السفير البريطاني بدمشق: نظام الأسد سيسقط خلال أشهر نتيجة انهيار داخلي

كوليس قال لـ «الشرق الأوسط» إن الساعة الاقتصادية تدق في سوريا وسيكون لها تأثير مهم

السفير البريطاني في دمشق سايمون كوليس (تصوير: حاتم عويضة)
TT

عندما تولى سايمون كوليس منصب السفير البريطاني لدى سوريا، لم يكن غريبا عليها، فهو تعلم اللغة العربية فيها قبل 25 عاما وقام بزيارتها مرات عدة قبل أن يصبح سفيرا لديها عام 2007. ولكن غادر كوليس دمشق يوم 29 فبراير (شباط) الماضي تحت ظروف صعبة لم يتخيلها عندما وصل إلى سوريا قبل 4 سنوات، إذ تركها عند تعليق السفارة البريطانية مهامها في دمشق خوفا من تدهور الوضع الأمني وفي خطوة زادت من عزلة نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يواجه انتفاضة شعبية واسعة. ويعمل كوليس الان في مقدمة الفريق البريطاني الدبلوماسية الذي يبحث عن سبل للتعامل مع الوضع السوري. والتقت «الشرق الأوسط» كوليس في مقر وزارة الخارجية البريطانية صباح أمس للحديث عن آخر المستجدات في سوريا والخطط المطروحة لمعالجة الأزمة فيها. وفيما يلي نص الحوار:

* تم الإعلان عن انشقاق معاون وزير النفط السوري عبدو حسام الدين، فما أهمية هذا الانشقاق وهل تتوقع تصاعد وتيرة الانشقاقات خلال الفترة المقبلة؟

- هذا أمر ممكن، أعتقد أنه أمر مهم كمؤشر لمسار الأمور، هناك أشخاص شرفاء يشغلون مناصب داخل هذه الحكومة وفي هذا النظام والذين يشعرون بالخزي من تصرفات هذا النظام ضد شعبه ولم يعودوا مستعدين لاعتبارهم مرتبطين به حتى وإن كان بشكل غير مباشر.

لا أحد يعتبر أن معاون وزير نفط جزء من آلة القتل ولكن حتى من موقع غير مباشر كونه جزءا من الحكومة، من الواضح أنه شخص استمع إلى ضميره وقلبه وقرر أن الوقت قد حان، على الرغم من المخاطر على عائلته، أن يتخذ قرارا وأعتقد أنه أمر علينا احترامه والترحيب به.

أما إذا كان ذلك سيؤدي إلى خطوات مثل هذه، سنرى. إنه المنشق الأرفع، ولكنه ليس الأول. وكما نرى؛ الأمور تسير، أعتقد نعم بإمكاننا توقع المزيد من هذه الخطوات. أعتقد أن هناك كثيرين ولا بد يشاركونه مشاعره ولكن لا يجدون أنفسهم قادرين على التحرك بسبب الخوف. وعندما يتراجع الخوف أو تزداد ضغوط الأحداث التي لا يمكن تحملها، حينها يمكن توقع أن يخطو آخرون خطوته الشجاعة.

* عندما كنت في دمشق كنت تجري اتصالات مع أشخاص في الحكومة وآخرين في المعارضة. هل لمست لدى آخرين الاستعداد للانشقاق لولا الخوف الذي تتحدث عنه؟

- نعم، لقد تحدثت إلى وزراء سابقين من الحكومة السابقة التي تم إقالتها العام الماضي، وبعض هؤلاء هم أشخاص محترمون تبوءوا مناصب بسبب خبراتهم كونهم تكنوقراط وليس بالضرورة لأنهم بعثيون.

وعند الحديث معهم كان من الواضح أنهم لم يرغبوا بعد الارتباط مع نظام يقمع شعبه ويقتل ويعتقل ويعذب الناس. وتمت إقالة الحكومة تلك وتم إعفاؤهم فلم يستقيلوا، ولكن هناك وزراء وآخرون مسؤولون رفيعو المستوى يعرفون أن هذا النظام لم يعد يمثل طريقا إلى الأمام. ربما كانوا في السابق يعتقدون أنهم يقومون بمهام دولة أو أنهم كانوا يتبعون وظيفة دولة أو أنهم كانوا يعتبرون أنهم يلعبون دورا في تنمية البلاد ولكن وجدوا أن ذلك ليس ممكنا تحت هذه القيادة.

* ما الخيارات المتاحة، البعض يعتبر أنه من الممكن التوصل إلى خطة مماثلة لتلك التي تم تطبيقها في اليمن وتقدم مخرجا للرئيس السوري بشار الأسد بطريقة سلمية بينما آخرون ينظرون إلى الخيار العسكري. هل ترى خيارا ثالثا؟

- أعتقد أن هناك تفاعلا بين «الخيار» العسكري والسياسي، ما يحدث على واقع الأرض بالطبع يؤثر على فرص الحل السياسي. في النهاية لا بد وأن يكون الحل سياسيا، أي أزمة مثل هذه تحل فقط من خلال آلية سياسية. فالسؤال هو كيفية خلق الظروف لهذه الآلية السياسية. عندما بريطانيا كانت تعمل مع فرنسا والولايات المتحدة العام الماضي لتشجيع النظام على العمل باتجاه انتقال مبني على التفاوض، كنا واضحين بأن المشكلة التي يجب حلها هي مشكلة سورية - سورية، وليست مشكلة سورية - غربية. وكنا نشعر أنه من الضروري اتخاذ خطوات معينة لجعل الحل السياسي ممكنا، مثل إطلاق المعتقلين السياسيين وإنهاء القتل وإنهاء الاعتقالات والتعذيب والسماح للشخصيات المعارضة للقاء وتنظيم عملهم بحرية والسماح للصحافة بالعمل بحرية والقبول بمواصلة المظاهرات السلمية. وهذه كلها مقترحات تقدمنا بها. وشرحنا أنه ما دامت العمليات الأمنية مستمرة، نعتقد أنه ليس من الممكن التقدم في المسار السياسي، فليس من الممكن مواصلة المسارين. وعندما ننظر إلى ما حاولت تركيا إنجازه بعد شهر رمضان الماضي، كان التفكير نفسه وبنتائج وتوصيات مماثلة، ولكن النظام تجاهلها. وبعد ذلك، كانت هناك خطة الجامعة العربية وجوهريا نفس العوامل مطروحة. وإلى حين يتم ترتيب هذه العوامل، التي تحددها خطة الجامعة العربية والتي تشمل سحب المدرعات الثقيلة وإطلاق المعتقلين والسماح لدخول الصحافيين، هي التي ستحدد الظروف، وليست الشروط بل الظروف، التي تحدد عملية سياسية. ولكن لم يظهر النظام أي بوادر حسن نية في أي من الخطط، بما فيها الخطة العربية التي وقعتها الحكومة السورية ولم تطبق أيا من بنودها. وإذا لم يغير النظام أسلوبه، من الصعب معرفة كيف سيتم التوصل إلى حل سياسي ولكن يجب أن يبقى ذلك هدفنا السياسي.

* وبعد فشل كل تلك الجهود، يتوجه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان إلى دمشق، مع نفس الظروف والعوامل والموقف السوري، فهل لديك أي أمل بنجاح الزيارة أو التوصل إلى أي نتائج ملموسة؟

- علينا أن نرى، لقد رحبنا بتعيينه وندعم زيارته، وهو معين بشكل مشترك من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية وهذا أمر مهم. والمهمة التي فوض بها تشمل العمل على تطبيق خطة جامعة الدول العربية التي وقعت عليها الحكومة السورية نفسها. وما يطلب من السلطات السورية القيام به هو تطبيق قالوا تكرارا إنهم مستعدون للقيام به ولكن حتى الآن فشلوا بالقيام به. أما بالنسبة لنا ولشركائنا، ما يمكننا القيام به للمساعدة، فيشمل زيادة الضغط على النظام وزيادة عزلتهم السياسية وزيادة عزلتهم الاقتصادية والعمل على المحاسبة وهو أمر مهم. فمن الضروري أن يفهم القادة والضباط في الجيش والقوات الأمنية التي تنفذ أوامر هؤلاء القادة، وعليهم الفهم اليوم وحالا وليس بعد عدة سنوات، أن ما يقومون به الآن سيحاسبون عليه مستقبلا.

* ولكن هناك وعي بأن نقل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب قرارا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وذلك أمر غير وارد بسبب الرفض الروسي والصيني لذلك وإمكانية استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع مثل هذا التحرك، فكيف يكون أمر المحاسبة رادعا حقيقيا للقادة هناك؟ وفي الوقت الراهن، الكثيرون في النظام السوري يعتبرون أن حياتهم على المحك ويعتبرون أنهم إما ينفذون أوامر القتل أو يقتلون هم أو على الأقل يعرضون للقتل.

- نعم.. نحن نعمل مع سوريين ومنظمات عربية كي يقوم محامون بمقابلة ضحايا العنف والقمع ويرصدون الدلائل والشهادات والأدلة الجنائية كي تكون جاهزة في وقت مستقبلي، إذا كان ذلك للمحكمة الجنائية الدولية أو غيرها من السلطة قضائية، سنرى لاحقا، قد يكون للقضاء السوري مستقبلا. ولكن علينا العمل لزعزعة هذه الثقة «لدى القيادات السورية التي لا تعتقد أنها ستحاسب»، بالإضافة إلى أنه من الضروري أن المجتمع الدولي والمعارضة السورية أن تطلق رسالة بأنه من غير الضروري أن يكون الوضع هكذا، أن يكون الخيار اقتل وإلا فستقتل، من الضروري أن المعارضة السورية توضح أن رؤيتها لمستقبل سوريا فيها مساحة لكل السوريين، بغض النظر عن خلفيتهم وبغض النظر عن العوامل الطائفية.

* وماذا عن الخلفية السياسية؟

- من أكثر الأمور صعوبة لأي دولة ولأي شعب القيام به هو التوصل إلى خطة انتقال ولكن سيكون الانتقال ضروريا وسيتضمن أناسا من كل الأطراف بما في ذلك أعضاء من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وسيكون من الضروري أن يجدوا مساحة لهم في دولة جديدة ديمقراطية وملتزمة بالقانون. إنه أمر ليس سهلا ولكن سوريا ليست أول دولة تواجه هذه التحديات وقد واجهت دول عدة هذه التحديات ودول كانت أنجح من دول أخرى في التوصل إلى طريق سليم، على رأسها جنوب أفريقيا.

* فلنتحدث عن روسيا.. لقد أعلنت موسكو قبل أيام رفضها تغيير موقفها من الوضع في سوريا، كيف يمكن التوصل إلى اتفاق مع روسيا للضغط على النظام لوقف القتل؟

- علينا النظر إلى الصين وروسيا. بعد الفيتو الثاني في مجلس الأمن، تحدثت إلى مسؤولين رفيعي المستوى من الصين ولفتوا انتباهي إلى أن الصين استخدمت الفيتو 8 مرات فقط منذ أن انضمت إلى مجلس الأمن، 6 مرات في قضايا متعلقة بتايوان وهو أمر يقر به الجميع بأنه خط أحمر بالنسبة لبكين، والآن استخدموه مرتين بسبب سوريا. لا أعتقد أنهم متحمسون لمواصلة هذا النهج. وأعتقد أنه لا يوجد سبب ليشعر النظام (السوري) بأن لديه شيكا أبيض من الصين، وهي عضو دائمة مهمة في مجلس الأمن لديها مصالح عدة في المنطقة، بما في ذلك استقرار المنطقة. وعلى الرغم من موقفهم حول التدخل الخارجي في القضايا الداخلية ولكن أيضا لديهم مصالح اقتصادية وغيرها مهمة في المنطقة، وعليهم أن يقوموا بحساباتهم حول إذا كانت مصالح الصين الوطنية تتماشى مع دعم نظام محكوم عليه بالفشل على حساب علاقاتهم مع دول كثيرة في المنطقة وفي المجتمع الدولي الأوسع. وأما بالنسبة إلى روسيا، فأوضح وزير الخارجية (البريطاني ويليام هيغ) بعد الفيتو الثاني بأننا سنبقي على التواصل مع روسيا حول هذه المسألة. إذا كانوا سيدعمون نظاما يقوم بجرائم داخل بلده، سيفعلون ذلك تحت أضواء الإعلام الشديدة وأيضا تحت أضواء دبلوماسية شديدة، وسنتحدث علنا عما يقومون به ونتائج أفعالهم. إنهم الآن في وضع غير مريح، إنه أمر محرج أن يقوموا بالدفاع عن تصرفات لا يمكن الدفاع عنها. ولكن في الوقت نفسه، سنواصل الحديث معهم بشكل خاص وسنبقى على اتصال معهم. قد تكون مسودة القرار حول الوضع الإنساني التي يتم مناقشتها في نيويورك (لدى مجلس الأمن) حاليا فرصة للتعاون. فنحن نتعاون مع الروس أينما نستطيع في مجلس الأمن، وإذا شعرنا بأننا وصلنا إلى حدود لذلك التعاون من الممكن العمل خارج مجلس الأمن في إطار مجموعات مثل مجموعة أصدقاء سوريا ومع دول ذات مواقف مماثلة.

* برأيك، ما هي نقطة اللاعودة التي قد تشير إلى انهيار النظام السوري؟ وإلى أي درجة الاقتصاد يعلب دورا في هذه العملية؟

- أعتقد أنه من المستحيل معرفة متى سنصل إلى نقطة اللاعودة. ولكن مع تراجع الدعم للنظام وتفريغ الدعم نتيجة تصاعد عدد الأشخاص مثل معاون وزير النفط الذين يفهمون بأنه لا يوجد مستقبل لسوريا أو مستقبل لهم وعائلاتهم في سوريا ما دام هذا النظام باقيا في السلطة. ذلك التفريغ سيعني أن النظام يصبح هشا وقد ينكسر بسرعة.

الأمر نفسه يحصل بين رجال الأعمال، باتوا يعرفون أنه لا يوجد هناك مستقبل لهم أو لعائلاتهم أو لشركاتهم ومتاجرهم مع هذا النظام، قد لا يشعرون أن بإمكانهم التحرك في الوقت الراهن إلا إذا رأوا اللحظة آتية، قد يحدث الأمر سريعا.

* هل سيحدث ذلك قريبا؟

- هذا ممكن، ولكن لا نعلم. لقد قلت علنا إنني أشك أن يستمر الوضع أكثر من العام الحالي ولكن من الممكن أن يستمر إلى ما بعد العام الحالي. أشك في ذلك شخصيا، السؤال هو ليس هل سيسقط النظام، بل متى سيسقط؟ هذا أمر أنا واثق منه. فيما يخص الاقتصاد، نحن نرى تعاظم الضغوط، الناس لا يستطيعون تدفئة منازلهم ولا يستطيعون الحصول على الوقود أو النفط لسياراتهم وفي السابق لم يحصلوا على الديزل للشاحنات أو المازوت. الأسعار الرسمية للمواد التي تدعمها الحكومة قد ارتفعت، كما أن بسبب الفساد السعر أصلا يصبح أعلى من الذي تضعه الحكومة، بينما التضخم يتصاعد والليرة السورية تفقد قيمتها بسرعة عالية. الاقتصاد ينهار، وهو ينهار نتيجة تصرف هذا النظام. لا يمكن القيام بهذه العمليات الأمنية الواسعة حول البلاد وتوقع مواصلة الحياة الاقتصادية بشكل طبيعي. لقد انهارت السياحة ووقف الاستثمار، بينما تراجعت ثقة المستهلكين بينما التجارة مع دول الجوار تراجعت. هناك ساعة اقتصادية تدق وأخذت العقوبات تؤثر على الوضع أيضا.

* هل تتوقع أن الساعة الاقتصادية سيتوقف دقها قبل نهاية العام؟

- أعتقد أن التراجع المتواصل في الاقتصاد يظهر للناس بوضوح نتيجة تصرفات هذا النظام، لقد تسبب النظام بهذا الوضع ولا يمكن له أن يحله.

* إذن أنت تعتبر أن انهيار النظام سيكون من الداخل وليس من قبل أطراف خارجية؟

- نعم.. أعتقد أن هذا ما سيحدث وأعتقد هذا ما يجب أن يحدث. إنه الأمر المناسب.

* لا تؤمن بحل عسكري أو تدخل عسكري من الخارج؟

- لا، نحن وغيرنا من دول سنعمل على عزلة النظام وسنعمل على تعظيم الدعم للمعارضة ولكن لن نسلح المعارضة. وأعتقد أنه عندما سيكسب الشعب السوري حريته، مثلما حدث في دول أخرى في العالم العربي، سيفعل ذلك بجهوده هو.