المغرب: حديث ابن كيران عن «جيوب مقاومة» يثير جدلا في الساحة السياسية

معارضون يستغربون طرح الأمر والحكومة المغربية لا تزال في بداياتها

TT

أثار حديث عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية عن وجود «جيوب مقاومة» لا تريد النجاح للتجربة السياسية الحالية في المغرب، جدلا في الوسط السياسي.

وقالت مصادر سياسية إنه أرسل «رسائل غير مطمئنة» بشأن سقف التوقعات التي يأملها المغاربة من الحكومة الحالية خصوصا في مجال محاربة الفساد، على الرغم من أن ابن كيران أكد أنه مستعد لمواجهة هذه الجيوب التي لم يحددها.

وتزامنت تصريحات ابن كيران مع مبادرة عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل، وهو أيضا قيادي في حزب العدالة والتنمية على نشر لائحة المستفيدين من رخص النقل الخاصة بالحافلات التي تنقل المسافرين بين المدن المغربية، في بادرة غير مسبوقة، وبإيعاز من ابن كيران نفسه، وهي المبادرة التي أثارت وما زالت جدلا واسعا، حيث رحب بها البعض في حين شكك آخرون في نجاعتها في محاربة اقتصاد الريع الذي تعهد الرباح بمحاربته، بالإضافة إلى تصريحات مثيرة للحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وهو كذلك من حزب العدالة والتنمية الذي انتقد بشدة مهرجان «موازين» الذي يرعاه منير الماجدي، وهو أحد مساعدي الملك محمد السادس، بسبب الإنفاق الكبير على المهرجان من الأموال العامة، على حد قوله.

وكان حزب «العدالة والتنمية» قد خاض أثناء وجوده في المعارضة حربا بلا هوادة ضد حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، الوزير السابق في وزارة الداخلية، والمقرب من الملك محمد السادس. وكان هذا الحزب يسعى إلى تحجيم دور «العدالة والتنمية» في المشهد السياسي ومنعه من الوصول إلى الحكم، بيد أن الربيع العربي «أفشل» مهمة الحزب، على ما يبدو، وتغيرت كثير من المعطيات، حتى أن الهمة الذي كان عدوا لدودا لابن كيران أصبح صديقا عندما عينه الملك محمد السادس مستشارا له، وهو ما أكده ابن كيران أكثر من مرة بقوله إن «مرحلة الخصام السياسي مع الهمة طويت» بل أصبح مخاطبه الرئيسي في القصر الملكي.

ولتوضيح طبيعة علاقته بمستشاري الملك، الذين عرف عنهم تدخلهم المباشر في السابق في الحياة السياسية، وإشرافهم على تفاصيل الملفات الهامة، قال ابن كيران في تصريحات أدلى بها لصحيفة «المساء» المغربية: إن «الملك طلب منه الالتزام بالدستور نصا وروحا وعدم الأخذ بمراسلات الديوان الملكي إذا لم تكن تسير في هذا الاتجاه». وهي إشارة إلى أن مستشاري الملك لم يعد يسمح لهم بالتدخل في الشأن الحكومي.

وارتبط مصطلح «جيوب مقاومة التغيير» بحكومة التناوب التي قادها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي لتبرير إخفاقات الحكومة في إحداث التغيير والانتقال الديمقراطي المنشود آنذاك الذي سمح لأقوى حزب معارض برئاسة الحكومة، بيد أن السياق السياسي الحالي مختلف كليا، فالمغرب لديه دستور جديد يمنح رئيس الحكومة مجموعة من الصلاحيات لم تكن متوفرة لغيره من رؤساء الحكومات السابقة، كما أن «العدالة والتنمية» حصل على شرعية انتخابية غير مسبوقة كذلك.

وكان ابن كيران اتهم ضمنيا في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» جماعة العدل والإحسان الإسلامية شبه المحظورة، بالوقوف وراء تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها بعض المدن ومنها مدينة تازة، وحذرها من «اللعب بالنار» بيد أن الجماعة التي سحبت دعمها لحركة 20 فبراير نفت أن يكون لها يد في اندلاع الاحتجاجات.

وفي هذا السياق، قال حسن بناجح، المتحدث باسم جماعة العدل والإحسان الإسلامية شبه المحظورة لـ«الشرق الأوسط» ردا على سؤال إن كانت الجماعة من بين المقصودين بـ«جيوب المقاومة» التي تحدث عنها ابن كيران، إنه «طالما لم نذكر بالاسم فلسنا معنيين بالموضوع». وأضاف أن الجماعة حذرت من وجود جيوب للمقاومة قبل تشكيل للحكومة الحالية وحتى الحكومات السابقة لأن أي طرف مهما كانت مصداقيته ونواياه الحسنة يقبل أن يشارك في حكومة ليست لديها صلاحيات، لن يبقى أمامه سوى الحديث عن وجود جيوب المقاومة». وزاد قائلا: «هذا ما سمعناه من عبد الرحمن اليوسفي عند نهاية مهمته بعد فوات الأوان، لكن أن نسمعه اليوم في بداية مشوار الحكومة، فهو أمر كان منتظرا وطبيعيا أيضا».

وأوضح بناجح أن أول جيب للمقاومة، بنظره، ليست المعارضة الموجودة في الواقع بكل أشكالها سواء الحزبية أو المجتمع المدني أو معارضة الرأي من خلال الصحافة فكلها أمور طبيعية في المجتمع. بيد أن أهم معرقل للتغيير، في نظره، هو «ما ينص عليه الدستور الذي يضع كل الصلاحيات والسلطات في يد جهات أخرى تبقى خارج المحاسبة، وبالتالي فأي حكومة سواء كان يرأسها حزب العدالة والتنمية أو اليسار سابقا أو حتى العدل والإحسان وكل ذي نية صادقة، في ظل وجود سلطات مركزة في يد جهات أخرى وليست الحكومة، التي تنبثق من صناديق الاقتراع، فمن الطبيعي ألا يكون هناك أي تغيير»، على حد قوله.

من جهته، قال حسن طارق، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض لـ«الشرق الأوسط» إن جيوب مقاومة التغيير عبارة نحتها اليوسفي لأن تجربة التناوب فعلا جوبهت بالمقاومة، أما حديث ابن كيران عن وجود جيوب مقاومة فهو غير مناسب حتى من حيث التوقيت والمتعلق بعمر الحكومة الحالية.

وأضاف طارق أن السياق المؤسساتي والدستوري مختلف تماما بالنسبة للتجربتين، فالدستور الحالي جاء لكي يقطع مع مفهوم جيوب المقاومة، ولكي يجيب على الإشكالات التي عاشتها تجربة حكومة اليوسفي التي لخصها في وجود «ازدواجية بين الدولة والحكومة». أما حاليا فرئيس الحكومة «لديه صلاحيات حقيقية، وليس من حقه أن يتذرع بجيوب المقاومة، بل عليه أن يمارس صلاحياته التي خولها له الدستور أو يقدم استقالته». وأضاف طارق أن «حكومة ابن كيران مدعمة بالربيع العربي، ومدعمة مؤسساتيا ودستوريا، وبمليون و200 ألف صوت، فاز بها حزبه في الانتخابات، وكلها عناصر قوة يجب أن ترضخ لها جيوب المقاومة وليس العكس»، على حد قوله.