما يحدث داخل قاعات المحكمة في إسلام آباد، حيث يتكرر التلاعب في إجراءات المثول أمام القضاء بصورة مروعة، إذ لم يمثل سوى 7 فقط من المساجين البالغ عددهم 11 أمام المحكمة، لأن الأربعة الباقين لقوا حتفهم بالفعل في المعتقل.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها مشاهدة هؤلاء الرجال علانية منذ أكثر من عام ونصف. وأصيبت والدة أحد المعتقلين بأزمة قلبية حادة في اليوم التالي لجلسة المحكمة متأثرة بحالة ابنها. وقالت وسائل الإعلام المحلية إن المرأة ماتت متأثرة بمنظر ابنها في المحكمة.

من جانبها وصفت منظمات حقوق الإنسان، ومن بينها منظمة العفو الدولية، الاعتقالات من دون محاكمة بأنها مخالفة لأبسط حقوق الإنسان. وتتشابه إلى حد بعيد مع السياسة التي تنتهجها الحكومة الأميركية في معتقل غوانتانامو، حيث يتم اعتقال الأشخاص لعدة سنوات دون الحصول على حقهم في العرض على محكمة.

كما لم يتم توجيه أي اتهام لأعداد كبيرة من هؤلاء المعتقلين. ولكن أكثر ما يثير القلق هي تصنيفهم في عداد المفقودين، حيث تنكر قوات الأمن في معظم الحالات قيامها باحتجاز هؤلاء الرجال.

تقول جانجوا: «يعودون لممارسة نفس الأكاذيب القديمة. آه، لم يتم اختطاف زوجك... لا لا لقد قامت طالبان باختطافه».

وقد دعت اللجنة الدائمة للدفاع في الجمعية الوطنية الأسبوع الماضي «بعدم التسامح على الإطلاق» مع انتهاكات حقوق الإنسان التي تجري في بلوشستان، حيث وقع عدد كبير من حالات الاختفاء القسري. وأعلن زعيم المعارضة تشودري نزار علي خان أن حزبه سوف يتحرك لفرض حظر شامل على قيام وكالة الاستخبارات باختطاف الناس بصورة غير قانونية. ووجه افتخار محمد شودري رئيس المحكمة العليا الباكستانية اللوم لأجهزة الاستخبارات بالقول: «إنكم لستم فوق القانون».

وفي ذات السياق، قام الكثير من رجال السياسة بزيارة المعتقل فقط من أجل الظهور في الإعلام. وتقول جانجوا: «هذه هي المشكلة في باكستان، الكثير من الخدمات تقدم فقط عن طريق الكلام. لقد أخبرونا أن الأمور سوف تتغير وأن التغيير سيأتي في القريب العاجل، ولكنه لم يأت قط».

وفي المخيم، يقدم التواجد الإعلامي الدائم إحساسا بأن باكستان لم تغض الطرف عن تلك الأمور بعد. فتجلس صبيتان صغيرتان على الأرض تلهوان مع طفل صغير شديد الابتهاج، ولكن عندما تظهر كاميرات المراسلين، يعتدل هذا الطفل والصبيتان في جلستهم، وتبدو وجوههم حزينة ولكن بها تصميم، رافعين شعارات مظاهراتهم مرة أخرى إلى الأعلى لكي يراها العالم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»