فشلت دولتا السودان وجنوب السودان في التوصل إلى اتفاق حول مستقبل الجنوبيين في السودان والشماليين في الجنوب، في المفاوضات الدائرة بينهما تحت رعاية الاتحاد الأفريقي. ويقود رئاسة الوساطة الرئيس الجنوب الأفريقي السابق ثابو مبيكي. وانفضت الجلسة التي كانت ساخنة بحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من أديس أبابا، حيث مقر المفاوضات، من دون التوصل إلى أي اتفاق. في وقت أكد فيه الرئيس السوداني عمر البشير أن بلاده مستعدة للحرب مع دولة الجنوب إذا اضطرت لذلك، كشف نائبه الدكتور الحاج آدم يوسف أن الخرطوم قررت إغلاق حدودها مع جارتها في الجنوب، معلنا أنه بدءا من الأول من أبريل (نيسان) المقبل لن يتاح للجنوبيين الإقامة في السودان إلا إذا حصلوا على تأشيرة دخول.
وقال باقان أموم، كبير مفاوضي دولة جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط»، إن المفاوضات تراوح مكانها، وليس هناك جديد بعد أن فشل الطرفان في الجلسة التي انتهت في وقت متأخر من أول من أمس، والتي خصصت لبحث مستقبل المواطنين الجنوبيين في دولة السودان والشماليين في دولة جنوب السودان. وأضاف أن «وفد الخرطوم رفض تضمين مستقبل ومصير مواطني الجنوب الذين ما زالوا يرزحون تحت العبودية والاسترقاق في السودان وعددهم يصل نحو 35 ألف جنوبي»، مشيرا إلى أن البشير كان قد شكل لجنة في يناير (كانون الثاني) من عام 2002 لإعادة المختطفين والمختطفات من جنوب السودان. وتابع «لكن البشير نفسه قام بحل هذه اللجنة في يونيو (حزيران) من العام الماضي، قبل أن تنهي أعمالها. ويبدو أن البشير أراد أن يعاقب الجنوبيين الذين صوتوا في الاستفتاء لصالح استقلال الجنوب». وقال «إنه موقف غريب من وفد الخرطوم في هذه المفاوضات بألا يعترفوا بوجود جنوبيين يتم استرقاقهم في السودان، رغم أن الخرطوم قامت بإطلاق سراح ما لا يقل عن خمسة آلاف منهم ولا يزال آخرون، وهم نحو ثلاثين ألفا، يرزحون تحت نير العبودية والاسترقاق».
وتابع أموم «الخرطوم رفضت اقتراحنا بتشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لمعالجة قضية مواطني كل دولة موجودين عند الأخرى». وقال «رغبتنا أن تشكل اللجنة لتضطلع بذات مهام اللجنة التي تم حلها، حتى ولو رفضت الخرطوم هذه اللجنة»، موضحا أن مبيكي قدم مقترحا آخر بأن يتم السماح للمبعوثين الدوليين من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي بحضور المفاوضات حول هذه القضية التي وصفها بالإنسانية وأنها تهم المجتمع الدولي. وقال «هذه قضية مرتبطة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية».
وقال الدكتور أمين حسن عمر، وزير الدولة في رئاسة الجمهورية وعضو المكتب القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، لـ«الشرق الأوسط» «إن ادعاءات باقان أموم حول استعباد واسترقاق السودان لجنوبيين غير صحيحة، وإن اللجنة التي شكلت لإعادة المختطفين والمختطفات من جنوب السودان كانت تتابع أعمالها منظمات غير حكومية غربية، ولما تبين لها عدم وجود مختطفين ومختطفات من جنوب السودان تم حلها، مما يعني أن تلك الادعاءات لم تكن حقيقية». وأضاف أن «طرح أموم لمثل هذه القضايا غير الحقيقية يؤكد عدم رغبة الحركة الشعبية في مناقشة القضايا الحقيقية، وذلك باللجوء إلى مثل هذه القضايا المتوهمة، بهدف التهرب من معالجة القضايا العالقة بين الدولتين. والملاحظ أن مثل هذه الادعاءات دائما تصدر من باقان أموم دون أن يتم تأكيدها من قبل أي مسؤول جنوبي آخر».ويرد الدكتور عمر أسباب فشل المفاوضات السابقة إلى «إصرار الحركة الشعبية في كل مرة على تجميع القضايا لتعطيل الحل، وأنها تصر على مناقشتها جميعا في وقت متزامن، مما يدل على عدم رغبتها في الوصول إلى حلول للقضايا الحقيقية. لأن تفكيك القضايا لا جمعها هو الذي يسهل عملية التفاوض، لكن الحركة الشعبية ترفض مقترحات ومبادرات الوسطاء، بينما الحكومة السودانية توافق عليها أو تقبل مناقشتها. فعند قبول الوساطة لا بد للمتفاوضين أن يثقوا فيها، لأن طبيعة الوساطة أن تقف على الحياد بين الأطراف، لكن الحركة الشعبية كثيرة التشكيك في حياد الوساطة، مما يفشل المفاوضات كل مرة».
إلى ذلك، أعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير أن بلاده على استعداد للحرب مع الجنوب إذا فرضت عليها. وقال في حديث مع قناة «الجزيرة» إن دولة جنوب السودان هي التي بدأت الحرب ضد السودان، معتبرا قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف في حقه لاتهامه بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور جاءت من محكمة مسيسة وعديمة المصداقية. وقال إن مذكرة الاعتقال التي صدرت في حق وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين لاتهامه بارتكاب 41 جريمة ضد الإنسانية وجرائم حرب، وسام شرف.
في غضون ذلك، كشف الدكتور الحاج آدم يوسف، نائب الرئيس السوداني، عن توجيهات صدرت بإحكام إغلاق الحدود مع جمهورية جنوب السودان، ولم يستبعد انهيار حكومة الحركة الشعبية التي تحكم جنوب السودان وعودة شعبي البلدين للعيش في وئام، مؤكدا انقطاع الود مع الحركة الشعبية بسبب احتضانها الحركات المسلحة. وأضاف أن جوبا تحاول تدمير اقتصاد بلاده وأنها كانت تتوقع انهيار السودان بمجرد إيقاف النفط، وأن يقوم الطابور الخامس في الشمال بإشعال ثورة شعبية. وتابع «نتوقع أن ينبرش - ينهار - الجنوب قريبا إن شاء الله». وقال إن شعب الجنوب لا يقبل بالروح العدائية لحكومته مع السودان، واصفا من يقودون التمرد في جنوب كردفان بالسكارى والحيارى. وقال إن المخطط لتلك الحرب كان أن تبدأ من تلودي وكادوقلي وهجليج، وجميعها تقع في جنوب كردفان وعبرها إلى الأبيض في شمال كردفان ومن ثم الوصول إلى الخرطوم. وقال يوسف إن الجنوبيين لن يتمكنوا من النزول في مطار الخرطوم بعد التاسع من أبريل المقبل من دون اتباع الإجراءات الرسمية. لكنه عاد وأضاف «لن نطرد من الجنوبيين سوى غير المرغوب في وجودهم»، ودعاهم للعودة إلى الجنوب لأن الشمال لن يتردد في طردهم.
على صعيد آخر، قال جنوب السودان أمس إنه يعتزم مد خط أنابيب نفط مؤقت تحت سطح مياه نهر النيل في إطار مشروع لنقل الخام إلى موانئ في كينيا وجيبوتي لتصديره. وقال وزير النفط ستيفن ديو داو إن الخط سيمتد من حقول النفط إلى العاصمة جوبا، حيث سيجري نقل الخام بالشاحنات إلى كينيا وجيبوتي. وقال إنه سيجري نقل نحو 30 ألف برميل يوميا من النفط للموانئ في إطار المشروع الذي يمكن استكماله بحلول نهاية العام الحالي.