أحمد قذاف الدم: نريد أن نتسامح من أجل مستقبل أفضل لليبيا

قال لـ «الشرق الأوسط»: لم أكن مسؤولا عن الاستثمارات ولم أجند مرتزقة

قذاف الدم
TT

في أحد الفنادق بالقاهرة، تحدث أحمد قذاف الدم لـ«الشرق الأوسط» في حوار موسع هو الأول من نوعه الذي يجريه أحد اللاعبين الأساسين في المشهد الليبي، إبان فترة حكم العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، الذي تقلد قذاف الدم خلالها منصب مبعوث القذافي الشخصي.

قبل أيام، أصدر أحمد قذاف الدم بيانا حول أهمية الحوار والمصالحة الوطنية، بين أطياف الشعب الليبي، من أجل الانتصار لليبيا وإرادة شعبها، مشددا فيه على ضرورة التفكير الجدي في هذه المصالحة، وأن تتم بحضور الدول الصديقة والأمم المتحدة، وتستضيفها الجامعة العربية وتعقد في مقرها بالقاهرة مع وضع جدول زمني للانتهاء من هذا الملف الشائك.

وحذر قذاف الدم من مغبة تجاهل موضوع المصالحة، نظرا لخطورة ما يجري على أرض الواقع من محاولات لتقسيم ليبيا، وعلى أمنها واستقرارها، كما تحدث عن الاتهامات والادعاءات التي وجهت إليه على خلفية أنه كان أحد المقربين من القذافي، وقال: «أنا على استعداد للمثول أمام القضاء بعد بناء مؤسسات الدولة الليبية». وحول إمكانية عودته حاليا إلى ليبيا، أكد أنه يمكن أن يعود إلى ليبيا في أي وقت ولا يمنعه أحد، وأشار إلى أن ملف القبائل مهم وحساس، لأنهم يشكلون نصف تعداد السكان.

* أطلقت مؤخرا دعوة للحوار والمصالحة؛ ما دوافعك؟ وهل تتوقع نجاح هذه الرسالة؟

- لقد وجهت هذه الدعوة بعد قراءات متأنية لما يجرى في ليبيا، وبعد لقاءات كثيرة قمت بها مع مواطنين في الداخل والخارج ومعظم التيارات السياسية والقبلية والشباب، ورأيت أن المصلحة العليا للبلاد تتطلب حوارا جادا ومخلصا، وكما ذكرت، نلملم الآلام ونضمد به جراح الوطن بعيدا عن الرعب والرصاص والتخوين وروح الانتقام.

* هل تجاوبت هذه القوى مع هذه الدعوة؟

- صدرت ردود فعل إيجابية كثيرة عن أحزاب سياسية وأعضاء من المجلس الانتقالي وبعض الشخصيات العسكرية والقبائل، وعلى الجانب الآخر، وكما كنت أتوقع، هناك أيضا ردود فعل سلبية وشتائم لمن لا تنشرح صدورهم لهذه الدعوة، ويرون أن أنحاء الوطن وأمنه ووحدته ودماء أبنائه لا يتطلب هذه التضحية، وفي كل الأحوال أردت أن أقول للجميع إن هناك طريقا آخر للخلاص من كل الاختناقات غير التنابذ بالألقاب والرصاص والسجون والتعذيب، أو الهروب من المسؤولية في هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي تتطلب من الجميع تحمل المسؤولية بصبر وشجاعة مرة أخرى أدعو الجميع وكل من يمتلك ذرة حب للوطن أن يعمل من أجل الحفاظ على وحدة واستقرار البلاد، وأدعو كذلك كل ثائر من أجل القيم ومن يدافع عن ثورة الفاتح ومبادئها وثورة 17 فبراير وقيمها الانحياز لدعوة ونداء المصالحة والحوار وبناء نسيج مجتمعي يعالج كل ما يعاني منه المواطن الليبي، لأن كل الذي جرى هو انحراف عن روح الثورة وقيمها النبيلة التي تتحدث عن سلطة الشعب، وعن العدل والمساواة والشورى والديمقراطية وكل ما يطالب به شباب 17 فبراير الذين ما زالوا يعسكرون في الميادين. لدينا مئات الآلاف من الليبيين في الخارج، وبدأوا في تشكيل تجمعات للمعارضة، ولدينا أيضا الآلاف الموجودون في السجون ويمارس ضدهم ما كان يتهم به النظام السابق، وما زالت هناك اتهامات من مسؤولين حول المال العام، كما قال السيد وزير المالية (زقلام)، أو ما تصرح به يوميا منظمات حقوق الإنسان و«أطباء بلا حدود» والأمم المتحدة حول كثير من الممارسات والانتقادات. إذن علينا أن نستدرك الأمر كما قال السيد (مصطفى عبد الجليل) رئيس المجلس الانتقالي، قبل أن تسقط البلد في الهاوية (لا قدر الله). جميع مدننا وقراها مسلحة، وقد أثبتوا للعالم شجاعة نادرة على الجانبين، كما فقدنا خيرة شبابنا على الجانبين أيضا، واللحمة الوطنية مهددة ونحن أمام اختبار صعب وبقي علينا إنجازه بالحوار والمصالحة، وأنا أعرف أن كلامي هذا يؤيده غالبية الليبيين من الطرفين لأنه الخيار الأمثل إذا ما جلسنا جميعا نتحاور، وليشارك معنا أو يحضر من يريد من الدول والمنظمات ليكون شاهدا على جدية وحيوية مناقشة كل القضايا والملفات التي تقود ليبيا إلى بر الأمان، كما أنني أدعو لمشاركة كل القوى السياسية الليبية في الحوار دون استثناء، كما لا ينبغي أن يأتي طرف لإملاء شروط على طرف آخر، فجميعنا أبناء هذا الوطن ولدينا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات وجميعنا يطالب بالتحقيق ومحاكمة كل من أجرم في حق هذا الوطن من الطرفين، وعليه فمطلوب من الجميع تقديم تنازلات من أجل عزة ليبيا واستقرارها.

* أي من المنظمات والدول تقصد للمشاركة في الحوار؟

- أقصد جميع الدول الصديقة لليبيا، التي جاءت من أجل حماية المدنيين والجامعة العربية والمنظمات الحقوقية والأمم المتحدة.

* أين وكيف يعقد هذا الحوار؟

- يعقد في أي مكان يأنس إليه كل الأطراف، ليكن في مصر على سبيل المثال، في مقر جامعة الدول العربية كمرحلة أولى ثم ينتقل إلى ليبيا، كما أرى ضرورة تشكيل لجنة مصغرة من الطرفين لرعاية هذا الحوار، وأن يتم وضع جدول زمني وأسس ومعايير لجدول الأعمال. وأعرف أن هناك من سيقول إننا انتصرنا وحسمنا الأمر بالسلاح، وإن الطرف الآخر مجرد فلول وأزلام. وبذلك نرى أن هناك تساويا بين الضحية والجلاد، ولكنني أعرف أن الضحية ما زال ضحية لأنه هو الشعب الذي ما زال يعاني، وهناك أيضا من يقول على الضفة الأخرى إن هؤلاء جاء بهم ثلاثون ألف غارة من الناتو وصواريخه، لكن الصواريخ لا تصنع الشرعية، ونحن قبائل كبيرة ومنتشرة من شرق ليبيا إلى غربها ونشكل أكثر من 50 في المائة من تعداد السكان، وأنا أريد بهذا الحوار بين أهل ليبيا أن نسقط هذه اللغة، وأقول: نحن أبناء ليبيا جميعا ونريد أن نتسامح من أجل غد يتحرك فيه المواطنون إلى كل ربوع ليبيا دون خوف، وأن يذهب أبناؤهم إلى المدارس والجامعات متشابكي الأيدي. ومن مصلحة الجميع، وكذلك جيراننا، أن نعمل من خلال الحوار للاتفاق على القواسم المشتركة حتى نصل إلى المستقبل الذي يحلم به الجميع، كما أنني أذكر بما أعلنته سالفا بأنه لا انتصار لليبيا دون أن يعود مئات الآلاف من النازحين في الداخل والخارج، ولا انتصار لليبيا والسجون تغص بالآلاف من الرجال والنساء، ولا انتصار لليبيا ونحن نفرق بين من سقطوا هنا أو هناك، بغض النظر عن الراية التي يحملها، أو نفرق بين مدينة وأخرى وحريتنا جميعا ناقصة، ونحن جميعا أبناء هذا الوطن وشركاء فيه.

* هل من خطر يهدد ليبيا من طرح الفيدراليات والتقسيم في الجنوب والشرق؟ وكيف ترى ما لمح إليه جون ماكين بدولة لأنصار القذافي في مدينة سرت؟

- بالتأكيد هناك أطماع كثيرة في ليبيا وسوف تستغل الإثنيات العرقية والمعارضة الليبية في الداخل والخارج، ولذلك يجب أن نقطع الطريق على كل هذا، أما مستقبل ليبيا فسوف يقرره شعب ليبيا العظيم ومن دون رصاص وصواريخ أو ضغوط، ولهم الحق في اختيار النظام الذي يرتضونه ويشارك فيه الجميع، أيا كان؛ فيدراليات، محافظات، برلماني رئاسي، رئاسي.. المهم المشاركة الجماعية دون إقصاء أو تهميش ولا يوجد هناك خلاف على ذلك. أما الخطورة فهي انفراد طرف بوضع دستور، أو فرض وصاية، أو شعور طرف آخر بغبن لأن هذا سيؤدي إلى انفجار، ولا أحد يستطيع أن يكون بمنأى عنه، وهذا ما أحذر منه.

* ما الملفات التي يجب أن يركز عليها هذا الحوار؟

- هناك تحديات كثيرة تنتظرنا ولا نستطيع من خلال الاتهامات المتبادلة أو تصدير الأزمة أن نسقطها من حساباتنا، ويعرفها كل ذي بصيرة، وكل الليبيين يعرفون ماذا أقصد، وبعيدا عن المكابرة نحن عائلة واحدة ومن أحسن فهو لنا ومن أساء كذلك.

* ما الدور الذي ستقوم به في الحوار والمصالحة؟

- أولا لقد احتفظت لنفسي بمسافة مما جرى في بلدي، وأنا أتواصل مع كل الأطراف، ولا أدعم طرفا على حساب الآخر حتى هذه الساعة، وقد توجهت بنداء المصالحة والحوار بعد أن راعني ما حدث ويحدث في بلدي، ولا أبحث عن أي دور أو منصب وسأظل جنديا لليبيا، وإن كان مستقبلي وراء ظهري.

* هل تفكر في العودة إلى ليبيا؟

- قد أعود إلى ليبيا في أي لحظة لأنني خرجت منها باختياري يوم 17 فبراير ولا أحد يمنعني من العودة إلى وطني.

* هل أنت محسوب على مصر؟

- مصر هي بلدي الثاني وقد ولدت فيها لأن أسرتي هاجرت إلى مصر منذ العهد الإيطالي عندما طردها الاحتلال، وقد تزوج والدي ابنة أحد مشايخ قبيلة أولاد علي، الذين أعتز بهم، التي تعود أصولها إلى ليبيا، ومعروف أنها نزحت إلى مصر خلال العهد التركي. أما والدي فهو أحد مؤسسي جيش التحرير في مصر في حقبة الأربعينات. وبالنسبة لي فقد تخرجت في الكلية الحربية من مصر وكان لي الشرف أن أكون ضمن القوات الليبية التي شاركت في حرب أكتوبر، كما عملت خلال حقبة الرئيس الراحل، أنور السادات، في مهام سياسية وعسكرية بمصر، وأسهمت في بناء جسور هذه العلاقة، كما نعتبر، نحن الوحدويين، القاهرة عاصمة الأمة العربية، وأن هذا الوطن الكبير هو وطن واحد من طنجة إلى البحرين، وأتمنى أن يؤدي هذا الحراك الشعبي في الوطن العربي إلى هذه النتيجة، وحدة كل الشعوب العربية لأن هذه المشكلات المزمنة لن تنتهي إلا بدمج إمكانيات الجسد العربي الغني بكل مقومات النجاح والانتصار على كل الهزائم والانكسارات التي تمر بها المنطقة، وأرى أن الثورة الحقيقية تظل ناقصة ما لم يكن هذا الحلم العربي من أهم أهدافها النهائية.

* كيف ترى الانتقادات الكثيرة التي وجهت إليك حول بيع الاستثمارات الليبية في مصر، وتجنيد مرتزقة على الرغم من أنك أول من استقال وترك النظام السابق احتجاجا على ما حدث في مدينة بنغازي؟

- أولا، أرجو أن لا يفهم كلامي بأنني أدافع عن نفسي من خلال هذا الطرح، لقد سبق أن أجبت عن هذه الاتهامات الباطلة لأن عملي طوال السنوات الماضية كان في مجال القوات المسلحة والعلاقات الدولية والعربية، ولم أكن مسؤولا عن ملف الاستثمارات، كما أن عملي لم يكن به أي جانب مادي، وهناك في المجلس الانتقالي الحالي وزراء سابقون ويعرفون ذلك جيدا، لذا أقول إن استثمارات ليبيا في مصر تعود للدولة الليبية، وقد عبر عن ذلك السيد وزير التخطيط الليبي في حواره مع قناة «الجزيرة»، الذي أجراه معه الإعلامي أحمد منصور عندما قال: إن الاستثمارات الليبية في مصر لم تُمس، ومن ثم فكل ما يتردد حولي من اتهامات وادعاءات باطل يكذبه الواقع، وهو عبارة عن تكملة للحرب النفسية والصراع السياسي وهذا واضح. أما فيما يتعلق بالتهمة الثانية، وهي تجنيد قبائل أولاد علي، كما ذكرت أكثر من مرة فهم (أخوالي) وأنا أعتز بهم، وهم كذلك يعتزون بي، وقاموا بدور في الأزمة الليبية ويستحقون الاحترام وكل التقدير، فقد فتحوا بيوتهم لاستقبال كل المواطنين الذين نزحوا بسبب انتفاضة بنغازي، وبعد وأثناء قصف حلف الناتو، وقامت هذه القبائل باقتسام قوتها مع كل مواطن ليبي وصل إلى مدينة مطروح، ومن ثم ليس من اللائق أخلاقيا أن يتهموا بهذا، ولأن معمر القذافي لم يكن ينقصه الرجال، كما أنني على استعداد للمثول أمام المحكمة حول كل هذه الادعاءات بعد بناء الدولة الليبية ومؤسساتها الشرعية والدستورية.

* ما رأيك في وصول بعض التيارات الإسلامية للسلطة؟

- ليس لدي ما يمنع من ذلك، خاصة بعد هذه التجربة الطويلة في الوطن العربي وعدم نجاح اليساريين والقوميين والأنظمة التي سادت في الحقبة الماضية. إنني مع أن تأخذ هذه التيارات الإسلامية فرصة لعلها تستطيع أن تجتاز العقبة خصوصا بعد نجاحهم في مصر وتونس، وبالتالي إذا ما نجحوا في ليبيا ستكون هناك أنظمة متجانسة لعلها تستطيع أن تدمج هذا الكيان كي يخرج من هذا الوهن والانقسام، وأيضا في ظل بروز نعرات عرقية نستطيع تجاوزها. إن راية الإسلام التي ترفرف فوق شمال أفريقيا تنسجم مع هذا المد الإسلامي الجديد، ثم إن الدين الإسلامي دين عدل ومساواة وشورى وتسامح، ونحن في ظل طغيان المادة نحتاج لاستدعائه لإعادة ثقة الأمة بنفسها.