المباحث الأميركية تفكك أهم شبكة قرصنة الكترونية

«أنونيماس» تعاونت مع «ويكيليكس» واخترقت «ستراتفور».. وزعيمها قاد الشرطة إلى الآخرين

هيكتور مونسيغور زعيم مجموعة «أنونيموس»
TT

تمكنت المباحث الفيدرالية الأميركية من تعطيل وتفكيك أبرز شبكة قرصنة (هاكرز)، ظلت تنشط وتخترق مواقع إنترنتية تابعة لجهات حكومية وغير حكومية، في عدة بلدان، على مدى خمس سنوات. واستطاع مكتب المباحث (إف بي آي) في البداية الوصول إلى واحد من أكبر قادة المجموعة المسماة «أنونيماس» (المجهولين)، وعن طريقه رصدت بدقة نشاطات المجموعة ومصادر الوثائق التي كانت تنشرها، واعتقل أربعة من كبار المسؤولين في المجموعة.

وأعلن النائب الفيدرالي لولاية نيويورك بريت بارارا خلال مؤتمر صحافي عن الاعتقالات، وكشف أن أكثر من عشرين تهمة وجهت إلى خمسة رجال هم: اثنان من بريطانيا، واثنان من آيرلندا، وواحد من شيكاغو. وتتضمن التهم سرقة معلومات سرية من الحكومة الأميركية وشركات أميركية. وكان المشتبه فيهم قد سيطروا أكثر من مرة على مواقع إنترنتية تابعة للحكومة الأميركية وأغلقوها لفترة من الزمن.

وفي الشهر الماضي، اخترق «القراصنة المجهولون» موقع شركة «ستراتفور» في ولاية تكساس، وهي شركة استخبارات خاصة لها علاقات وثيقة مع الحكومة الأميركية. وتعاون القراصنة مع موقع «ويكيليكس» في نشر وثائق من الشركة، كما كانوا تعاونوا مع الموقع في نشر وثائق أخرى في الماضي.

وأفاد مسؤول في مكتب «إف بي آي» بأن المباحث تغلغلت داخل شبكة القراصنة عن طريق زعيمها هكتور خافيير مونسيغور (اسمه الحركي سابو)، في نيويورك، الذي اعتُقل الصيف الماضي، ثم بدأ سرا يقدم لهم معلومات عن زملائه. وأضاف المسؤول: «تعمل هذه المجموعات في اتحاد فضفاض. إنهم يعرفون بعضهم البعض فقط من خلال الأحاديث في الإنترنت. إنهم (منتشرون) في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وآيرلندا وغيرها، لكنهم يشعرون بأنهم عائلة واحدة، ولا هم لهم سوى نشر المعلومات السرية، الحكومية وغير الحكومية، والأميركية وغير الأميركية».

وقال ريتشارد ستينون، خبير قرصنة في الإنترنت وكان يتابع، لسنوات، هؤلاء القراصنة «المجهولين»: «تعد هذه أهم عملية إلقاء قبض على قراصنة منذ أي وقت مضى. ونتيجة لذلك، يبدو أن مكتب المباحث قد قصم ظهر المجموعة». وقال مسؤول آخر في مكتب المباحث: «نعتقد أن هذه القضية مهمة جدا. إنها تشمل هجمات في الإنترنت تؤثر على أكثر مليون ضحية».

وحول طريقة اعتقال زعيم المجموعة، قال مسؤول المباحث إن مونسيغور كان يعيش في مجموعة منازل شعبية فقيرة تدعمها الحكومة في نيويورك. وبينما كان يكتب في الإنترنت، نسي أن يخفي عنوانه البروتوكولي، في حين كانت الشرطة تتابعه وحصلت بالتالي على العنوان. ولاحقا، تم اعتقاله وجرى تهديده باحتمال الحكم عليه بالسجن لمدة طويلة، الأمر الذي أقنعه بالتعاون مع المباحث.

وأمس، بعد إعلان خبر اعتقال مونسيغور ورفاقه، هبت على الإنترنت عاصفة من المحتجين والعاطفين عليهم. واتهم بعضهم مونسيغور بالخيانة لأنه تعاون مع الشرطة. وقال غريغ هاوش، أحد النشطاء السابقين ممن كانوا على اتصال بالشبكة: «كثير من الناس غاضبون. سألني شخص إذا كانت (إف بي آي) منحت الحماية لمونسيغور لأنه تعاون معها، أو لأنه خائف من الذين يريدون الانتقام منه». وأضاف هاوش: «سابو كان في كل مكان. كان الناس يريدون الحديث معه، والتعرف إليه، ومساعدته. أما الآن بعد اعتقاله، فكل شخص يريد حذف البيانات عن الاتصال معه. يريدون التخلص من البريد الإلكتروني، ومن الأقراص الثابتة، ومن أجهزة الكومبيوتر. ويتوجه بعض الناس إلى جبال بعيدة للاختفاء لبضعة أسابيع».

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن مونسيغور اشتهر في الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ما كان يسميها «المعركة ضد الشر»، قاصدا حكومات في أغلبها غربية، على اعتبار أنها تنشر «الشر» في العالم. وتعهد بكشف أسرارها. وبسبب شهرته، وصل عدد الذين كانوا يتابعون صفحته في موقع «تويتر» إلى أكثر من 45.000. وكان بعض هؤلاء يتابعون اكتشافاته، وآخرون ينفذون طلباته باختراق المواقع الحكومية وغير الحكومية المهمة، وكشف وثائقها. وأكثر من مرة، زاد الإقبال على الصفحة حتى عطلها.

وكان مونسيغور اشترك، في السنة الماضية، في حملة ضد مواقع شركات «فيزا» و«ماستر كارد» و«باي بال» التي قاطعت موقع «ويكيليكس»، ورفضت تحويل تبرعات الناس إليه، وذلك بسبب غضبها، وغضب الحكومة الأميركية، على «ويكيليكس» بعد أن نشرت عشرات الآلاف من وثائق الخارجية الأميركية السرية. وخلال الحملة الانتقامية، استطاع مونسيغور ورفاقه تعطيل مواقع هذه الشركات لفترات من الزمن.

وتفيد وثائق المحكمة بأن مونسيغور ومجموعته، اخترقوا أيضا موقع رئيس الوزراء التونسي، وأجهزة كومبيوتر تابعة للحكومة اليمنية.

من بين المقبوض عليهم مع مونسيغور: ج. هاموند، من شيكاغو، المتهم باختراق موقع شركة «ستراتفور» في أوستن (تكساس). وكان اعتقل في الماضي لأنه اعتدى على مواقع منظمات محافظة. وحسب وثائق الشرطة، اشترك في دردشة في الإنترنت في يوليو (تموز) 2011، وصف فيها نفسه بأنه يأكل من فضلات المطاعم والمراكز التجارية. وقالت معلومات الشرطة إنهم بالفعل شاهدوه يتوجه إلى صناديق القمامة التابعة للمطاعم ليحصل على طعام. ومن بين الذين اعتقلوا: د. أوكليربول ود. مارتين من آيرلندا، ور. أكرويد من بريطانيا، وج. ديفيس من اسكوتلندا. وقالت وثائق الشرطة إن الأول، وهو طالب جامعي عمره 19 سنة، كان حصل على تسجيل صوتي عبر الإنترنت من اتصالات بين الشرطة الأوروبية ورئاسة «إف بي آي» حول مجموعة «المجهولين» نفسها، وإنه وزع الشريط في الإنترنت. وكان، في البداية، حصل على حساب شخصي لضابط شرطة اشترك في الاتصالات عبر المحيط الأطلسي، وعن طريق ذلك حصل على وقائع الاجتماع الإلكتروني.

وتفيد تقارير إخبارية أميركية بأن مجموعة «المجهولين» تأسست سنة 2003، كواحدة من منظمات وجمعيات فضفاضة في الإنترنت لا همَّ لها سوى التغلغل في المواقع، خاصة الحكومية، وخاصة الغربية. وليست لها ارتباطات منتظمة، بل أكثرها فوضوي وتخريبي. وفي شكلها الأول، كانت أغلبية المجموعات القرصنية تعمل من دون تنسيق، وكانت تتابع الفنانين والفنانات ونجوم السينما والتلفزيون. ولاحقا، ركزت على السياسة، خاصة السياسة الخارجية الأميركية، وخاصة حروب أفغانستان والعراق والإرهاب. وتأسس موقع «المجهولين»، لكنه ظل فضفاضا في طريقه عمله.

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن الموقع هو الذي نشر وثائق شركة «ستراتفور» في الشهر الماضي، ومنها وثائق كشفت أن أسامة بن لادن، كان على اتصال مع الاستخبارات العسكرية الباكستانية. وبعد نشر الوثائق، اعترفت الشركة بأنها صاحبة الوثائق، وقالت إن وثائقها «كانت بهدف جمع معلومات».

وشنت «ستراتفور» هجوما عنيفا على موقع «ويكيليكس» لأنه نشر بعض وثائقها. وعلى «الهاكرز» (قراصنة الإنترنت) الذين دخلوا على موقع «ستراتفور» وجمعوا الوثائق. وأيضا، انتقدت شركة «ستافور» إعلان موقع «ويكيليكس» بأنه حصل على أكثر من 5 ملايين وثيقة من الشركة لها صلة بعملها مع القوات الأميركية في أفغانستان والعراق وغيرهما. وقالت «ستراتفور» إنها ستقاضي «ويكيليكس».