تونس: غضب بعد إنزال العلم التونسي من فوق مبنى كلية وإبداله بعلم السلفيين

جدل واسع حول زيارة الجبالي لوزراء بن علي وأصهاره المعتقلين

جدل بين طالبين بسبب إنزال العلم التونسي وإحلال علم السلفيين مكانه على جامعة منوبة (رويترز)
TT

تركت عملية إنزال العلم التونسي من فوق مبنى كلية الآداب والفنون في مدينة منوبة الواقعة شمال تونس العاصمة لمدة ناهزت الساعة، ووضع علم أسود باعتباره رمزا للخلافة من قبل مجموعة من الطلبة المنتمين للتيار السلفي، سخطا عارما لدى مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية. وتعد هذه هي العملية الأولى من نوعها التي تقع في إحدى الفضاءات العمومية، وهو ما أدى إلى استنكار مختلف الأطراف، بينما اعتبر البعض ذلك «جريمة في حق الوطن»، وصنفه آخرون ضمن «الغزوات» التي دأب السلفيون على القيام بها في المؤسسة الجامعية.

وبينما أعلنت وزارة العدل أمس عن فتح تحقيق لمعرفة المعتدين على العلم التونسي، عبرت رئاسة الجمهورية عن استنكارها للحادثة، وقالت في بيان نشرته في كل وسائل الإعلام المحلية إن «إنزال العلم عمل جبان ومدان وجريمة في حق الوطن والشهيد». وقال المتحدث باسم الرئاسة إن «الاعتداء على العلم المفدى اعتداء على أحد رموز الوعي الوطني الجمعي الذي استشهد من أجله تونسيون كثيرون على مر التاريخ النضالي المشترك ضد الاستبداد والاستعمار». ودعا السلطات الأمنية والقضائية إلى التعامل بأقصى درجات الصرامة والقوة حتى لا يتجرأ أحد على المس بالراية الوطنية، على حد تعبيره.

واعتبر بعض السياسيين بيان الرئاسة بمثابة «قرع طبول الحرب» ضد التشدد الديني ودعوة صريحة لاعتماد المعالجة الأمنية لتحجيم بؤر التوتر وبسط الاستقرار في المؤسسات الجامعية. وعرفت مختلف المؤسسات الجامعية أمس موجة غضب غير مسبوق، وحدت مختلف الاتجاهات السياسية (سواء من اليمين أو اليسار) ضد كل أشكال التطرف، وتوقفت الدروس الجامعية بمعظم المؤسسات لمدة تجاوزت الساعتين خصصها الطلبة والأساتذة الجامعيون للنقاش حول ما سموه «جريمة الاعتداء على العلم في كلية منوبة». وعبرت أعداد كبيرة من الطلبة عن سخطها على «إهانة العلم». وقال عز الدين زعتور، رئيس اتحاد طلبة تونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يأسف لتوجه الكلية نحو أعمال تمس من هيبة الدولة، ودعا إلى منع العنف والفوضى داخل المؤسسات الجامعية.

وكان المجلس العلمي لكلية الآداب والفنون بمنوبة قد طرد يوم الثلاثاء طالبتين منتقبتين من الجامعة لمدة ستة أشهر، وطرد طالبا أقام بيت صلاة بالقوة داخل إحدى قاعات الدرس. وتأتي حادثة إنزال العلم كرد فعل تجاه تلك القرارات. وكانت الكلية قد أصدرت منذ يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قرارا بمنع الموظفين والأساتذة والطلبة من ارتداء النقاب وذلك «لأسباب تربوية»، كما فسرت الكلية القرار، إلا أن طلبة سلفيين فسروا القرار بأسباب آيديولوجية وسياسية، وطالبوا بالسماح لطالبتين منتقبتين بدخول الكلية وقاعات الدرس ومواصلة التعليم الجامعي بكل حرية. وفي سياق ذلك، اتهم وزير التعليم العالي التونسي المنصف بن سالم، أمس، عميد كلية الآداب في منوبة التي يستهدفها مؤيدو النقاب، بأنه لا يريد حل هذه المشكلة بطريقة سلمية، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال بن سالم، على هامش مؤتمر صحافي في قصر قرطاج الرئاسي «أتهم بشكل واضح زملائي (في الكلية) بأنهم لم يكونوا على مستوى حل هذه المشكلة». وأضاف أن «العميد لم يفعل ما يجب فعله لحل المشكلة سلميا لأن لديه نيات سياسية مبيتة». وتابع أن «قضية منوبة مشكلة مفتعلة.. هناك 96 فتاة في تونس يرتدين النقاب في المؤسسات الجامعية الـ193، وليست هناك أي مشكلة سوى في منوبة». وتابع «لست مع النقاب ولا ضده، وأرى أن هناك مدرسين يعملون في الخليج حيث ترتدي البنات النقاب ولا يطرح ذلك أي مشكلة»، متهما «وسائل الإعلام والمجلس العلمي لجامعة منوبة بتضخيم المشكلة».

إلى ذلك، تركت زيارة حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية نهاية الأسبوع الماضي، إلى عدد من وزراء الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وأصهاره المعتقلين في الثكنة العسكرية في العوينة، وسجن المرناقية القريب من العاصمة، جدلا واسعا حول مشروعية تلك الزيارة وأبعادها، خاصة بعد أن تمت في ظل صمت إعلامي محلي.