السوريون يعبرون إلى الأمان تحت جنح الليل

مسؤول تركي: 1500 عبروا الحدود الشهر الماضي ليتجاوز عدد اللاجئين في المخيمات 11 ألفا

TT

خرج رجال سوريون من الضباب المخيم على نهر العاصي مجهدين وهم يحملون نقالتين باتجاه سيارة إسعاف تركية كانت تنتظر خلف ضفتي النهر. حمل هؤلاء الرجال أخوين قضيا ليلتهما الباردة متدثرين ببطاطين بنية، واللذين كانا قد تعرضا للإصابة قبل يومين عن طريق قذيفة تم إطلاقها من دبابة بالقرب من مدينة حماه الواقعة وسط سوريا. كان أحدهما قد فقد ساقيه من تحت ركبتيه، بينما دخلت بعض الشظايا في رأس الأخ الآخر.

قال أحد الرجال المرافقين لهما، إن عائلتهما كانت تخشى من احتمال إلقاء القبض عليها في حال قيامها بأخذهما إلى المستشفى في سوريا. لذلك، قام بعض الأقارب والغرباء بنقلهما عن طريق النهر لمسافة تزيد على 100 ميل، عبر المناطق التي تدور فيها الحرب، حتى استنزفت طاقتهم وأعتمت أعينهم المليئة بالدموع.

وفي كل ليلة يصل إلى هذا المكان، سواء عبر هذا النهر أو على طول الحدود، المزيد من الأشخاص الذين يفضحون أسرار عمليات سفك الدماء الدائرة في سوريا. تقوم الزوارق الخشبية المتهالكة بنقل الكثير من الناس، بعضهم يمشي على قدميه وبعضهم مصاب، إلى الأماكن الآمنة في تركيا قادمين من المدن والقرى التي دكتها الحرب.

ومثلما تسارعت وتيرة هجمات النظام السوري في الأيام الأخيرة، زادت أيضا كثافة حركة المرور في النهر.

وبصورة مستمرة، يزداد عدد المنفيين السوريين، الذين يروون حكايات مخيفة عما حدث لهم في بلدهم، لتعج بهم مخيمات اللاجئين والمدن الحدودية. وقال مسؤول تركي، إن نحو 1500 سوري عبروا الحدود الشهر الماضي، مما أدى إلى زيادة عدد اللاجئين في مخيمات المنطقة ليتجاوز 11000 لاجئ، وهو رقم أقل قليلا من أعلى رقم تم تسجيله في يونيو (حزيران) عقب اشتباكات عنيفة وقعت بين المنشقين والجيش السوري. هذا ويعتقد أن آلافا آخرين قد دخلوا المنطقة بالفعل، على الرغم من أن أسماءهم غير مسجلة لدى السلطات.

أقلت سيارة الإسعاف الأخوين المصابين ليتلقيا الرعاية اللازمة. يقول أحد الرجال المرافقين، وهو ناشط يدعى عارف يبلغ من العمر 23 عاما يعيش في مدينة قريبة في سوريا «هذا يحدث بشكل يومي. بالأمس جلبت رجلا فقد يديه وعينيه».

قال عارف، إنه كون مجموعة من خمسة أصدقاء مهمتها إرشاد اللاجئين على طول الحدود أثناء الليل. وبعد أن أحضروا الشقيقين إلى سيارة الإسعاف، وقف هؤلاء الرجال، الذين كانوا يرتدون معاطف خفيفة ويدخنون السجائر، بالجوار في لحظة تأمل بعد تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

قال عارف، بينما كان ينظر إلى الوراء باتجاه الماء «اعتدت التنزه مع خطيبتي في تلك القوارب. أما الآن، فإنني أقوم بحمل الأشخاص المصابين على متنها». وبسؤاله عن الأحوال في سوريا، قال عارف «يوما بعد يوم تسوء الأحوال. لقد قامت السلطات بقطع الكهرباء والمياه، ولكن الشيء الذي لا يستطيعون قطعه هو الهواء».

ولكن لا يوجد وقت طويل للشفقة أو الخوف. ففي الليلة التالية، عاد هؤلاء الأشخاص المرافقون إلى عملهم، حيث كانوا يساعدون أسرة مكونة من سبعة أشخاص في العبور إلى الحرية. أنار الضوء المنبعث من مصباح أمامي لجرار سقط في النهر الموحل رحلة هؤلاء الأشخاص. فرت هذه العائلة من مدينة إدلب الواقعة شمال سوريا، وهي بلدة متمردة أخرى يخشى الناشطون والسكان أن تكون الهدف القادم لقوات النظام.

قال الابن الأكبر في العائلة «الجيش موجود في كل مكان ويطوق المدينة. سيقومون بقصف إدلب بكل تأكيد. لم نكن نرغب في أن نظل هناك لنلقى حتفنا». وفي الليلة التالية، عبر 11 شخصا نفس النقطة الحدودية.

ومنذ عدة أسابيع، قدم بعض الجنود التابعين للنظام في المستشفيات السورية روايات عن بعض أحداث العنف التي تشمل الهجمات التي تتم عن طريق القنابل الموضوعة على جانبي الطرق والأكمنة التي ينصبها الرجال المسلحون. وصرح الأطباء بأنهم استقبلوا بشكل يومي عشرات من الجنود الذين تعرضوا لإصابات على يد مسلحين المعارضين للنظام.

بعدها، قام الرئيس السوري بشار الأسد بإرسال قواته في هجوم متكرر، ومنع الصحافيين من دخول سوريا مرة أخرى، حيث تنتقل الدبابات والقوات لمهاجمة معارضي النظام في جميع أنحاء البلاد. بعض أوفر السكان حظا لديهم أقارب خارج سوريا أو أموال تمكنهم من مغادرتها. لكن يقوم الكثيرون بشد الرحال باتجاه الحدود.

يضطر أولئك المتجهون إلى تركيا إلى عبور مسافات طويلة باتجاه الشمال، حيث يحتل الجنود السوريون القرى الواقعة بالقرب من الحدود الجنوبية المشتركة. هذا ويقول مهربون ونشطاء، إنهم قد رأوا ضباطا من الجيش يقومون بزرع الألغام.

كان من السهل رؤية الجنود السوريين يوم الأحد من أعلى قمة هضبة في تركيا، عبر بساتين الصنوبر، وهم بداخل بيت كبير بلون سمك السلمون في مدينة عين البيضا كان مملوكا لرجل يدعى عبد الناصر صالح. يقول صالح، الذي كان يراقبهم من أعلى هضبة في تركيا، إنه كان يجهز نفسه للتسلل عائدا إلى مدينته لتصوير ما يصفه بالدمار الشامل الذي تسبب فيه الجيش. غير أن والديه رفضا مغادرة المدينة. يقول صالح «انضم أبي إلى الجيش. وحتى إن قتلتني الآن، فنحن نفضل الموت على الذهاب لتركيا».

ويقول أحد الأشخاص الذين استطاعوا عبور الحدود، إنه غادر بعد أن تم إلقاء القبض عليه لاشتراكه في مظاهرة وقام الجنود بضربه لمدة 8 أيام مما أدى إلى التواء معصميه وتشويه قدميه. ومن على سريره في أحد المستشفيات التركية. يضيف هذا الشخص، وهو يبدو في حالة انهيار عصبي بسبب تذكره ألوان التعذيب التي تعرض لها سجناء آخرون «كان أمرا لا يحتمل. كنت على استعداد لأن أوقع على أي ورقة لأنجو من هذا التعذيب الوحشي».

وفي طابق سفلي، يرقد جندي منشق عمره 20 عاما للتعافي من جروح خلفتها طلقات نارية يقول، إنه تلقاها من قائده وأحد القناصة عندما رفض إطلاق النار على متظاهر. يقول هذا الجندي «أحضرني بعض الناس الطيبين إلى هنا».

سوف ينتقل بعض هؤلاء الجرحى إلى مخيمات اللاجئين الموجودة في هذه المنطقة، والتي أصبحت بمثابة حضانات لليأس. يقول رجل يدعى لؤي، من بلدة جسر الشغور، والذي كان يجلس في خيمة بأحد تلك المعسكرات التي تطل على سوريا «لم نتوقع أبدا أن يحدث هذا لنا. لقد مات اثنان من أبناء أختي. وتم قطع خطوط الهاتف».

وفي منزل آمن يحتوي على القليل من الأثاث ولا يبعد بمسافة كبيرة عن المعسكر، قام رجل أعمال سوري بحصر جميع المتعلقات التي أحضرها على نفقته الخاصة وقام بشحنها لأرض الوطن وهي: هواتف متصلة بالأقمار الصناعية، للتغلب على انقطاع خطوط الاتصالات، وبعض الأدوية لمعالجة ضحايا هذه الحرب الآخذة في الانتشار.

يبدو أن كل شيء موجود، ولكنه يعتقد أن السلاح كان ضروريا لمساعدته في صد هجوم قوات النظام.

تحدث الكثيرون هنا عن السلاح كحل للمشاكل في سوريا. ولكن قليلين أشاروا إلى أن السلاح قد يزيد الوضع سوءا. يقول رجل الأعمال، محركا السلاح الوحيد الذي استطاع أن يجده، وهو مسدس يستخدمه في الحماية «إنها ليست مسألة مال. لقد تلقينا أموالا من بعض الأشخاص الراغبين في المساعدة».

بحث هذا الرجل عن كاميرات فيديو على الإنترنت، على أمل أن تساعده على نشر الحقيقة حول تلك المأساة الخفية. أضاف هذا الرجل «لا يستطيع أي شخص تصديق ما يحدث في سوريا».

أسهم سيبنيم أرسو وهويدا سعد في إعداد التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»