مخاوف من هجوم واسع على محافظة إدلب على غرار بابا عمرو

مجزرة بحق 44 شخصا في حمص.. عنف في إدلب واعتقالات ومظاهرات في دمشق

مظاهرة ضد النظام السوري أمس بإدلب (أ.ب)
TT

بينما يواصل الجيش السوري عملياته في مناطق مختلفة بأنحاء سوريا، موقعا بالأمس وبحسب المجلس الوطني على الأقل 56 قتيلا، تحدث ناشطون عن «مجزرة كبيرة ارتكبتها قوات الأمن في حي جوبر في مدينة حمص، وهو حي ملاصق لحي بابا عمرو، وقع ضحيتها 44 قتيلا». وقال الناشطون إن «المجزرة شملت عائلات بأكملها»، لافتين إلى «مقتل 16 فردا من عائلة الطحان، و20 من عائلة الرفاعين وضحايا من عائلة كويعان وآخرين ما زالوا مجهولي الهوية». وأضاف الناشطون أن «أسباب هذه الإعدامات انتقامية وتعود لوجود أفراد ناشطين من هذه العائلات، أو لرفض هذه العائلات الظهور على الفضائيات السورية الرسمية للإدلاء بشهادات مزورة عن العصابات المسلحة».

وعلى أثر هذه المجزرة، قام المجلس الوطني السوري باتصال مع الكثير من المسؤولين الأتراك والعرب للمطالبة بتحرك سريع، خصوصا أن الجرائم التي يقوم بها النظام في تزايد مستمر. كما دعا محمد سرميني، عضو المكتب الإعلامي في المجلس الوطني، كافة الجهات الدولية «للكف عن التخاذل بانتظار مزيد من المجازر للتحرك على الأرض»، معتبرا أن «الموقف الدولي غير مقبول، لأن التصريحات لن تحرر سوريا من هذا النظام». وإذ أكد أن إسقاط هذا النظام لن يكون بالتمني، كشف لـ«الشرق الأوسط» عن أن «أجندة مؤتمر إسطنبول المزمع عقده ستكون واضحة في طلب تحرك دولي واضح من أجل حماية الشعب السوري».

في هذا الوقت، أعرب ناشطون عن تخوفهم من هجوم واسع على محافظة إدلب التي تعد أحد المعاقل الرئيسية للجيش السوري الحر شبيه بالهجوم الذي شنه النظام على بابا عمرو في حمص، وتحدثوا عن إرسال قوات كبيرة معززة بمئات الدبابات والآليات المدرعة إلى إدلب التي لها حدود مع تركيا، ويسيطر الجيش الحر منذ شهور على بعض مدنها على غرار بنّش.

وفي هذا الإطار، قال عضو الهيئة العامة للثورة ميلاد فضل، من إدلب، «إن التعزيزات ما زالت تأتي وهي تتركز قرب جبل الزاوية وقرب مدينة إدلب»، متوقعا أن يكون «اقتحام المدينة هو الهدف الأول للقوات النظامية في المحافظة حاليا». وأضاف: «الجيش النظامي طلب من عناصر (الجيش الحر) عن طريق مسؤولين محليين وعن طريق مكبرات الصوت في المساجد أن يسلموا سلاحهم»، متحدثا عن «أعداد كبيرة من النازحين من 8 قرى في جبل الزاوية ومن مدينة إدلب».

بدوره، قال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، «إن حشودا عسكرية تصل إلى إدلب لا سيما إلى قرى جبل الزاوية»، مضيفا «هناك اشتباكات في كفر نبل بين القوات النظامية ومنشقين عنها». وإذ تخوف من عملية عسكرية واسعة النطاق على محافظة إدلب، قال عبد الرحمن: «الإعلام السوري يركز هذه الأيام على إدلب ويقول إن فيها مجموعات إرهابية مسلحة، وأنا أرى أن هذا مقدمة لعمل عسكري واسع».

في هذا الوقت، أفادت لجان التنسيق المحلية في سوريا باشتباكات عنيفة وقعت بين «الجيش الحر» وقوات النظام، وسط مدينة كفر نبل في إدلب.

وأوضح ناشطون أن الجيش السوري واصل عملياته في ريف حماه، وقصف بلدة شيزر، كما شن حملة اعتقالات في كرناز وحيالين وتريمسة وجلمة والشيخ حديد.

وعلى صعيد الاحتجاجات، بث ناشطون صورا لمظاهرات خرجت مساء أول من أمس في عدد من المدن، بينها العاصمة دمشق. فبينت مقاطع الفيديو التي تم تحميلها عبر «يوتيوب» خروج العشرات في مظاهرة من حي المزة الذي شهد مؤخرا أضخم احتجاج منذ بدء الانتفاضة في منتصف مارس (آذار) الماضي، وقد شارك فيها نحو 30 ألفا. وأشار الناشطون إلى مظاهرتين أخريين في حي جوبر، وفي منطقة «مشروع دمر» حيث يوجد سكن للضباط.

وفي ريف دمشق، خرجت مظاهرات مسائية في عربين وحمورية، ونظمت احتجاجات مماثلة في سرمين ومعرة معصرين بإدلب، وفي الحميدية بحماه، وأخترين بحلب، والبوكمال بدير الزور.

وعلى صعيد آخر، أفاد ناشطون بأن مظاهرات احتجاج خرجت في كل من دمّر وكفر سوسة والقابون في دمشق. فيما اقتحمت قوات الأمن منطقة الهامة في ريف دمشق وسط حملة للجيش على المنطقة. وقالت لجان التنسيق المحلية في سوريا إن حملة الاعتقالات التي نفذتها قوات الأمن في منطقة الهامة (ريف دمشق) طالت أكثر من 50 شابا. وقال نشطاء معارضون إن قوات الأمن السورية أصابت ثلاثة بجروح أمس عندما أطلقت الذخيرة الحية أثناء تشييع جنازة في دمشق.

وقالوا إن الجنازة تحولت إلى مظاهرة ضد حكم الرئيس بشار الأسد. وأضافوا أنها كانت في حي المزة الذي يضم سفارات وعددا من منشآت الشرطة السرية. وأشارت الهيئة العامة للثورة السورية من جانبها إلى مسيرة تشييع في المزة لهجوم من قبل قوات الأمن ما تسبب في وقوع جرحى وحصول حملة اعتقالات. وقال المرصد السوري إن قوات الأمن السورية اعتقلت عشرات المواطنين في حي القدم كما في حي المزة خلال تفريق تشييع شاب وهو جندي رفض إطلاق الرصاص على المحتجين فقتلته القوات النظامية الشهر الماضي. وتحدثت لجان التنسيق المحلية في سوريا عن أن قوات النظام داهمت عشرات المنازل في حي التضامن واعتقلت 18 شابا من المنطقة، وقامت بحملة دهم في منطقة يبرد بريف دمشق، مع إطلاق الجيش والأمن النار بكثافة في الشوارع.

كما أوقفت السلطات السورية أمس المحامي والناشط الحقوقي عمر قندرجي في مدينة حمص، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية، إن «الأمن السوري اعتقل المحامي البارز عمر قندرجي على حاجر في حي الإنشاءات» المجاور لحي بابا عمرو. وأضاف «كان عمر قندرجي في طريقه لتفقد منزل والدته في حي الإنشاءات حين أوقفه حاجز للأمن». وأوضح عبد الرحمن أن المحامي الموقوف «من أبرز المحامين والحقوقيين في مدينة حمص، وهو محامي الناشط السياسي البارز نجاتي طيارة».

هذا وطالت حملة الاعتقالات بلدة حطاب في محافظة حماه، فيما استمر القصف عنيفا على مدينة حمص وبالتحديد على مدينة القصير. فتحدثت لجان التنسيق المحلية في سوريا عن قصف عنيف استهدف المدينة مع سماع دوي انفجارات وسقوط الكثير من القذائف على منطقة البساتين والقرى غرب نهر العاصي، لافتة إلى أن قصفا مماثلا بقذائف «الهاون» طال مناطق جب الجندلي وباب تدمر ترافق مع إطلاق نار كثيف.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات الأمن السورية نفذت حملة مداهمات واعتقالات في حي الحويقة في دير الزور ترافقت مع إطلاق رصاص كثيف.

وفي سياق المظاهرات، قالت لجان التنسيق المحلية في سوريا إنه وتزامنا مع إحياء يوم المرأة العالمي، خرجت مظاهرة نسائية في حلب عند مسجد عبد الله بن عباس بحي الفرقان تضامنا مع المدن المنكوبة حيّت «الجيش الحر»، كما خرجت أخرى في ريف دمشق وبالتحديد في منطقة التل نادت بإسقاط النظام، وانفضت دون مواجهات أو اعتقالات. وفي العسالي (دمشق) خرجت مظاهرة نسائية حاشدة هتفت للمدن المنكوبة وطالبت بإسقاط النظام.

أما وكالة الأنباء السورية (سانا)، فذكرت أن من وصفتها بـ«المجموعة الإرهابية المسلحة» استهدفت بقذائف صاروخية حافلة صغيرة كانت تقل مدنيين قرب بلدة شيزر بريف حماه، مما أدى إلى مقتل 6 من ركابها على الفور وإصابة 6 آخرين. كما أشارت إلى وقوع اشتباكات مع مجموعات أخرى في منطقة بساتين برزة بدمشق.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدث عن انفجارين استهدفا ليل الأربعاء - الخميس مركزين أمنيين في مدينة أعزاز القريبة من الحدود السورية - التركية، في محافظة حلب (شمال)، مشيرا إلى أن الانفجار الأول «استهدف مفرزة المخابرات العامة (أمن الدولة) والثاني قسم الأمن الجنائي»، وتلاهما «اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية ومجموعات منشقة».

وأكد المتحدث باسم «اتحاد تنسيقيات حلب» محمد الحلبي وقوع الانفجارين، موضحا أن «مجموعات من الجيش السوري الحر هي التي قامت بتفجير المركزين». وقال الحلبي إن أعزاز الواقعة في ريف حلب والتي تبعد نحو 60 كيلومترا عن مدينة حلب «شهدت طيلة يوم أول من أمس انفجارات عنيفة ناتجة عن قصف قوات النظام للمدينة وإطلاق الرصاص، فرد الجيش الحر واشتبك مع الأمن، ثم أقدم على تفجير مبنيي الأمن الجنائي وأمن الدولة»، مشيرا إلى أن عناصر الجيش الحر الذين انشقوا عن الجيش النظامي يستخدمون في مثل هذه العمليات «الأسلحة المتوسطة التي يحملونها معهم عادة لدى انشقاقهم».

وأكد الحلبي، من جهة ثانية، أن 7 مظاهرات مسائية سارت في أحياء مختلفة من مدينة حلب مطالبة بإسقاط النظام ليل أول من أمس، وضمت مئات الأشخاص. وأضاف أن «السجناء في سجن عفرين في ريف حلب نفذوا أول من أمس حركة تمرد، فأحرقوا الفرش وأثاروا الشغب وطالبوا بسقوط النظام، وقد استقدمت تعزيزات لقمع الحركة».

من جهة ثانية، أفاد المرصد بأن «مواطنين استشهدا إثر إطلاق الرصاص عليهما بعد منتصف ليل الأربعاء - الخميس في مدينة الميادين (في محافظة دير الزور) أمام مفرزة الأمن السياسي».

ويبدو أن سيطرة النظام السوري على المدينة الثانية والمركز التجاري الرئيسي بسوريا بدأت تضعف، حسب مقال نشرته صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية أمس، التي قالت إن حلب التي صدت المظاهر البارزة للثورة السورية في شوارعها لما يقرب من عام، لم تعد قادرة على أن تبقى على الحياد طويلا.

وهي الآن على أهبة الاستعداد، حيث توجد دوريات الشرطة بكثافة في نهاية الشوارع الرئيسية. كذلك، تتكوم أكياس الرمل أعلى حوائط عشرات المباني الأمنية والعسكرية التابعة للجيش والمنتشرة عبر أكثر المدن ازدحاما بسوريا، حيث يتخذ الحراس المسلحون في أبراج المراقبة وضع الاستعداد.

واعتبرت الصحيفة البريطانية أن الواجهة المحترقة المنهارة لمبنى ثكنات حفظ الأمن في مكتب الاستخبارات العسكرية، الذي تم تدميره بواسطة سيارتين مفخختين الشهر الماضي، تذكير قوي بالمخاطر التي يواجهونها.

وبحسب ما صرح به نشطاء لـ«الديلي تلغراف»، فإن الجيش السوري الحر يوجه اهتمامه الآن إلى المعارضة بمحافظة إدلب الحيوية المجاورة. وهنا يبدو رد الفعل هذا من خلال حرب عصابات، حيث تقوم وحدات صغيرة بشن هجمات على المراكز الحكومية.

و«يستعد الجيش السوري الحر الآن لقصف قواعد الأمن التابعة للنظام هنا»، حسبما ذكر ناشط يطلق على نفسه اسم حمود، ابن قائد في الجيش السوري الحر. وأضاف: «تمثل إدلب ساحة التدريب بالنسبة لهم. ويتزايد عددهم كل يوم ويحصلون على كميات أكبر من الأسلحة. والآن، يوجهون اهتمامهم نحو حلب والعاصمة».

«يقوم الجيش السوري الحر بتنفيذ عمليات كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع خاصة يوم الجمعة، وليست لديهم قاعدة هنا، لكنهم يعيشون بيننا سرا»، هذا ما جاء على لسان أحمد من لجنة التنسيق المحلية بإحدى مقاطعات حلب.

وما زال دعم النظام في حلب قويا؛ فالحالة السائدة بين التجار في الأزقة المتهدمة بالمدينة التاريخية القديمة مزرية. ومن الجدير بالذكر أن حلب استفادت كثيرا، كونها مركزا تجاريا دوليا، من دفع الحكومة لها للانفتاح، ولذلك يظن الصفوة بحلب أن الازدهار الذي ينعمون به هو بفضل الاستقرار الذي يوفره لهم النظام.

وأصبح الصمت الذي لف المدينة طوال العام الماضي، باستثناء احتجاجات في الجامعة، مصدرا للفكاهة بين الثوار السوريين. فقد حمل بعض الناشطين من دمشق لافتة كتب عليها «عاجل! ثوار حلب في عام 2050»، بينما حملت لافتة أخرى عبارة: «لن تقوم حلب أبدا ولو تناول سكانها حبوبا منشطة».

يقول أحد النشطاء: «بدأ ذلك الموقف يتغير تدريجيا، ففي المناطق الأكثر تواضعا مثل المرجة والفردوس والسلاطين وسيف الدولة، يقوم السكان المحليون بكتابة رسائل مناهضة للنظام على جدران المباني المتهدمة، حيث يصل عدد المشاركين في المظاهرات إلى المئات يوم الجمعة وفي منتصف الليل، حين تقل أعداد قوات الأمن ويصبحون أقل انتباها».