ميليشيات ليبية تعبر عن استعدادها لتسليم مواقع حساسة لسلطات المجلس الانتقالي

حكومة طرابلس: شكل نظام الحكم سوف يقرره الليبيون من خلال الدستور * المفتي يحذر من تقسيم البلاد

TT

أعلنت ميليشيات ليبية كانت أسهمت في إسقاط نظام معمر القذافي، أمس، أنها على استعداد لتسليم السلطات المركزية المؤقتة مواقع حساسة كانت سيطرت عليها أثناء الثورة.

وجاءت هذه التصريحات في اليوم الأخير من مؤتمر نظم في مصراتة (210 كلم شرق العاصمة الليبية)، أعلن خلاله الميثاق الوطني الذي يراد له أن يكون قاعدة المجلس التأسيسي، الذي من المقرر انتخاب أعضائه في يونيو (حزيران) لوضع دستور جديد لليبيا.

ولا تزال الكثير من المواقع الحساسة، مثل مطار طرابلس ومبان رسمية تحت سيطرة كتائب «الثوار»، التي تفرض سيطرتها على الكثير من مناطق البلاد. وقال ممثل قبلي وعسكري لمدينة واو الكبير (جنوب): «نحن على استعداد لتسليم جميع الحواجز على الحدود الجنوبية».

كما أعلن قائد قبلي آخر هو أحمد عبد الجليل الحسناوي، أن أهالي منطقته على استعداد لتسليم مطار وادي الشاطئ قرب مدينة سبها (كبرى مدن الجنوب) إلى المجلس الوطني الانتقالي.

من جانبه، قال يوسف بن يوسف، قائد مجلس مصراتة، ثالث أكبر مدن ليبيا، التي أسهم مقاتلوها بنشاط في «تحرير» طرابلس والقبض على القذافي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن مباحثات تجري في المدينة بشأن تسليم كل مداخلها وأيضا مطارها للمجلس الانتقالي. وقال: «إن الثوار قبلوا تسليم مراقبة نقاط الدخول» للمدينة، مضيفا أن توقيت التسليم سيحدد في الأسابيع المقبلة.

وأكد وزير الداخلية الليبي، فوزي عبد العال، لوكالة الصحافة الفرنسية أن «أحد أكبر التحديات» يتمثل في استعادة السيطرة على المؤسسات والحدود التي يسيطر عليها حاليا «الثوار».

واعتبر الوزير عبد العال أن المشكلة مزدوجة: فبعض المجموعات المسلحة ترفض التفريط في الصلاحيات التي منحتها لنفسها، في المقابل فإن الدولة لا تملك حتى الآن وسائل تحمل كل مسؤولياتها خصوصا القيام بأعمال الدورية على طول الحدود الممتدة من دون مساعدة هذه الكتائب.

وقال إن «على الاتحاد الأوروبي أن يساعدنا، وهذا أمر يخدم مصلحته أيضا»، في تلميح إلى الهجرة من دول جنوب الصحراء.

وتلقت جهود الدولة الليبية الغارقة في مرحلة إعادة بناء شرطتها وجيشها، ضربة موجعة، الأربعاء، مع إعلان قيادات في الشرق الليبي رغبتها في إقامة نظام فيدرالي في «إقليم برقة».

وفي غضون ذلك، أصدرت الحكومة الليبية الانتقالية، مساء أول من أمس، بيانا صحافيا حول إعلان إقامة نظام فيدرالي تحت مسمى «مجلس برقة»، أعلنت فيه رفضها للمحاولات الفردية لفرض أي نوع من الوصاية على الشعب الليبي.

وأكدت الحكومة في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الليبية (وال) أن شكل نظام الحكم «سوف يقرره الليبيون من خلال الدستور»، كما أكدت رفضها المساس بوحدة الوطن وفاء لدماء الشهداء، وأنها ستعمل على ترسيخ اللامركزية وتوفير الخدمات لكل المواطنين»، في جميع ربوع ليبيا من خلال المجالس المحلية المؤقتة». ووصفت الحكومة الإعلان بأنه يعد تسلطا وتعسفا في حق الشعب «مهما كانت أهدافه ودوافعه». ودعت الليبيين إلى التريث والانطلاق نحو البناء وإزاحة كل عوائق التقدم والنهضة، ريثما يتم وضع الدستور والتصديق عليه من قبل الشعب بأكمله، وتحديد شكل الدولة الذي يتوافق عليه الشعب.

ومن جهته، حذر مفتي الديار الليبية، الشيخ الصادق الغرياني، من أن إعلان منطقة برقة «إقليما فيدراليا اتحاديا» هو «بداية لتقسيم ليبيا» و«ابتعاد عن شرع الله»، محملا الفساد المستشري في البلاد المسؤولية عن مثل هذه الدعوات. وقال الغرياني في بيان أصدره في وقت متأخر من مساء أول من أمس، وتلقت وكالة الصحافة الفرنسية نسخة منه، إن «الفيدرالية هي بداية التقسيم، والتقسيم يؤدي حتما إلى الخلاف، ويفتح الباب للنزاع على أشياء كثيرة، منها: مصادر الثروات، وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام لنا (فرق تسد)».

وأضاف المفتي: «إذا استمر الفساد ضاربا أطنابه فـ(الفيدرالية) لن تحل المشكلة، والشعور بالتهميش سيستمر، والمطالبة بمزيد من الإقليمية لن يتوقف»، مؤكدا أنه «كلما انقسمنا أحسسنا أننا بحاجة إلى مزيد من الانقسام، لأن الفساد لا يمكن أن يتحقق معه عدل في تقسيم الثروات»، داعيا الجميع إلى «الاعتصام بحبل الله».

واعتبر الغرياني أن «الحل الحقيقي الذي يقضي على المركزية البغيضة التي هي سبب كل البلاء هو القضاء على الفساد الإداري المتفشي، وبفرض القانون، وإدارة صارمة عادلة تراقب كل مقصِّر في عمله وتعاقبه».

وأشار المفتي إلى أن قياس ليبيا على فيدرالية الولايات المتحدة هو «مغالطة كبيرة، وخطأ فادح»، لأنهما «ليسا سواء؛ لا من حيث الجغرافيا ولا تعداد السكان، فالمسافة بين بعض مدن الولايات المتحدة تصل إلى ست ساعات طيران، وتعداد سكانها يقرب من تعداد سكان العالم العربي». وقال: «لو طلبنا ولايات فيدرالية تحت حكومة مركزية واحدة للوطن العربي من الرباط إلى أبوظبي، حينها يكون القياس صحيحا، لكن ذلك حلم أنى لنا به».

وناشد الغرياني الليبيين الحفاظ على وطنهم، وقال: «يا أبناء ليبيا ارحموها، ولا تضيعوها بشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب».

بدورها حذرت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا من أن «الفيدرالية ستكون خطوة في اتجاه تمزيق ليبيا»، داعية إلى التمسك بـ«الوحدة الوطنية» لقيام «دولة مدنية». وقالت الجماعة في بيان تلقت وكالة الصحافة الفرنسية نسخة منه أنها تعتبر «الوحدة الوطنية لليبيا هدفا أساسيا ورافدا حيويا من ثوابت ثورة 17 فبراير نحو إرساء دعائم دولة مدنية تتمتع بدرجة عالية من التجانس في إطار موحد».

وأكدت أن «المشكلة كانت مع النظام الشمولي، والفوضوية الإدارية لا يمكن أن تحل إلا بالبناء المتدرج لمؤسسات الدولة»، مشددة على أن «الإدارة المحلية بمفهومها الصحيح هي البديل الأمثل للفيدرالية التي ستكون خطوة في اتجاه تمزيق ليبيا كما حدث في السودان». وأعلنت رفضها «للمصالح الجهوية أو الطموحات الشخصية الضيقة التي تستهدف المراهنة على التوجه الفيدرالي كعامل ضعف للدولة الليبية.

وشددت الجماعة على أن الفيدرالية «تجعل من ليبيا لقمة سائغة للتدخلات والاختراقات الخارجية وخطوة رجعية نحو الانقسام والتشرذم»، داعية «جميع الأطراف للحوار من خلال تشكيل جماعات الضغط والأحزاب السياسية وعرض الأفكار على نطاق واسع يتيح التعرف على الفرق بين النظام السياسي للدولة وشكلها الإداري».

وفي سياق ذلك، أعلنت تونس أمس «رفضها التام لكل ما من شأنه أن يهدد الوحدة الوطنية والترابية» لجارتها ليبيا بعد يومين من إعلان زعماء قبائل وساسة ليبيين منطقة برقة (شرق ليبيا) «إقليما فيدراليا اتحاديا».

ودعت وزارة الخارجية التونسية الليبيين، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إلى «الالتفاف حول المجلس الوطني الانتقالي (الليبي) بصفته الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي، ودعم الحكومة الانتقالية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ ليبيا».

وأعلنت «دعم تونس المتواصل ومساندتها المطلقة لكل الجهود الخيرة والمكثفة التي تبذلها السلطات الليبية الشرعية ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية، من أجل ضمان وحدة ليبيا وحماية أمنها واستقرارها».