واشنطن تشتبه في تحويل النخبة السورية ملايين الدولارات إلى الخارج

الاستخبارات الأميركية تواجه صعوبة في جمع المعلومات.. وتراقب أي مؤشرات على تفكك الدائرة المحيطة بالأسد

TT

بحثا عن أي علامة على وجود انشقاق في الطبقة الحاكمة في سوريا، تتعقب الولايات المتحدة ما تشتبه في كونه تحويلات بملايين الدولارات إلى حسابات أجنبية من قبل النخبة السورية التي ترتبط بعلاقات وثيقة بالرئيس بشار الأسد.

ومع ذلك، لا تزال عملية تدفق الأموال غير واضحة، حيث يقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية إنهم لا يستطيعون تقدير المبلغ الإجمالي لتلك التحويلات ولا يزالون يحاولون فهم ما تعنيه هذه التحويلات، فهل تعني أن الدائرة الداخلية المحيطة بالأسد قد بدأت في حالة من الخلاف والتخبط، أم يعني هذا ببساطة أن السوريين الأثرياء يحاولون حماية أموالهم؟

إن الجهود المبذولة لفهم ما تعنيه تلك التحويلات النقدية تؤكد على أن الكثير من مظاهر الثورة السورية لا تزال مبهمة وغير واضحة للمراقبين الأجانب، بما في ذلك وكالات الاستخبارات الأميركية، بعد عام من بدء الجهود الداخلية للإطاحة بالأسد.

وصرح مسؤولون أميركيون بارزون بأن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بنظام الأسد ونواياه كانت غير مترابطة أو غير واضحة، علاوة على أن قدرات قوات المعارضة السورية لا تزال غير واضحة. ولا يزال المحللون الأميركيون عاجزين عن التوصل إلى استنتاجات قاطعة بشأن بعض القضايا الرئيسية، بما في ذلك هل كان تنظيم القاعدة مسؤولا عن سلسلة التفجيرات التي وقعت في سوريا خلال الشهور الأخيرة أم لا.

ويقول مايك روجرز، وهو نائب جمهوري من ولاية ميتشيغان ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، إن المعلومات الاستخباراتية الموثوق بها بشأن سوريا مختلطة، وأضاف: «هناك اتجاهات متباينة في سوريا، وربما تكون التقديرات غير دقيقة».

وقد أدى هذا إلى تعقيد بعض القضايا السياسية لإدارة أوباما، لا سيما في اتخاذ قرار بشأن تسليح المعارضة السورية أو دعمها.

وقال مسؤولون بارزون في وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس (الأربعاء)، إن الرئيس باراك أوباما قد وافق على خطة مبدئية لتدخل محتمل للولايات المتحدة في سوريا، وإن البنتاغون قد انتهى من تلك الخطة، ولكن تشتت المعارضة السورية والمجتمع الدولي ربما يعوق القيام بتلك المهمة.

وفي جلسة استماع عاصفة عقدتها لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ حول سوريا، قال وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا: «لا توجد إجابات بسيطة، والنتيجة هي وجود حالة كبيرة من الغضب والإحباط تنتابنا جميعا».

وعلاوة على تعقب التحويلات النقدية، قامت أجهزة الاستخبارات الأميركية بمراقبة صور الأقمار الصناعية واعتراض بعض الإشارات للتعويض عن نقص «الاستخبارات البشرية» ، التي طالما كان يتم النظر إليها على أنها مفترق طرق رئيسي في عمليات التجسس.

وتواجه وكالة الاستخبارات المركزية، التي تواجه أصلا ضغوطا كبيرة نظرا للمتطلبات التي يقتضيها وجود الولايات المتحدة في منطقتي حرب وسقوط الأنظمة العربية بشكل متوال، صعوبات في سوريا أكثر مما تواجهه في الدول الأخرى التي أجتاحها الربيع العربي.

ففي ليبيا، على سبيل المثال، استطاعت وكالة الاستخبارات المركزية إدخال فرق سرية في غضون أسابيع قليلة من بداية الصراع، وذلك لإجراء اتصالات مع الثوار وتجميع المعلومات الاستخباراتية بصورة مباشرة. أما في سوريا التي تعمل فيها عناصر المعارضة الأقل تسليحا على السيطرة على المدن، فاضطرت وكالة الاستخبارات المركزية إلى الاعتماد على شبكة من المصادرة المتركزة في دمشق وعلى مساعدة أجهزة استخبارات الدول العربية الحليفة.

ولدى سؤاله عن الشركاء الذين يقدمون أفضل المساعدات، قال مسؤول بارز سابق في وكالة الاستخبارات المركزية: «أي جهة سنية»، تعارض نظام الأسد.

وقد تزايدت التحديات التي تواجه وكالة الاستخبارات المركزية عندما أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في دمشق الشهر الماضي، حيث كانت السفارة توفر الغطاء الدبلوماسي لمسؤولي الوكالة وتشكل قاعدة عمليات لجمع المعلومات داخل العاصمة السورية.

وصرح مسؤولون بأن الرئيس الأميركي أوباما قد امتنع عن نشر بعض «المعلومات» السرية، التي ستتيح لوكالة الاستخبارات المركزية القيام بعمليات سرية ضد الأسد داخل سوريا.

وقد تحلت الوكالة بالحذر، حتى في مهمتها الأساسية لجمع معلومات استخباراتية، وذلك وفقا لبعض المسؤولين الذين وصفوا سوريا بأنها عدو لدية أساليب متطورة في مكافحة التجسس نظرا للمساعدة الكبيرة التي يتلقاها من إيران.

ولم يتم إرسال أي فرق من الوكالة لمقابلة عناصر المعارضة في حمص قبل أن تصبح المدينة هدفا للمداهمات العنيفة من قبل قوات الأسد. وصرح مسؤولون بأنه لم يتم نشر طائرات استطلاع من دون طيار فوق سوريا التي تملك دفاعات جوية قادرة على إسقاط أي طائرة من دون طيار. وبدلا من ذلك، اضطرت الوكالات الأميركية إلى مراقبة الأحداث وكذلك مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، من أماكن أكثر ارتفاعا.

وقام السفير الأميركي لدى سوريا، الذي يوجد الآن في مقر وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، بنشر ما وصفه بصور «سرية» التقطتها أقمار صناعية أميركية، على صفحة السفارة الأميركية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» للفت الأنظار إلى «الطبيعة غير المتكافئة للعنف الذي يمارسه نظام الأسد ضد الشعب واستعداده لمهاجمة أهداف مدنية».

وتظهر الصور وحدات مدفعية على مشارف مدينة حمص وتوضح الدمار الهائل الذي لحق بالمباني، بما في ذلك مسجد وعيادة طبية في حي بابا عمرو.

وبعد زيارتها لحي بابا عمرو يوم الأربعاء الماضي، أصبحت مسؤولة الإغاثة في الأمم المتحدة فاليري اموس هي أول مراقب دولي يدخل هذا الحي المنكوب منذ فرض حصار على الحي استمر لأربعة أسابيع، الذي انتهي الأسبوع الماضي. وقد انضمت اموس، وهي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إلى فريق من الهلال الأحمر السوري. وصرحت لجنة الصليب الأحمر في بيان لها صدر من جنيف بأنها لم تحصل بعد على تصريح لزيارة الحي.

وطبقا للبيان، اكتشف فريق الهلال الأحمر أن «الغالبية العظمى من السكان قد غادروا منازلهم في الأيام الأخيرة للبحث عن ملجأ آمن في المناطق المجاورة».

وعلى الرغم من العنف الدائر والإحباط المتزايد للنواب الأميركيين من التقاعس الواضح للولايات المتحدة الأميركية، يؤكد مسؤولو البنتاغون أن أي تدخل عسكري سوف يكون أمرا شديد التعقيد.

وفي حديثة إلى النواب، أول من أمس، قال الجنرال مارتن ديمبسى، وهو رئيس هيئة الأركان المشتركة: «سوف يتطلب الأمر فترة زمنية طويلة وعددا كبيرا من الطائرات». وأضاف ديمبسي أن هذا يرجع لتمركز غالبية قوات الدفاع الجوي السورية في المناطق الغربية المكتظة بالسكان في سوريا، حيث تحدث معظم أعمال العنف ضد معاقل المعارضة، الأمر الذي سوف يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وغيرها من الأضرار الجانبية.

وتتغير تقييمات أبرز مسؤولي المخابرات، في غضون أسابيع قليلة، للسؤال المحوري حول قدرة بقاء الرئيس السوري في السلطة أم لا، فبعد أن صرح مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، في وقت سابق، بأن سقوط الأسد يعد مسألة وقت، عاد وصرح الشهر الماضي بأنه يبدو أن الأسد سيظل في السلطة لفترة غير محددة. وفي نفس جلسة الاستماع التي عقدت في 16 فبراير (شباط)، قال كلابر: «تدل الإشارات حول قيام بعض كبار المسؤولين في نظام الأسد بعمل خطط طارئة لإجلاء ونقل الأسر ونقل الموارد المالية على أنهم متحدون معا، حتى هذه اللحظة».

وتعد مسألة تفكك الدائرة المقربة من الأسد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة والجامعة العربية، التي قامت بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا وعلى الكثير من كبار أعضاء حكومة الأسد لإجبارهم على الانقلاب على النظام.

ولحماية نظامه، يعتمد الأسد على ممارسة أعمال قمع وحشية ضد معارضيه، فضلا عن بعض السياسات الاقتصادية التي أدت إلى إثراء أقربائه وبعض أفراد الطائفة العلوية الموجودين في قلب نظام الحكم.

وقال أندرو تابلر، وهو خبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «هذا هو الشيء الحقيقي الذي يحافظ على وحدة النظام. هؤلاء الأشخاص يجنون الملايين من الدولارات سنويا، كما يستثمرون بصورة هائلة في النظام. المشكلة تكمن في أننا لا نملك حدسا قويا حول العلاقات بينهم وفي أي نقطة ستنقطع تلك العلاقات».

ويقول المسؤولون الأميركيون إن التحويلات النقدية، التي من المحتمل أن تتضمن حسابات في بعض البلدان، مثل دبي أو لبنان، تعد بمثابة مصادر محتملة للمشكلات بالنسبة للأسد. لكن يمتلك المحللون في وزارة الخزانة وبعض الوكالات الأخرى قليلا من المعلومات حول تلك التدفقات النقدية وقدرة قليلة على فهم ما تعنيه التدفقات.

ويقول روجرز: «نشعر بأنهم يقومون بنقل تلك الأموال لأسباب احترازية. وأعتقد أن كل هؤلاء الأشخاص يعملون على حماية أموالهم».

* أسهم في كتابة هذا التقرير ليز سلاي من بيروت وكارين دي يونغ من واشنطن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»